يبدو أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تنفيذ ضربات عسكرية استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية، لم تحدث أزمة في منطقة الشرق الأوسط، بل تبعتها موجة من ردود الفعل المتباينة والحادة داخل الكونجرس الأمريكي نفسه، إذ انقسم المشرعون بين مؤيدين يرون في الخطوة ضرورة أمنية وعرضًا للقوة، ومعارضين يعتبرونها تصعيدًا غير دستوري وخطوة قد تجر الولاياتالمتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. وقال ترامب في خطاب متلفز من البيت الأبيض إن "المنشآت الأساسية لتخصيب اليورانيوم في إيران قد تم تدميرها بالكامل"، واصفًا العملية ب"النجاح العسكري المذهل"، مضيفًا: "لا يوجد جيش في العالم كان يمكنه تنفيذ هذه المهمة بهذه الدقة والفعالية"، ليختتم تصريحاته بشعار السلام المعتاد بالقول: "الآن هو وقت السلام!". تصاعد التوتر بشكل كبير بعد هذا الهجوم، خاصة أن ترامب لم يطلب تفويضًا من الكونجرس، الأمر الذي اعتبره عدد من النواب، خصوصًا من الحزب الديمقراطي، انتهاكًا خطيرًا للدستور الأمريكي وصلاحيات الحرب المنصوص عليها فيه. مواقف داعمة من الجمهوريين جاءت أبرز التصريحات المؤيدة من رموز بارزة في الحزب الجمهوري الذي يتبعه الرئيس، حيث قال السيناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولاينا، ليندسي جراهام، في تصريح عبر حسابه على منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "جيد. هذا هو القرار الصحيح. النظام الإيراني يستحقه. أحسنت، الرئيس ترامب". أما رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون، فقد كتب على حسابه أن "العمليات العسكرية في إيران يجب أن تكون تذكيرًا واضحًا لأعداء الولاياتالمتحدة وحلفائها بأن الرئيس ترامب يعني ما يقول"، مشيرا إلى أن ترامب منح القيادة الإيرانية باعتقاده كل الفرص لإبرام اتفاق لكنها رفضت التخلي عن برنامجها النووي، وهو ما يبرر الآن "فرض سياسة ترامب بالقوة والدقة والوضوح" بحسب تعبيره. أما السيناتور تيد كروز، عن ولاية تكساس، والمعروف بدعمه للضربات العسكرية الإسرائيلية ضد إيران، فقال في بيان رسمي: "طالما كانت إيران قادرة على استخدام منشأة فوردو، فإنها كانت ستملك إمكانية الإسراع نحو إنتاج ترسانة نووية"، مضيفًا أن، الضربات التي نُفذت أغلقت هذا الاحتمال إلى حد كبير، ووجهت ضربة ل "التهديد الكارثي الذي يشكله السلاح النووي الإيراني". بدوره، قال النائب الجمهوري ريك كروفورد، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، إنه كان على اتصال بالبيت الأبيض قبل تنفيذ الضربة، مؤكدًا أنه سيتابع التطورات مع الإدارة الأمريكية خلال الأيام المقبلة. ورغم هذا الدعم الواسع داخل المعسكر الجمهوري، إلا أن بعض الأصوات المخالفة ظهرت أيضًا، منهم النائبة مارجوري تايلور جرين عن ولاية جورجيا، حيث كانت من أوائل الرافضين للعملية، وكتبت عبر "إكس": "هذه ليست حربنا. في كل مرة تكون أمريكا على أعتاب التقدم والازدهار، نجد أنفسنا في حرب أجنبية جديدة. ما كانت لتُلقى القنابل على شعب إسرائيل، لولا أن نتنياهو بدأ بقصف الشعب الإيراني أولاً". أما النائب توماس ماسي عن ولاية كنتاكي، فقد شارك منشور ترامب حول الضربة وعلق عليه بكلمة واحدة: "غير دستوري". وكان ماسي قد قدم مشروع قرار في وقت سابق من الأسبوع الجاري، يحظر أي تدخل عسكري أمريكي في الحرب بين إسرائيل وإيران، مشددًا على أن "سلطة إعلان الحرب تعود للكونجرس، وليس للرئيس"، وأضاف عبر "إكس": "هذه ليست حربنا، وإن كانت كذلك، فعلى الكونجرس اتخاذ القرار وفقًا للدستور". الديمقراطيون يردون على الطرف الآخر، جاءت ردود فعل الديمقراطيين غاضبة ومنددة، حيث أصدر زعيم الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب حكيم جيفريز، بيانًا شديد اللهجة قال فيه إن الرئيس ترامب "ضلل البلاد بشأن نواياه، ولم يسع للحصول على تفويض من الكونجرس لاستخدام القوة العسكرية"، محذرا، من أن الرئيس الجمهوري يعرض الولاياتالمتحدة لخطر التورط في حرب كارثية جديدة في الشرق الأوسط. أما السيناتور تشاك شومر، زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، فقد طالب بتفعيل "قانون صلاحيات الحرب"، مؤكدًا أن الرئيس يجب أن يقدم "تفسيرًا واضحًا للكونجرس والشعب الأمريكي بشأن الضربات وتداعياتها على أمن البلاد". وقال شومر: "لا ينبغي لأي رئيس أن يقود البلاد إلى حرب عبر تهديدات متهورة ودون أي استراتيجية. التصدي لإرهاب إيران وطموحاتها النووية وعدوانها الإقليمي يتطلب وضوحًا استراتيجيًا، لا قرارات فردية. لقد زادت الآن احتمالات اندلاع حرب أوسع، أطول، وأكثر دمارًا". وجاءت تحذيرات أخرى من جر واشنطن، لنزاع مفتوح دون خطة، بسبب قرارات ترامب، حيث صرح، السيناتور مارك وارنر، نائب رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، بالقول إنه لا شك في أن إيران تشكل تهديدًا جادًا لاستقرار المنطقة، لكنه شدد على أن قرارات الرئيس تهدد بجر الولاياتالمتحدة إلى "نزاع مفتوح طويل الأمد، دون الرجوع إلى الكونجرس ودون وجود خطة واضحة". من جانبه، دعا النائب الديمقراطي رو خانا، الذي شارك في رعاية مشروع قانون لتقييد سلطات الرئيس العسكرية، إلى عودة الكونجرس إلى الانعقاد فورًا للتصويت على القرار، وقال في بيان صباح الأحد: "يجب أن نعود إلى واشنطن فورًا للتصويت من أجل منع المزيد من التصعيد. ضربات ترامب غير دستورية وتعرض حياة الأمريكيين، وخاصة جنودنا، للخطر". وطالب أيضًا النائب الديمقراطي جيم ماكجفرن، بعودة عاجلة إلى واشنطن، فيما وصفت النائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز الضربات بأنها "انتهاك جسيم للدستور ولصلاحيات الحرب الممنوحة للكونجرس". وكتبت: "ترامب يغامر بإطلاق حرب قد تستمر لأجيال. هذا القرار يمثل أساسًا واضحًا للمساءلة وربما العزل". من جانبها دعت النائبة الديمقراطية رشيدة طليب، زملاءها إلى عدم تكرار "الخطأ التاريخي"، وكتبت عبر "إكس": "لا تكرروا خطأ الانزلاق إلى حرب جديدة. بإمكانكم وقف الرئيس ومروجي الحرب داخل الكونجرس من خلال دعم قرارنا بشأن صلاحيات الحرب". وفي جولة له في ولايات جنوبية محافظة، أعلن السيناتور المستقل بيرني ساندرز أن الولاياتالمتحدة نفذت ضربات على إيران، ليرد الحضور بهتافات "لا للحرب". وقال ساندرز في كلمته: "هذا القرار غير دستوري بشكل فاضح. الجميع يعلم أن الجهة الوحيدة التي يمكنها إعلان الحرب هي الكونغرس. الرئيس لا يملك هذا الحق". ورغم الإجماع شبه الكامل داخل الحزب الديمقراطي ضد قرار ترامب، إلا أن السيناتور الديمقراطي عن ولاية بنسلفانيا، جون فيترمان، عبر عن دعمه الكامل للضربة، وكتب: "لطالما اعتبرت أن هذا هو القرار الصائب. إيران هي الراعي الأول للإرهاب في العالم ولا يمكن السماح لها بامتلاك قدرات نووية. أشكر قواتنا المسلحة وأحيي أداءهم".