في بداية الأمر اعتقد بين ويدمان، مُراسل شبكة سي إن إن الإخبارية في العاصمة اللبنانيةبيروت، إن الهزّة العنيفة التي شعر بها زلزالاً، قبل أن يلقي جسده على الأرض في انتظار المزيد من الهزات. وبعد ثوانِ معدودة سمع أصوات تحطم الزجاج وارتطام المعادن بالأسطح، في حذر شديد ألقى نظرة من النافذة ليرى سحابة دخان صفراء تتجه نحوه، فيما تتناثر الأنقاض والزجاج المكسور ينتشر في كل مكان، ويجري الناس بالشارع في فزع لا يتوقفون عن الصراخ، ولا يفهمون ما يحدث حولهم. مساء أمس الثلاثاء، شهدت العاصمة اللبنانيةبيروت انفجارًا ضخمًا في منطقة مرفأ بيروت، امتدت آثاره إلى أكثر من 20 كيلومترا في العاصمة، أسفر عن مقتل أكثر من مئة شخص وإصابة أربعة آلاف، وأُعلِنت العاصمة اللبنانية مدينة "منكوبة" ودخلت في حداد على ضحايا الانفجار. روى "بين ويدمان" ما عاشه أمس خلال الانفجار، الذي قال المعهد الأمريكي للجيوفيزياء إنّ أجهزة الاستشعار الخاصة به سجلته على أنه زلزال بقوة 3,3 درجات على مقياس ريختر، وقال: "تعثرت في المكتب، تهشم إطار النافذة وسقط أرضًا، وتبعثرت المعدات داخل الاستديو، ومُزقت الكابلات الكهربائية، وتهشم المدخل الزجاجي للمكتب، وسقط شعار (سي إن إن) الأحمر الكبير، وتحطم الممر تمامًا". كان مبنى سي إن إن في بيروت هادئًا منذ انتشار فيروس كورونا في لبنان، ولم يتسبب الانفجار في إصابة أي من العاملين في مكتب سي إن إن بالعاصمة اللبنانية بأي مكروه. عاش ويدمان في لبنان طوال السنوات الثلاث الماضية، ودرس في مدرسة داخلية بها عندما اندلعت الحرب الأهلية في أبريل 1975، وقال: "لبنان مكان يشهد وقوع أحداث دراماتيكية فجأة في بعض الأحيان، وبدا أمس الثلاثاء يوم صيفي طبيعي، حتى هبّت عاصفة أنهت السكون الذي يعيشه". "تفاصيل قاتمة" مع مرور الوقت، باتت الأخبار والتفاصيل المتعلقة بالانفجار الكبير أكثر قتامة، في البداية أعلنت مصادر طبية لبنانية مقتل 10 أشخاص، ثم العشرات، ومئات ثم آلاف الجرحى. حسب آخر حصيلة أوردها الصليب الأحمر اللبناني فإن الإنفجار أوقع أكثر من مئة قتيل وأربعة آلاف جريح. وذكر الصليب الأحمر في بيان "حتى الآن أصيب أكثر من أربعة آلاف شخص وقتل أكثر من مئة شخص". ولا تزال فرق الصليب الأحمر تنفذ بعمليات البحث والإنقاذ في المناطق المحيطة بموقع الانفجار. أكد وزير الصحة اللبناني حسن حمد، في تصريحات لسكاي نيوز عربية اليوم الأربعاء، أن عدد المفقودين من جراء انفجار بيروت الذي هز العاصمة، الثلاثاء، يفوق عدد القتلى الذين تم التعرف عليهم حتى الآن، وهو 100 قتيل كما هو معلن. قال حمد إن "عدد الضحايا يتزايد. حتى الآن هناك حوالي 100 جثمان، وهناك الكثير من الاتصالات التي تدلل على أن المفقودين أكثر من عدد الجثامين التي وصلت إلى المستشفيات". "العيش في لعنة" نقل ويدمان عن صديقة له قولها: "عشت في لبنان خلال الحرب الأهلية، وكذلك شهدت الغزو الإسرائيلي في عام 1982، وحرب لبنان- إسرائيل عام 2006، لكنني لم أر أبدًا مثل هذا الانفجار". فيما أخبره صديق لبناني آخر: "أن اللبنانيين يعيشون في لعنة". ربما يعيش لبنان لعنة بالفعل، فالاقتصاد اللبناني يعاني من حالة انهيار، فقدت العملة المحلية الكثير من قيمتها، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية بنسبة 50 % كل شهر على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، وارتفع مُعدّل البطالة بشكل كبير، وباتت مشاهدة الناس من كبار السن والأطفال وهم يفتشون في القمامة بحثًا عن الطعام من المشاهد المألوفة والطبيعية في لبنان. بالإضافة إلى هذه المشاكل، تضاعفت أعداد مُصابي كوفيد-19 ثلاث مرات تقريبًا منذ بداية شهر يوليو الماضي، وحتى وقوع الانفجار أمس، كانت البلاد في حالة إغلاق جزئي لمحاولة التصدي له. في الوقت نفسه، تلاشت كل هذه المشاكل حينما تضامن سكان بيروت معًا، وتوافد أعداد كبيرة منهم على المستشفيات للتبرع بالدم، قال بن ويدمان إن الانفجار الذي أزهق الأرواح وألحق نكبة بالبلد الذي لم يُشفى حتى الآن مما حلّ به من كوارث على مدار أعوام لمّ شمل اللبنانين مرة أخرى، ودفع الجميع إلى التساؤل عن سبب تعرض لبنان لضربة قاسية أخرى؟