رغم الدعوات الدولية إلى "ضبط النفس"، شنت الهند في ساعة مبكرة من يوم الأربعاء، هجوما صاروخيا مباغتا على بعض المناطق الباكستانية، ما أثار مخاوف من انجرار القوتين النوويتين إلى حرب شاملة. بحسب الجيش الباكستاني، أدى القصف الهندي إلى مقتل 8 مواطنين وإصابة 43 آخرين. وقال الجيش الهندي في بيان، إنه قصف 9 مواقع في منطقتي جامو وكشمير الباكستانيتين لاستهداف "بنى تحتية إرهابية"، مؤكدا أن هجومه لم يستهدف منشآت عسكرية لإسلام آباد. وكتب في منشور على منصة "إكس" "تم تحقيق العدالة". ووصفت الحكومة الهندية الهجوم، بأنه "مُركّز ومحسوب ولا ينطوي على تصعيد". في المقابل، كذّبت باكستان على لسان وزير دفاعها خواجة محمد آصف، ادّعاءات نيودلهي بأن القصف استهدف بنى تحتية إرهابية، مؤكدا أن جميع المناطق التي استهدفها القصف مدنية. وعقب وضع الخطط العسكرية في إسلام آباد، سرعان ما أعلن رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، بدء الرد الانتقامي على القصف الهندي الذي وصف ب"الجبان". قبل أن يبدأ الجيشان قصفا متبادلا على طول خط وقف النار في إقليم كشمير المتنازع عليه. خلفية الأزمة تصاعدت التوترات بين الهندوباكستان، عقب هجوم إرهابي أودى بحياة 26 سائحا بمنطقة باهالجام في الجزء الخاضع لسيطرة نيودلهي من إقليم كشمير يوم 22 أبريل الماضي. وحمّلت الحكومة الهندية، باكستان المسؤولية عن الحادث بدعمها جماعة "مقاومة كشمير"، غير أن نيودلهي نفت الاتهامات وأبدت استعدادها للمشاركة في التحقيقات حول الهجوم. وفي إطار تصعيدي، قررت الهند طرد دبلوماسيين باكستانيين وإغلاق معبر حدودي رئيسي، فضلا عن تعليق العمل باتفاقية "نهر السند" التي تنظم عملية تقاسم مياه النهر العابر للحدود بين الدولتين. وردا على ذلك، قامت إسلام آباد بطرد دبلوماسيين هنود، إلى جانب إغلاق الحدود والمجال الجوي أمام الطائرات الهندية وتعليق التجارة مع نيودلهي. وعلى مدار الصراعات التي خاضها البلدان الآسيويان، شكّل إقليم كشمير المتنازع عليه ميدانا للاشتباكات بين الجيشين. سيناريوهات التصعيد المحتملة وفي ظل التصعيد الجاري بين نيودلهي وإسلام آباد، تتزايد المخاوف الدولية من تطور الاشتباكات إلى حرب شاملة تجبر طرفي النزاع على اللجوء إلى "الخيار النووي"، فماذا يقول الخبراء والمحللون حول العالم وما احتمالات تطور الصراع؟ "الحرب الرمزية" رغم التصعيد المتزايد بين الهندوباكستان، يشير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، إلى أن تطور الأوضاع إلى مواجهة شاملة لا يزال الأقل احتمالا في ظل التوازن النووي بين البلدين. ويوضح أن المواجهة ستقتصر على ضربات محدودة تعتمد على ضربات جوية باستخدام الطائرات والصواريخ والاشتباكات المحدودة على طول خط السيطرة في كشمير، دون أن تتطور إلى مواجهة تتضمن غزو أو توغل أرضي شامل في ما يُعرّفه المركز الأوروبي ب"الحرب الرمزية". ويستند المركز في تحليله، إلى أن ما تمتلكه الهندوباكستان من ترسانة نووية كبيرة، سيجبرهما على تجنب الإقدام على مغامرة نووية، وحصر نطاق الصراع بعيدا عن الحرب الشاملة؛ إذ أن أي تعيد سيُقابل بضغوط داخلية ودولية من أجل التهدئة. وفي إطار الحرب الرمزية المحتملة، يرجّح المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات، أن تظل المواجهات بين الهندوباكستان محدودة بين مزيج من عمليات الاغتيال وحملات دعائية دون انتهاك عتبة الحرب المفتوحة. "الحرب الشاملة" يستبعد الخبراء والمحللون، توسع الصراع وتطوره إلى حرب شاملة بين البلدين بسبب قوة "الردع النووي"؛ ففي الماضي لم تمنع القدرات النووية لكل من الهندباكستان اندلاع مواجهات مسلحة بين جيشي البلدين، لكنها في الوقت نفسه تحد من احتمالات تحول الصراع إلى حرب برية. وفي عام 1999، اندلع نزاع مسلح بين إسلام آباد ونيودلهي، حينما تسلل مسلحون مدعومون من باكستان إلى المنطقة الخاضعة للسيطرة الهندية من إقليم كشمير، ما أدى إلى نزاع محدود. لكن الهند تمكنت في نهايته من استعادة السيطرة على المطقة بعد معارك ضارية وضغوط دولية على باكستان لسحب قواتها. ويُقدّر الخبراء، أن اندلاع "مواجهة كارثية" بين البلدين لا يزال ضئيلا، بشرط ألا يدفع أحدهما الآخر إلى "وضع حرج" يجبره على اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية. اقرأ أيضا: الهندوباكستان.. حرب محتملة تهدد ب"شتاء نووي" و100 مليون قتيل الخيار النووي رغم ما يمثله استخدام الأسلحة النووية من عامل حاسم في الحروب، إلا أن الخبراء يرجحون أن الهندوباكستان لن تلجآ إلى استخدامها إلا إذا باتت هزيمة إحداهما مقابل الأخرى وشيكة. ويقول خبراء غربيون، إن "الطرفين لن يضعا في اعتبارهما استخدام سلاح نووي إلا إذا دُفع إلى الجدار"، وفق "رويترز". ووفق المركز الأوروبي، يضع امتلاك سلاح نووي طرفي الصراع أمام حدود واضحة للاعتداءات التقليدية؛ إذ إن أي حرب شاملة في منطقة ذات كثافة سكانية عالية ستنتهي "بشكل كارثي". في سياق ذلك، يقول مؤيد يوسف، زميل بارز في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية ومستشار الأمن القومي السابق لباكستان، إن جنوب آسيا يُعرف بأنه "أخطر بؤرة نووية محتملة في العالم"، ما يؤكد خطورة أي اشتباك يخرج عن السيطرة. ومع ذلك، يحذّر خبراء من أن أي تصعيد عسكري حتى وغن لم يتضمن اللجوء للأسلحة النووية، يحمل مخاطر زائدة بسبب كثرة الأسلحة التقليدية المتطورة مثل المقاتلات والصواريخ طويلة المدى، وفق "رويترز". يتوافق المحللون، على أن الصراع بين الهندوباكستان سيظل ضمن حدود "الحرب الرمزية" أو "الردع المتبادل" ما لم تتعرض إحداهما إلى هزيمة ساحقة، الأمر الذي من شأنه أن يفتح الباب أمام استخدام الأسلحة النووية، وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات. موقف الدول العظمى من الصراع الولاياتالمتحدة منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير الماضي، اتسمت سياسة واشنطن الخارجية بنهج يبتعد عن الانخراط المباشر في الأزمات الخارجية؛ إذ علَق ترامب على التوترات الجارية بين الهندوباكستان قائلا: "سوف يتدبرون الأمر بأنفسهم بطريقة أو بأخرى". وبحسب ومستشار الأمن القومي السابق لباكستان مؤيد يوسف، لم تُبد واشنطن اهتماما بالانخراط في الوساطة بين نيودلهي وإسلام آباد، واقتصرت جهودها على الدعوة إلى "ضبط النفس". وأعلن مجلس الأمن القومي الأمريكي، اليوم الأربعاء، أن وزير الخارجية ماركو روبيو أجرى محادثات مع نظيريه الهنديوالباكستاني وشجّعهما على إعادة فتح قنوات الاتصال لتهدئة الوضع وخفض التصعيد. الصين منذ بدأ التوترات الجارية، أعلنت تصريحات وزارة الخارجية الصينية دعم بكينلباكستان. إذ أكد وزير الخارجية وانج يي أن "مكافحة الإرهاب مسؤولية مشتركة للجميع"، معربا عن دعم بكين الكامل لإجراءات إسلام آباد وفهم بلاده "للمخاوف الأمنية المشروعة لباكستان ومساعدتها في حماية سيادتها". وفي الوقت نفسه، دعت بكينالهندوباكستان إلى ضبط النفس والتعاون لتهدئة الوضع، مطالبة بإجراء تحقيق محايد في ملابسات هجوم باهالجام. روسيا عبّرت روسيا عن قلقها من التوترات بين الهندوباكستان، معربة عن أملها أن يتخذ البلدان خطوات لتقليل جدة التوتر. وقال المتحدث باسم الرملين دميتري بيسكوف، إن موسكو تقيّم علاقتها الاستراتيجية مع نيودلهي وإسلام آباد". وتوازيا مع ذلك، عرضت موسكو الانخراط في جهود الوساطة بين الهندوباكستان، حيث أجرى وزير الخارجية سيرجي لافروف محادثات هاتفية مع قادة البلدين الأسبوع الماضي. لكن على الرغم من دعوتها إلى وقف إطلاق النار دون منح أولوية لأحد الطرفين، تبقى روسيا المورد الأكبر للأسلحة إلى الهند. الاتحاد الأوروبي أبدى الاتحاد الأوروبي قلقا متزايدا من تصاعد الأوضاع بين الهندوباكستان، داعيا إلى "ضبط النفس واللجوء إلى الحوار". وفق ما قالته مفوضية الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي كايا كالاس. وأجرى مسؤولون أوروبيون اتصالات دبلوماسية مع نيودلهي وإسلام آباد، دعوا خلالها إلى التفاوض. توقيت التصعيد.. دلالات إقليمية ودولية يحذّر متتبع الصراعات العالمية "جلوبال كونفليكت تريكير"، وهو مركز أبحاث مستقل، من أن التصعيد بين البلدين جاء في وقت حرج ومال زال يتردد صداه على الساحتين الإقليمية والدولية؛ فالإجراءات التصعيدية بين لهند وباكستان في أعقاب الهجوم أدت في النهاية إلى الاشتباك العسكري الذي بدأ صباح الأربعاء. على المستوى الإقليمي، لا تزال كشمير نقطة خلاف وصدام رئيسية بين نيودلهي وإسلام آباد، يُضاف إليها ملف المياه وآثاره الأمنية، ما قد يؤثر على الأوضاع الأمنية في جنوب آسيا بشكل أوسع؛ حيث تنازع البلدان، القوتان الإقليميتان الأبرز، على النفوذ والموارد، فيما تراقب دول الجوار الموقف لترقب شديد خشية تطور المواجهة، وفق مركز الأبحاث المستقل. أمّا على المستوى الدولي، يقول "جلوبال كونفليكت تريكير"، إن التصعيد الحالي كشف مدى هشاشة الاستقرار النووي؛ حيث دعا المجتمع الدولي بما في ذلك الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي والصين ومجلس الأمن الدولي، البلدين إلى التمهل ووقف إطلاق النار. وشددت عواصم كبرى، على أن أي حرب في المنطقة ستكون كارثية عالميا بسبب الترسانة النووية لكل من الهندوباكستان، كما ينبّه الصراع إلى تشتت اهتمامات القوى العالمية وحاجة المنطقة إلى ضغط دبلوماسي متكامل في وقت تتنافس فيه دول آسيوية على التسلح.