في ظل استمرار القتال بين تل أبيب وطهران لليوم السابع وانتشار صور وفيديوهات تظهر حجم الدمار الذي طال العمق الإسرائيلي جراء الضربات الإيرانية، عاد إلى الأذهان الانتهاكات التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر منذ بدء الحرب في أكتوبر 2023 دون انتهاء. ترتقي الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، من حصار وقتل وتجويع واستخدام المدنيين كدروع بشرية في أماكن القتال، فضلًا عن الاستهداف الممنهج للمستشفيات والمراكز الصحية في القطاع المُدمر بزعم أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تستخدمها لأغراض عسكرية، إلى "جرائم حرب". استهداف ممنهج للمستشفيات خرجت معظم المستشفيات والمراكز الصحية في قطاع غزة عن الخدمة جراء القصف الإسرائيلي المستمر عليها، وكان دائمًا ما يبرر الاحتلال هذا القصف بزعم أن حماس تستخدم المشافي لتخزين السلاح وأن للحركة أنفاق أسفلها للاختباء بها، تلك المزاعم التي ما نفتها الحركة كثيرًا. لكن عندما انقلب الأمر وطال القصف هذه المرة مبنًى عسكريًا بجوار مستشفى سوروكا الإسرائيلي- الذي كان يستقبل أسرى الاحتلال المُفرج عنهم من قِبل المقاومة الفلسطينية- خرج الاحتلال ليندد بالقصف الإيراني محيط المركز الطبي باعتباره "جريمة حرب". كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أول من ندد بالهجوم الإيراني، واصفًا استهداف محيط مستشفى سوروكا بأنه "عمل إرهابي من قِبل طغاة إيران" وفق زعمه، ومتوعدًا طهران بأنها "ستدفع ثمنًا باهظًا". واعتبر نتنياهو أن استهداف منشأة طبية يمثل "جريمة حرب مروعة تستهدف الأبرياء". وعند العودة لقطاع غزة، نجد أن الاحتلال استهدف بشكل ممنهج المستشفيات التي لا تعالج المرضى فقط بل تؤوي آلاف النازحين الفارين إليها باعتبارها "ملاذ آمن"، وفقًا للقانون الدولي. وتسبب القصف الإسرائيلي المستمر في كارثة صحية مع منع إدخال المواد الطبية والمعدات اللازمة لتشغيل المستشفيات مثل الوقود. وكان أبرزها، المستشفى المعمداني الذي تم قصف مبنى الاستقبال والطوارئ وقسم العمليات الجراحية ومحطة توليد الأكسجين الطبي وغيرها في أبريل الماضي. ومجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوبي القطاع في مارس الماضي، فضلًا عن اقتحام جنود الاحتلال مستشفى كمال عدوان شمالي غزة، وأحرق مرافقه وأجبر الطواقم الطبية والمرضى في المستشفى على خلع ملابسهم في البرد الشديد، ثم اقتادهم إلى جهة مجهولة، وغيرها. استخدام التجويع كسلاح بالرغم من أن استخدام التجويع كسلاح لتحقيق أهداف عسكرية هو أمر محرم في القانون الدولي؛ فإن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بهذا الأمر كعادته، إذ منعت حكومة الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة وأغلقت جميع المعابر الرئيسية لإحكام محاصرته برًا وبحرًا وجوًا. ووسط التحذيرات الدولية من كارثة دخول القطاع الفلسطيني في مجاعة من جانب، والضغوط الدولية على الكيان الصهيوني للسماح للمؤسسات الأممية والإنسانية بإدخال وتوزيع المساعدات على الفلسطينيين الذين يعانون من جانب آخر؛ يتواصل التعنت الإسرائيلي بالرفض. وبعد ثلاثة أشهر من الحصار، أعلنت إسرائيل نهاية مايو أنها وافقت على إدخال بعض المساعدات- "الضئيلة جدًا"- إلى قطاع غزة لكن هذه المرة ستتولى جهة جديدة مسؤولية توزيع المساعدات وذلك بزعم منع حماس من سرقة ونهب المساعدات، وهذه الجهة كانت "مؤسسة غزة الإنسانية"، المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا. ولكن كانت المفاجأة أن جيش الاحتلال استهدف الفلسطينيين في المواقع التي خصصها لتوزيع المساعدات، ما أسفر عن استشهاد العشرات وإصابة المئات. وفي يومي الاثنين والثلاثاء فقط استشهد 74 شخصًا وأُصيب أكثر من 200 آخرين في مدينتي خان يونس ورفح جنوبي القطاع، بحسب صحة غزة. استخدام المدنيين ك"دروع بشرية" "المرة الوحيدة التي لم أكن فيها مقيدًا أو معصوب العينين عندما استخدمني جنود الاحتلال درعًا"، هذا ما قاله معتقل فلسطيني سابق لوكالة "أسوشيتد برس"، آخر مايو الماضي، مشيرًا إلى أن جنود الاحتلال الإسرائيلي هددوه بالقتل واجبروه على دخول منازل بغزة وكاميرا مثبتة على جبهته للتأكد من خلوها من قنابل ومسلحين. ولم تكن هذه حالة فردية، بل نقلت الوكالة ذاتها شهادة 7 فلسطينيين تتعلق باستخدامهم كدروع بشرية في غزة والضفة الغربيةالمحتلة، كما نقلت جماعات حقوقية عن فلسطينيين الشهادات ذاتها بأن جنود الاحتلال أجبروهم على الدخول لتفتيش المنازل وتفتيش كل حفرة في الأرض بحثًا عن أنفاق في القطاع. كما اعترف جنود وضباط إسرائيليين أنهما شاركا في هذه الممارسة التي يحظرها القانون الدولي. إذ قال ضابط إسرائيلي، إن الأوامر كانت تأتي من الأعلى وفي بعض الأحيان استخدم كل فصيل إسرائيلي فلسطينيًا لتطهير المواقع وإخلاءها قبل دخولها، وفق ما صرح به ل"أسوشيتد برس". وقالت منظمة "كسر الصمت" الإسرائيلية، المناهضة للاحتلال، إن جنودًا إسرائيليين سابقين أدلوا بشهادات تفيد باستخدام الجيش لفلسطينيين كدروع بشرية خلال عملياته، بحسب ما نقلته وكالة "أسوشيتد برس". وأكدت المنظمة أن هذه الشهادات لا تمثل حوادث فردية، بل تعكس نمطًا ممنهجًا وانهيارًا أخلاقيًا داخل صفوف الجيش الإسرائيلي. وفي المقابل، نفى جيش الاحتلال الاتهامات، زاعمًا أنه يحظر استخدام المدنيين كدروع بشرية. وادعى أنه يحقق في بعض الحالات التي يُزعم فيها تورط فلسطينيين في مهام عسكرية بقطاع غزة. وعلى الرغم من اشتداد حدة الهجمات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران، فإن الاحتلال لم ينشغل عن استهداف الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ أعلنت وزارة الصحة بغزة، اليوم الخميس، أن الغارات الإسرائيلية على القطاع أسفرت عن استشهاد أكثر من 70 شخصًا. ليرتفع عدد الشهداء إلى أكثر من 55160 فلسطينيًا منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023. وقالت صحة غزة، إن من بين الشهداء عدد من الأطفال، منهم طفلان استُشهِدا بعد تعرض عدة منازل في جباليا شمالي القطاع لنيران إسرائيلية. وفي مخيم الشاطئ للاجئين، غرب مدينة غزة، استُشهِد ثلاثة أطفال كانوا يحتمون في خيمة جراء القصف، وفقًا لمحمد أبو سلمية، مدير مستشفى الشفاء في غزة. وأكد خبير قانون حقوق الإنسان وقوانين الحرب الإسرائيلي، مايكل سفارد، أن أي حرب مع إيران لن تمحو جرائم الاحتلال في غزة، موضحًا أن إسرائيل تدمر البلدات وتبيد القرى بفلسطين، مع أنه لا يوجد تفسير عسكري لهذا التدمير الذي يعد من الناحية القانونية جريمة سافرة تساندها أساليب التجويع واستخدام المساعدات الإنسانية سلاحًا لتنفيذ عمليات تهجير السكان.