6 سنوات كاملة استغرقها الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي في كتابة أشهر وأكثر الكتب مبيعًا في العالم، "دع القلق وابدأ الحياة"، نشر الكتاب لأول مرة في بريطانيا عام 1948م وذاع صيته بعدها وترجم إلى عدة لغات ووصل إلى العالم العربي والإسلامي، تدور فكرة الكتاب الأساسية حول "القلق" وكيف يفسد حياة الإنسان وكيف يتغلب عليه حتى يعيش حياة سعيدة، تأثر عديد من علماء المسلمين بهذا الكتاب إلى الحد الذي جعلهم يضعون مؤلفات دفعهم الكتاب إليها دفعًا متأثرين فيها بما قدمه كارنيجي في كتابه، من أهم هؤلاء وأشهرهم أيضًا الشيخ محمد الغزالي، فكتب في مقدمة "جدد حياتك" كتابه الشهير، أن كتابه مقارنة بين تعاليم الإسلام كما وصلت إلينا وبين "أصدق وأنظف" ما وصلت إليه الحضارة الغربية في أدب النفس والسلوك، وأشار بوضوح إلى أن كارينجي الذي لا يعرف الإسلام، نقل مع ما يتفق مع تعاليمه، فيقول: لقد قرأت كتاب "دع القلق وابدأ الحياة" للعلامة "ديل كارنيجي" الذي عربه الأستاذ عبد المنعم الزيادي، فعزمت فور انتهائي منه أن أرد الكتاب إلى أصوله الإسلامية لا لأن الكاتب الذكي نقل شيئًا عن ديننا، بل لأن الخلاصات التي أثبتها بعد استقراء جيد لأقوال الفلاسفة والمربين وأحوال الخاصة والعامة تتفق من وجوه لا حصر لها مع الآيات الثابتة في قرآننا والأحاديث المأثورة عن نبينا". بدأ الغزالي كتابه فيما ذكر بعرض "الإسلام نفسه" في جزأين أولهما من نصوص الدين نفسها، والآخر من النقول التي تؤيدها من تجارب وشواهد كارنيجي. بدأ الغزالي كتابه بمناقشة فكرة كيف يبدأ الإنسان فتح صفحة جديدة من حياته، قائلًا إن الإنسان دائما يقرن هذه البداية بموعد مع الأقدار المجهورة، كتحسن في حالته أو تحول في مكانته أو موسم معين أو مناسبة خاصة، مؤكدًا أن هذا وهم "فإن تجدد حياة الإنسان ينبع دائما وقبل كل شيء من داخل نفسه، ثم بدأ يتحدث عن القلق وعلاجه في فصل مستقل وهو "كيف نزيل أسباب القلق؟"، وفي تفاصيل كتابه استعان الغزالي بالآيات القرآنية والسنة النبوية، وأورد كذلك أفكار كارنيجي، فيتتبع طريقته في تحليل المشكلات التي تواجه الإنسان وعلاجها، ذاكرًا الخطوات التي أوردها كارنيجي والتي تبدأ باستخلاص الحقائق ثم تحليلها ثم اتخاذ قرار حاسم بشأنها والعمل بمقتضى هذا القرار. لكن قد تغيب عن المرء الحقيقة لسيره خلف عرف سائد أو نظرة سابقة لا أساس لها، فكيف يواجه مشكلات حياته ويحلها؟ يقول الغزالي إن الإنسان كثيرًا ما يعيش في غفلة، لذا تختم آيات كثيرة في القرآن الكريم بقوله تعالى: أفلا تذكرون، لعلكم تتفكرون، لعلكم تعقلون، ولشد ما اعتقد الغزالي موافقة كارينجي لما جاء به القرآن، إذ يقول الغزالي: "كأن ديل كانيجي يشرح هذه الآيات إذ يقول: إننا قلما نعنى بالحقائق، وإذا حدث أن حاول أحدنا استخلاص الحقائق فإنه يتصيد منها ما يعضد الفكرة الراسخة في ذهنه ولا يبالي بما ينقضها، أي أنه يسعى إلى الحقائق التي تسوغ عمله وتتسق مع أمانيه، وتتفق مع الحلول السطحية التي يرتجلها". العريفي على خطا كارنيجي بعكس الغزالي، لم ير الداعية السعودي الشيخ محمد العريفي، كارنيجي "علامة"، لكنه رأى أن ما فعله وكتبه في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ما يكفينا كمسلمين، فألف كتابه على خطا كارنيجي لكنه قائم على نماذج وشخوص إسلامية بحتة، فيقول الفكرة داعمًا أياها بموقف من حياة الرسول أو الصحابة أو غيرهم من "المتميزين من رجال أمتنا" بحسب تعبيره. في مستهل كتابه "استمتع بحياتك" يقول العريفي: لما كنت في السادسة عشرة من عمري وقع في يدي كتاب "فن التعامل مع الناس" لمؤلفه ديل كارنيجي، كان كتابًا رائعًا قرأته عدة مرات، كان كاتبه قد اقترح أن يعيد الشخص قراءته كل شهر، ففعلت ذلك، جعلت أطبق قواعده عند تعاملي مع الناس فرأيت لذلك نتائج عجيبة. كان كارنيجي يسوق القاعدة ويذكر تحتها أمثلة ووقائع لرجال تميزوا من قومه..روزفلت..لنكولن..جوزف..مايك..فبحثت في تاريخنا فرأيت أن في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومواقف المتميزين من رجال أمتنا ما يغنينا..فبدأت من ذلك الحين أؤلف هذا الكتاب في فن التعامل مع الناس". يستهل العريفي الكتاب راويًا قصة سؤال جاءه على هاتفه في رسالة نصها: فضيلة الشيخ.. ما حكم الانتحار؟، فلما سأله لماذا يريد الانتحار انطلق ليروي له قصة طويلة عن فشله لتطوير ذاته وعدم قدرته على الاستفادة بما هو متاح لديه من قدرات، قائلًا أن آفة كثيرين هي نظرتهم الدونية لأنفسهم، فهؤلاء لن يستفيدوا من الكتاب أو أي كتاب آخر من كتب المهارات، وهكذا بدأ العريفي كتابه بداية تحفيزية ليمشي مع القارئ في طريق تطوير المهارات وإنماء الذات. ليس العريفي وحده، بل الشيخ عائض القرني أيضًا الداعية السعودي الشهير أشار إلى تأثره بكتاب كارنيجي، ففي كتابه روح وريحان، كتب القرني مادحًا الكتاب: قرأت وما أزال أقرأ، وأنا معجب بذلك الكتاب وعسى الله أن يعينني أو بعض طلبة العلم على أن أنسج على منواله مذكرة وهو كتاب دع القلق وابدأ الحياة الذي ألفه كارنيجي اللماح الذكي.. ويتحدث عن المأساة التي يعيشها الغرب هناك وعن حالات الانتحار.. وبإمكانكم أن تراجعوا هذا الكتاب..". وبالفعل لعائض القرني كتب عدة في هذا المجال أهمها كتابه الشهير "لا تحزن".