مثّلت مكانة لا تُستبدل في حياته. جمعته بها شراكة زوجية طويلة، تعانقت أيديهما خلال نوائب الحياة، وصفها مرارا ب"السند"، ظلت السيدة جينيفر هيلين رفيقة العُمر والكفاح والحب والشقاء للعالم الدكتور أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي الأشهر، حتى رحلت عن عالمنا بالأمس. صباح أمس الأربعاء، تُوفيت زوجة مستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسية ووالدة الدكتور طارق عكاشة أستاذ الطب النفسي، وهشام عكاشة، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري بعد أن أفنت حياتها من أجل سعادة أسرتها وتركت أثرا عظيما لن يُنسى. تعرّف عكاشة على جينيفر أثناء عمله في إنجلترا؛ كانت تعمل معه في مهنة الطب النفسي التي وطدت علاقتهما، ومع الوقت كشفت عن التوافق الفكري والثقافي بينهما، ما جعله يرغب الزواج بها. لم تكن فكرة الزواج من أجنبية مرفوضة من قبل أسرة عكاشة، بل ترك والده له حرية اختيار شريكة حياته التي سيكمل معها. حينها؛ طلب من شقيقه الأكبر ثروت عكاشة وزير الثقافة الأسبق والمفكر الكبير وشقيقته السفر إلى إنجلترا ليتعرفا عليها. قبل الزواج عُرض على عكاشة الإقامة في إنجلترا واستكمال حياته هناك، ولكن كانت جينيفر تعي جيدًا أن زوجها لن يقبل المعاملة بأقل من مواطني البلد؛ فرفضت استقراره بإنجلترا وطلبت منه العودة إلى مصر. كان عكاشة في بداية مشواره المهني آنذاك، حينما تقدّم إليها، وأخبرها عن ظروفه المعيشية التي ستضطر إلى قبولها إذا وافقت على طلب الزواج، منها أنه سيُعين مُعيدًا بالجامعة براتب 22 جنيهًا في الشهر، إضافة إلى أنهما سيسكنان في منزل والداه. رغم بساطة إمكانياته؛ وافقت جينيفر على الزواج. كانت ترغب بتوحد ديانتهما من أجل الأولاد في المستقبل؛ لهذا السبب اعتنقت الإسلام، وجاءت إلى مصر حتى تقرر إذا كان بإمكانها العيش بها بطلب من زوجها عكاشة. ضحّت خريجة جامعة أكسفورد من أجل زوجها؛ يحكي في حوار صحفي سابق أنها رفضت الاستقلال في سكن منفصل بعيدًا عن أسرته حتى لا تحمّله أعباءً ماديةً زائدة، وعاش الاثنان في مُستقر الزوجية الذي كان عيادة العمل الخاصة به أيضا. خصصت الزوجة الراحلة غرفة للنوم وباقي الشقة عيادة له، هكذا تم تقسيم المكان، وفي وقت العمل كانت تغلق باب الغرفة لتنفصل تماما عن العيادة، فيما كانت تساعد الطبيب النفسي في إنهاء أعماله، إذ اعتمد عليها في كتابة أبحاثه على الآلة الكاتبة حتى بعد إنجابهما لطفلهما الأول حينها على حد قوله في حوار سابق له. رحلة شاقة تحملتها جينيفر برفقة شريكها عكاشة؛ زيّنها الحب وجعلتها التضحية أيسر. كان الطبيب يبدأ يومه باكرًا؛ يستيقظ في السابعة صباحًا للذهاب إلى طنطا لأداء المحاضرة، ثم يعود ليستكمل عمله في كلية الآداب جامعة القاهرة، ومنها إلى كلية الآداب جامعة عين شمس، لينتهي به إلى محل عيادته وسكنه لاستقبال طلبة الدبلومة وزيارات المرضى، هكذا كان يقضى يومه حتى الساعة الثانية عشر من منتصف الليل. تخلّت جينيفر عن حلمها المهني، سعيًا في تربية الأبناء، فكانت ترعاهم في حياتهم الدراسية والشخصية، تُحضرهم إلى المدرسة يوميا، تصحبهم إلى المسجد في الصلاة، تقوم بواجباتها على أكمل وجه، وتعطيه من الرعاية بنفس القدر، تفعل ذلك كله بنفس راضية وحب، ولذلك أرجع عكاشة الفضل لها في أشياء عديدة؛ كانت الحياة متزنة بينهما بهذا الشكل، إلى أن وافتها المنية.