إشادة برلمانية وحزبية بكلمة السيسي في ذكرى تحرير سيناء.. حددت ثوابت مصر تجاه القضية الفلسطينية.. ويؤكدون : رفض مخطط التهجير ..والقوات المسلحة جاهزة لحماية الأمن القومى    التوقيت الصيفي في مصر.. اعرف مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 26 - 4 - 2024    على مدار 3 أيام، ثبات سعر اليوان الصيني في البنك المركزي    أسعار اللحوم اليوم 26-4-2024 بعد انخفاضها بمحال الجزارة    الذهب يتجه عالمياً لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    لمناقشة إصلاح العدالة الجنائية، هاريس تستضيف كيم كارداشيان في البيت الأبيض    طيران الاحتلال يشن غارات على حزب الله في كفرشوبا    الطلاب المؤيدون ل غزة يواصلون اعتصامهم في جامعة كولومبيا الأمريكية|شاهد    فرنسا تهدد بعقوبات ضد المستوطنين المذنبين بارتكاب عنف في الضفة الغربية    عودة نيدفيد.. مصراوي يكشف تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة مازيمبي الكونغولي    «شرف ليا ولكن».. رمضان صبحي يكشف موقفه من الانضمام للأهلي أو الزمالك في الصيف (فيديو)    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 26- 4- 2024 والقنوات الناقلة    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 27 أبريل 2024 | إنفوجراف    حكاية الإنتربول مع القضية 1820.. مأساة طفل شبرا وجريمة سرقة الأعضاء بتخطيط من مراهق    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    صحة القليوبية تنظم قافلة طبية بقرية الجبل الأصفر بالخانكة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على تراجع    أبناء أشرف عبدالغفور الثلاثة يوجهون رسالة لوالدهم في تكريمه    166.7 مليار جنيه فاتورة السلع والخدمات في العام المالي الجديد    أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية جديدة بمليارات الدولارات إلى كييف    "تايمز أوف إسرائيل": تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن 40 رهينة    قوات الاحتلال تعتقل شقيقين فلسطينيين بعد اقتحام منزلهما في المنطقة الجنوبية بالخليل    الأسعار كلها ارتفعت إلا المخدرات.. أستاذ سموم يحذر من مخدر الأيس: يدمر 10 أسر    أعضاء من مجلس الشيوخ صوتوا لحظر «تيك توك» ولديهم حسابات عليه    بعد سد النهضة.. أستاذ موارد مائية يكشف حجم الأمطار المتدفقة على منابع النيل    أبرزهم رانيا يوسف وحمزة العيلي وياسمينا العبد.. نجوم الفن في حفل افتتاح مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير (صور)    مبادرة مقاطعة الأسماك: التجار حاولوا لي ذراع المواطنين فقرر الأهالي المقاطعة    القومي للأجور: جميع شركات القطاع الخاص ملزمة بتطبيق الحد الأدنى    وزير الخارجية الصيني يلتقي بلينكن في العاصمة بكين    أنغام تبدع في غنائها "أكتبلك تعهد" باحتفالية عيد تحرير سيناء بالعاصمة الإدارية (فيديو)    «الإفتاء» تعلن موعد صلاة الفجر بعد تغيير التوقيت الصيفي    أذكار وأدعية ليلة الجمعة.. اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الجمعة 26 أبريل 2024    مع بداية التوقيت الصيفي.. الصحة توجه منشور توعوي للمواطنين    جدعنة أهالي «المنيا» تنقذ «محمود» من خسارة شقى عمره: 8 سنين تعب    خالد جلال يكشف تشكيل الأهلي المثالي أمام مازيمبي    الإنترنت المظلم، قصة ال"دارك ويب" في جريمة طفل شبرا وسر رصد ملايين الجنيهات لقتله    إعلان نتيجة مسابقة المعلمة القدوة بمنطقة الإسكندرية الأزهرية    هيئة الغذاء والدواء بالمملكة: إلزام منتجات سعودية بهذا الاسم    أحمد كشك: اشتغلت 12 سنة في المسرح قبل شهرتي دراميًّا    تشرفت بالمشاركة .. كريم فهمي يروج لفيلم السرب    سيد معوض يكشف عن مفاجأة في تشكيل الأهلي أمام مازيمبي    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الجمعة 26/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    «زي النهارده».. استقالة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري من مشيخة الأزهر 26 أبريل 1935    يونيو المقبل.. 21364 دارسًا يؤدون اختبارات نهاية المستوى برواق العلوم الشرعية والعربية بالجامع الأزهر    سيد معوض يكشف عن رؤيته لمباراة الأهلي ومازيمبي الكونغولي.. ويتوقع تشكيلة كولر    "مواجهات مصرية".. ملوك اللعبة يسيطرون على نهائي بطولة الجونة للاسكواش رجال وسيدات    عاجل - تطورات جديدة في بلاغ اتهام بيكا وشاكوش بالتحريض على الفسق والفجور (فيديو)    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    تامر حسني باحتفالية مجلس القبائل: شرف عظيم لي إحياء حفل عيد تحرير سيناء    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    هل تتغير مواعيد تناول الأدوية مع تطبيق التوقيت الصيفي؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف أسهمت الانتفاضات العربية في تعميق الصدع السني الشيعي؟
نشر في مصراوي يوم 25 - 02 - 2021

في 7 مايو عام 2008، كان وفد من عشائر "الدليم" العراقية يزور القاهرة ليطلب من القيادة المصرية تدخلاً عربياً في العراق، لوقف ما وصفه رئيس الوفد عبد الرزاق الدليمي ب"خطر الاحتلال الإيراني".
كان العراق لا يزال يتعافى من تبعات حرب طائفية خلفت عشرات آلاف القتلى، أعقبت الغزو وانهيار مؤسسات الدولة عام 2003، وأدت لسيطرة القوى الشيعية على غالبية مفاصل الحكم في البلاد، وبالمقابل صعود التنظيمات الإسلامية السنية المتطرفة، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة".
وبالمصادفة، تزامنت زيارة وفد "الدليم" الذي حذر من أن نفوذ إيران سيمتد ليشمل الكثير من دول المنطقة، مع حدثٍ سيصب الزيت على نار الطائفية في المنطقة، ففي الثامن من أيار سيطر مقاتلون من "حزب الله" على العاصمة اللبنانية بيروت، بعد صدور قرارين من مجلس الوزراء بمصادرة شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب وإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت، استمرت العملية لأيام وأدت لمقتل 71 شخصاً ولم تنته إلا بعد سحب الحكومة للقرارين.
كانت الكثير من وسائل الإعلام العربية، خاصة الممولة خليجياً، تعج بالأخبار التي تعاطت مع الحدث من منطلق طائفي، ولم يكن يبدو غريباً لقارئ تلك الصحف حينها تجاور خبر حدث بيروت مع خبر آخر بعنوان: "إيران تنفي اتهام واشنطن لحزب الله بتدريب شيعة عراقيين قرب طهران"، إذ كانت الأخبار عن ولادة كتائب حزب الله العراقي قد سبقت ذلك ببضعة أشهر.
هدأت الأوضاع في العراق بعد هزيمة تنظيم "القاعدة"، بدعم كبير مما عرف بالصحوات السنية التي أُنشئت ودُربت من قبل القوات الأمريكية، وفي لبنان استطاعت وساطة قطرية أن تعيد ترتيب البيت اللبناني، وتجاوز لحظة خطرة كادت ان تنزلق خلالها البلاد لاقتتال طائفي.
لكن التطورات التي تلت كشفت أن التسويات التي تم ترتيبها على عجل لم تكن أكثر من علاجات موضعية مؤقتة، وأن الصدع الذي بدأ بالتشكل سيزداد عمقاً ووعورة مع عقد الثورات العربية الذي أدى لتضعضع أنظمة الحكم القائمة في المنطقة، وسيطرة تنظيمات سنية متطرفة على مساحات كبيرة من سوريا والعراق، قبل ان تُهزم هذه التنظيمات مع ظهور الفصائل الشيعية المدعومة إيرانياً.
لولي الفقيه
كان التغير الإقليمي الأبرز الذي شهدته المنطقة قبل ذلك بعقود هو نجاح الثورة الإسلامية التي قادها آية الله خميني في إسقاط نظام الشاه عام 1979، وإقامة نظام حكم إسلامي شيعي يتبع نظرية ولاية الفقيه التي أرساها خميني، والتي تمنحه صلاحيات مطلقة باعتباره نائب الإمام الغائب محمد المهدي بحسب الشيعة الاثني عشرية.
بعدها بعام، دخل العراق وإيران في حرب ضروس استمرت ثمانية أعوام. وبات العراق يوصف من قبل الدول العربية المناوئة لإيران ب"حارس البوابة الشرقية" للعالم العربي أمام إيران "الصفوية" - وليس الشيعية - التي تطمع في استعادة السيطرة على مناطق نفوذها التاريخي في منطقة الخليج، بحسب ما درج الإعلام العربي المعادي لإيران على بثه.
ما لم يتم التنبه إليه آنذاك هو أن إيران كانت قد بدأت بالفعل العمل على مد نفوذها معتمدة على الهوية الشيعية عبر "تصدير الثورة"، وشرعت في بناء أولى لبنات هذا النفوذ في منطقة البقاع اللبناني أوائل عقد الثمانينيات من القرن الماضي، بتأسيس أولى مجموعات تنظيم شيعي جديد يؤمن بولاية الفقيه سيعرف باسم "حزب الله".
طائفية علمانية
لكن اللافت بالعودة إلى تلك المرحلة أن دول المشرق العربي لم تكن قد شهدت أي أحداث عنف طائفي تذكر بين مكوناتها الشيعية والسنية منذ انتهاء عصر الانتداب الغربي وولادة الدول بشكلها الحالي، ربما باستثناء حالتين لاحقاً، شكلتا اختباراً هاماً للطريقة التي قد تلجأ أنظمة حكم قومية علمانية للتعامل من خلالها مع أي خطر قد يهدد بقاءها في سدة الحكم:
الأولى: وقعت في مدينة حماة السنية السورية عام 1982، والتي دخلتها قوات خاصة، تعرف بسرايا الدفاع، بقيادة رفعت الأسد شقيق الرئيس السوري آنذاك حافظ الأسد وهو من الطائفة العلوية، لإنهاء سيطرة جناح عسكري انشق عن قيادة تنظيم الإخوان المسلمين وعرف باسم "الطليعة المقاتلة" على المدينة، وانتهت المعركة بمقتل ما بين خمسة عشر وثلاثين ألف شخص، حسب تقديرات مختلفة، وتمت استعادة السيطرة على حماة.
الثانية: انتفاضة الجنوب الشيعي عام 1991 ضد نظام الرئيس العراقي صدام حسين وهو من الطائفة السنية، وذلك بعد هزيمة قواته واضطراره للاستسلام والخروج من الكويت. واستمرت الانتفاضة لنحو شهر لكنها قُمعت بوحشية كبيرة من قبل قوات خاصة، وخلفت عشرات آلاف القتلى، كما اتضح في تحقيقات أًجريت لاحقاً.
وتابع البعث حكم سوريا والعراق بعد هاتين المجزرتين بيد من حديد، وهو ما عمم حالة من الرعب والذعر والخضوع ظلت مستمرة حتى مارس 2003، تاريخ بدء غزو العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
"الهلال الشيعي"
بعد نحو عام ونصف على سقوط نظام البعث في العراق، وعودة أحزاب المعارضة الشيعية للبلاد من إيران وغيرها، سيحتل مصطلح سياسي جديد مكانة بارزة في التداول السياسي، يحمل بين دلالاته الكثيرة أبعاداً طائفية وسياسية خطيرة.
إذ حذر ملك الأردن عبد الله بن الحسين نهاية العام 2004 مما وصفه ب"هلال شيعي" قد يتشكل بدعم إيراني في المنطقة، يمتد من طهران إلى بيروت. ودعا للتفكير الجدي في مستقبل استقرار المنطقة، لما يمكن ان يحمله هذا التطور من تغيرات في خريطة المصالح السياسية والاقتصادية لبعض دولها على حد قوله.
كانت الحرب الأهلية قد بدأت تطل برأسها في مناطق عديدة من العراق، نتيجة إحساس السنة بأنهم الخاسر الأكبر من سقوط النظام، وهو ما استطاع ما سمي بتنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" استثماره على نحو فعال باستهداف الشيعة في مراقدهم المقدسة، ما جر البلاد لأتون اقتتال كارثي.
وفي العام 2004، كان لبنان يخوض صراعاً داخلياً سياسياً مريراً مع تصاعد الأصوات المطالبة بخروج القوات السورية من لبنان، وعدم التمديد لرئيس الجمهورية إميل لحود المدعوم من سوريا.
وأدى المضي قدماً بالتمديد إلى تصاعد الأزمة التي أدت لاحقاً لموجة اغتيالات كبيرة، كان أبرزها اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في انفجار هائل وسط بيروت في 14 فبراير 2005.
وسرعان ما وجه الاتهام من قبل أطرافٍ لبنانية وعربية ودولية لحزب الله وسوريا بالوقوف وراء الاغتيال الذي نظر إليه على انه اغتيال لزعيم سني عربي وليس لبنانياً فحسب، وهو الاتهام الذي نفاه الطرفان بطبيعة الحال.
منذ ذاك التاريخ تراجعت مكانة حزب الله الذي كانت صور زعيمه حسن نصر الله ترفع في الكثير من العواصم العربية منذ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، لتتكرس صورته خلال الأعوام القليلة التالية عبر الإعلام العربي المدعوم خليجياً كزعيمٍ لحزب طائفي يتلقى تعليماته من المرشد الإيراني ولا يخفي الولاء له، خاصة بعد احتلال مقاتليه للعاصمة بيروت في مايو 2008.
المسكوت عنه
خلافاً للدول العربية في شمال افريقيا حيث لا وجود لطوائف شيعية كبرى، تعجّ دول المشرق العربي بالكثير من التنوع الطائفي، ويشكل الشيعة في بعضها غالبية سكانية كما في العراق والبحرين ولبنان.
وتختلف طريقة التعامل مع المكون الشيعي تبعاً للمحددات التي أدت لولادة هذه الدول، والتي وجد الشيعة أنفسهم جزءاً منها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وترسيم حدود غالبية دول المنطقة عام 1923.
إذ كانت الأمور تنحو قبل ذلك منحى مختلفاً تماماً، كاد ان يقود على سبيل المثال عام 1920 لولادة دولة شيعية تشمل جنوب وبعض وسط العراق، قبل وصول الأمير فيصل بن الحسين وحاشيته السنية للعراق، وتنصيبه ملكاً من قبل دولة الانتداب البريطاني.
وباستثناء سوريا التي حكمت من قبل حزب البعث منذ انقلاب 1963، لكن بنفوذ كبير للطائفة العلوية التي يتحدر منها آل الأسد وقبله صلاح جديد ومحمد عمران، فإن بقية الدول حُكمت من قبل أنظمة سنية، كما هو الحال في العراق والبحرين والسعودية والكويت واليمن والإمارات، ونظام هجين طائفياً في لبنان بالنظر لتعقيدات البلاد الدينية والطائفية. وفي مجمل الأحوال لم يجد الشيعة أنفسهم في وضع يحسدون عليه في غالبية هذه الدول.
وتعرضت هذه الصيغة لهزات كبيرة بعد غزو العراق واغتيال الحريري، لكن التحدي الأكبر الذي أدى لتصدعها كان الانتفاضات العربية وما ترتب عليها خلال العقد الأخير.
الانتفاضات العربية
في خضم موجة الاحتجاجات التي عمت الكثير من الدول العربية مطلع عام 2011، خرجت المكونات الشيعية في كل من السعودية والبحرين للمطالبة بتحسين أوضاعها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لكنها قمعت بشدة في البحرين بعد نحو شهر على اندلاعها، بمساعدة قوات عسكرية من السعودية والإمارات تحت اسم عملية "درع الجزيرة"، أنهت الاعتصام في دوار "اللؤلؤة" وسط المنامة، قبل إزالة معالم المكان وتغييره كلياً.
ولم يختلف الحال كثيراً في السعودية التي فرضت تعتيماً إعلامياً كبيراً على ما كان يجري فيها من احتجاجات امتدت لنحو عامين في المنطقة الشرقية وقمعتها بشدة.
وفي الحالتين تم التعاطي مع هذه التظاهرات على أنها مدفوعةٌ بتأثيرات خارجية وبالتحديد من إيران، وتم التشكيك عبر وسائل إعلام البلدين بانتماء من شاركوا فيها ووطنيتهم، مع ما يحمله ذلك من احتمالات اللجوء لأقسى درجات العنف في التعامل معها.
وهو ما حصل بالفعل باعتقال قوات الأمن السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر في يوليو 2012، وإعدامه مع 47 آخرين بتهمة الإرهاب مطلع يناير 2016، ما تسبب باندلاع موجة احتجاجات كبيرة شملت إيران ومناطق شيعية في كل من العراق ولبنان.
لكن ذلك لم يحل دون متابعة قوات الأمن السعودية حملاتها ضد المتهمين بتأجيج الاحتجاجات، وأدت إحدى العمليات التي وقعت في بلدة "العوامية" لاندلاع اشتباكات مسلحة خلفت عشرات القتلى ودماراً كبيراً في غالبية أنحاء العوامية، في مشهد وصفته مراسلة بي بي سي التي تسنى لها زيارة البلدة بأنه لا يختلف كثيراً عن حلب أو الموصل.
لكن المشهد كان معكوساً في دول أخرى، إذ بدأت التظاهرات ضد الرئيس السوري بشار الأسد في آذار مارس 2011 من درعا، وامتدت لتشمل الكثير من المدن والبلدات السنية، ما دفع مستشارة الرئيس بثينة شعبان لوصف المتظاهرين سريعاً بالطائفية، قبل ان يطلق الأسد يد الجيش وأجهزة الأمن للتعامل مع المحتجين، وتغرق البلاد في اقتتال لا يكاد ينتهي فصل من فصوله حتى يبدأ آخر.
ورغم اختلاف الظروف إلا ان الاحتجاجات في العراق بدأت نهاية العام 2012 من المناطق السنية أيضاً بمطالب إصلاحية، لتتحول سريعاً لمطلب إسقاط النظام الحاكم ذي الغالبية الشيعية ووقف التدخلات الإيرانية في البلاد. وهنا أيضاً اتهمت حكومة نوري المالكي المتظاهرين بتلقي الدعم الخارجي في إشارة لدول الخليج وتحديداً السعودية، وبأن بعضهم مرتبط إما بالنظام السابق أو بتنظيم دولة العراق الإسلامية.
وفي البلدين كانت إيران تتابع عن كثب التطورات، خصوصاً مع بدء تنظيمات إسلامية متطرفة باستغلال الفراغ الأمني الذي احدثته التظاهرات على جانبي الحدود.
ومبكراً انخرط حزب الله بدعم نظام الرئيس السوري، بداية عام 2012 بإرسال مقاتلين لحماية بلدات وقرى ومزارات شيعية في سوريا، قبل ان يحسم أمره ويدخل معركة "القصير" عند الحدود مع لبنان في ابريل 2013، ويبدأ من هناك رحلة لا تزال مستمرة في المعارك ضد معارضي الأسد في طول البلاد وعرضها.
كما بدأت فصائل مسلحة شيعية عراقية بالتوافد إلى سوريا منذ العام 2013 لدعم الجيش السوري الذي بدأ يفقد السيطرة على المزيد من مناطق البلاد، وبرز اسم قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قائدا ميدانيا لهذه الفصائل في الكثير من المعارك خاصة في حلب وريفها.
ودفعت الهزيمة المرة التي تكبدها الجيشان السوري والعراقي أمام تنظيم الدولة الإسلامية بين عام 2013 و2014، بانخراط المزيد من المقاتلين الشيعة في الحرب ضد مقاتلين متشددين سنة، توافدوا إلى مناطق سيطرة التنظيم من كل انحاء العالم.
وأسهمت الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني في حزيران يونيو 2014 وعرفت باسم "الجهاد الكفائي" في انخراط عشرات ألاف الشبان الشيعة في القتال في فصائل كانت موجودة وأخرى أنشئت حديثاً لمحاربة التنظيم، خاصة بعد إعدام عناصره لنحو 1500 متدرب شيعي فيما عرف بمجزرة قاعدة سبايكر.
ورغم حرص المرجعية على التأكيد على وطنية الفتوى عراقياً، إلا أن المعركة على الأرض كانت تعكس مرارة الوضع وحقيقته، بين رايات التنظيم السوداء بشعار الدولة الإسلامية، ورايات الحشد الشعبي.
وبعيداً عن يوميات القتال من منطقة لأخرى، فإن نظرة عامة لما كان يجري في تلك المرحلة يوضح أن ساحة المعركة بشقها الشيعي -بمختلف تلاوينه- كانت واحدة، امتدت على كامل الجغرافيا العراقية السورية اللبنانية، بإشراف مباشر من قاسم سليماني، والذي كشف زعيم حزب الله حسن نصر الله مؤخراً الكثير عن أدواره آنذاك، والتي ربما كان أهمها إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتدخل في سوريا بعد اتضاح عدم قدرة الجيش السوري وحلفائه على الصمود عام 2015.
وبقصد أو بدونه، تزامن التدخل الروسي لدعم الأسد، مع بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عملياته ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وهي العمليات التي انتهت بخسارة التنظيم لكامل الجغرافيا التي كان يسيطر عليها في مارس آذار عام 2019، وأدت إلى كارثة محدقة حلت بالبيئات السنية على جانبي الحدود.
وبنهاية المعارك، بدا واضحاً أن فصائل الحشد الشعبي الشيعي قد امتد نفوذها لمناطق ما كان بالإمكان تصور وجودها فيها قبل بضعة أعوام، لتشمل المحافظات ذات الغالبية السنية، كديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى والأنبار وصولاً للحدود مع سوريا، ولتلتقي هناك مع فصائل شيعية أخرى انتشرت على الجانب الاخر من الحدود جنوبي نهر الفرات، ويمتد نفوذها هي الأخرى إلى كامل مناطق سيطرة الجيش السوري.
ومما عمق أبعاد هذه التغيرات طائفياً، الكثير من الإجراءات الانتقامية التي قامت بها فصائل شيعية في هذه المناطق، رداً على المجازر والإعدامات التي كان تنظيم الدولة الإسلامية قد نفذها بحق من ينتمون للطائفة الشيعية.
وفي نهاية المطاف يبدو ان تحذيرات وفد قبائل "الدليم" الذي كان يزور القاهرة قبل نحو ثلاثة عشر عاماً ويطلب المساعدة من الدول العربية محذراً من الوصول لهذه اللحظة قد ذهبت أدراج الرياح.
الخاصرة اليمنية
وفي خطوة غير متوقعة بالنظر لانشغال إيران في الساحة السورية والعراقية، وربما نتيجة لفشل الحراك الشيعي في كل من البحرين والسعودية، جهدت إيران ونجحت بتحقيق اختراق استراتيجي كبير بالتحالف مع الحوثيين الذين سيطروا على مساحات واسعة من اليمن، عقب فشل المبادرة الخليجية لتأمين انتقال السلطة بعد إجبار المحتجين الرئيس علي عبد الله صالح على التنحي، قبل مقتل صالح في مواجهة مع الحوثيين لاحقاً رغم تحالفهم معه لفترة وجيزة ضد السعودية والتحالف العربي.
وبذلك باتت طهران تطل على السعودية من حدودها الجنوبية عبر قواعد الحوثي، بعد ان كانت تطل عليها من حدودها الشمالية عبر الفصائل الشيعية العراقية، بالإضافة إلى أنها باتت تتحكم أيضاً بواحد من أهم ممرات الطاقة في العالم ممثلاً بباب المندب على البحر الأحمر، بالإضافة لتحكمها بمضيق هرمز في الخليج.
ورغم الحرب التي أعلنها التحالف العربي ضد الحوثيين منذ سنوات، إلا أن الفشل الذريع الذي مني به، ومواصلة الحوثيين استهداف الأراضي السعودية بدعم ومساعدة خبراء إيرانيين على ما تقول الرياض، يؤكد أن لا حل لهذا الصراع بدون الأخذ بعين الاعتبار تطلعات الحوثيين ومصالح طهران، وهو ما يبدو أن الجميع بات على قناعة به اليوم.
تعمق الصدع
في مطلع العام الماضي وفي مشهد غريب من نوعه، هاجم المئات من أنصار حزب الله وحركة أمل المعتصمين المطالبين بإصلاحات سياسية واقتصادية وسط بيروت، كان صدى هتافهم "شيعة شيعة" يتردد على نحو غريب خلال تكسيرهم للمحال والسيارات وحرقهم للخيام وضرب المعتصمين وسط العاصمة.
مشهد قد لا يختلف في دلالاته عن تلك الرايات التي يرفعها الحشد الشعبي الشيعي وسط المدن السنية العراقية وأريافها وصولاً إلى سوريا، وعبرها إلى لبنان.
على الجانب الآخر، يلملم من تبقى من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية أنفسهم، ويتجهزون مستعينين بالمشاهد السابقة للتأكيد على أنهم كانوا على صواب، وليتابعوا فصول معاركهم الكارثية التي ستبقي المنطقة في أتون صراعات لا يتوقع ان تضع أوزارها قريباً، بعد ان تعمق الصدع على نحو لا يمكن رتقه أو رأبه بسهولة.
وفي المحصلة، لا يوازي حجم التشاؤم الذي تحيي فيه المنطقة ذكرى عشر سنوات على أطلال ما سمي ب "الربيع العربي"، سوى التفاؤل الذي كانت قد بدأت فيه هذه المرحلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.