السمك ومقاطعته !    «الزراعة»: تطوير بحيرة البردويل بسيناء بما يساهم في رفع إنتاجية الأسماك    حلم الكفراوى    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    الأسواق الأوروبية تغلق على انخفاض .. وارتفاع أسهم التعدين 1.9%    اتصالات مصرية موسعة لإقرار الهدنة في غزة    سفير مصر في موسكو يشارك في اجتماع مبعوثي دول تجمع بريكس حول الوضع بالشرق الأوسط    تشكيل أهلي جدة الرسمي أمام الرياض في الدوري السعودي    تفاصيل جلسة أمين صندوق الزمالك مع قنصل مصر في غانا    جلسة تحفيزية لمدرب يد الزمالك قبل لقاء أمل سكيكدة بنصف نهائي كأس الكؤوس    موقف بيلينجهام.. قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد في الدوري الإسباني    ضبط 2.5 طن دقيق مدعم قبل بيعها بالسوق السوداء في الإسماعيلية    «القطر مش هيتأخر».. مواعيد القطارات المتحركة بالتوقيت الشتوي بعد تطبيق الصيفي    اللحظات الأخير في حياة مسعد رضوان صاحب أغنية «يلا بينا».. «كان بيضحك مع أبنائه»    فى ذكرى تحرير سيناء| النصر يأتى بطاعة الله والالتزام بتعاليمه    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    أطلق حمامة بيضاء.. الملك فؤاد الثاني يزور القاعة الملكية باستاد الإسكندرية (صور)    خالد الجندي: مصر لن تفرّط في حبة رمل من سيناء    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    طريقة عمل البيتزا والمقرمشات من بواقي الفينو.. «مش هتبطل تجربها»    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    بعد إعلان استمراره.. ثنائي جديد ينضم لجهاز تشافي في برشلونة    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حرب شاملة.. روسيا تحذر حلف الناتو من نشر أسلحة نووية في بولندا    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    الين يهبط لأدنى مستوياته في 34 عاما أمام الدولار    إصابة ربة منزل سقطت بين الرصيف والقطار بسوهاج    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    أول تعليق من ناهد السباعي بعد تكريم والدتها في مهرجان قرطاج السينمائي    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاومة الغُربة ب "الدبكة".. فرقة الفالوجا "بيت للفلسطينيين" في مصر
نشر في مصراوي يوم 07 - 12 - 2019


تصوير - جلال المسري:
الآن أصبحت إيمان عادل تعرف حكاية تهجير أهلها من فلسطين. تروي الشابة التفاصيل بيقين ومحبة لم تذقها بالسابق، فقبل ثلاثة أعوام كانت كل معرفتها أن أصولها من هناك، قرب الحدود المصرية بنحو 30 كم حيث تقع مدينة غزة، وأنها فلسطينية من أبوين ولدا مثلها في القاهرة. تنقضي سنواتها وتذوب هويتها إلا من تلك المعلومة، حتى انضمت لفرقة الفالوجا، وقتها باتت أسماء المدن تتردد على سمعها، وفرضت عليها أسئلة جديدة "إزاي جدودي وصلوا مصر.. وإيه اللي بيحصل في فلسطين؟"، منذ هذه اللحظة لم يعد يشغلها فقط رقص "الدبكة" التي التحقت بالفرقة لأجلها، بل موطنها "الفالوجا عرفتني يعني إيه فلسطين".
كل يوم جمعة، وبين 40 عضوًا من مختلفي الأعمار، تجدد إيمان عهدها مع فرقة الفالوجا للتراث الفلسطيني. يلتقون داخل مستشفى فلسطين، على مسرح يحمل اسم "القدس" وبُني خصيصًا لأجل الفرقة عام 1983. يستقبلهم مديرها رفيق الطويل، يبادلهم ما شهده الموطن البعيد مؤخرًا من صفد شمالاً، مرورًا بالقدس وغزة، نهاية بالنقب الجنوبي. يشاركهم الحلم بعبير طرقات الأراضي المحتلة، يعيد فيهم ما بدأه حين كان ضمن طلاب معهد التمريض قبل 35 عامًا "كنت من الدفعة الأولى للفرقة وقت لما تأسست للحفاظ على التراث الفلسطيني".
"إيش دخل الخدمات الطبية في الفن والدبكة؟" مبتسماً يستعيد الطويل كيف تشكلت الفرقة؛ في الوقت الذي شهد توترًا على الساحة الفلسطينية بحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات، في مدينة طرابلس السورية وقت الثمانينيات، اقترح مدير مستشفى فلسطين فتحي عرفات على صديقه الشاعر المصري زين العابدين فؤاد "يتعمل حاجة ثقافية تحفظ هوية الفلسطينيين في الشتات"، فلم يكن هناك أفضل من رقص "الدبكة" معبرًا عن تراث فلسطين.
كان الطويل شابًا في السابعة عشر من العمر، حين فضل الالتحاق بالهلال الأحمر الفلسطيني في مصر، ومن ثم العمل في مستشفى فلسطين لخدمة المرضى والمصابين القادمين من الوطن المحتل، لكن حين جاءت دعوة عرفات بتأسيس فرقة للدبكة، تلاقت مع رغباته "متل أي فلسطيني بحب الدبكة لكن كمان وقتها شوفت فيديو لجامعة في أمريكا وصدمت لما رأيتهم بيتكلوا عن دبكة عنا إنها تراث شعب إسرائيل"، اُنتزعت هوية الرقصة التي يعرفها الطويل باسم "دبكة مريومة" وأبدلوها باسم "سلومة"، لذلك سرعان ما لبى الرجل الخمسيني الندا والتحق بالفرقة.
أصبحت الفرقة جزءًا من حياة الطويل، تمضي 35 عامًا، يتفرغ زملائه لحياتهم، لكنه اختار أن يقسمها بين العمل صباحًا في الهلال الأحمر، ثم يمضي إلى مسرح القدس لتدريب أجيال جدد على معرفة الوطن واستقبال قبلتهم وقت أن يحين موعد حفل جديد "إحنا تقريبًا قدمنا عروض في 90 % من محافظات مصر".
على مسرح حزب التجمع الناصري، انتظر أعضاء الفرقة تقديم عرض جديد في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. تُعدل إيمان من زيها السماوي اللون والمطرز بنقوش فلسطينية، غاب القلق عنها، إذ باتت الشابة الجامعية تتقن الدبكة وتتحدث بلكنة موطنها رغم اعتيادها اللهجة المصرية "فلسطين كانت بس في البيت مع أسرتي وكل اللي حواليا كان مصري حتى الأصدقاء لكن من ساعة ما دخلت الفرقة وفلسطين جزء أساسي من حياتي".
لم تجد إيمان ضرر في "مصريتها"، لكنها حزنت لجهلها بوطنها الأصلي، بل سكن فضولها حتى عن السؤال، إلا أنها اليوم أصبحت تحمل على هاتفها خريطة فلسطين لتعرف موقع جذور رفاقها من قرية جدودها في المجدل، وبهذا تضيف لحصيلتها معلومة جديدة عن البلاد البعيدة.
تخرج إيمان ورفاقها لتقديم استعراضهم، فيما يلوح بأفق مدربها، تاريخ أول عرض موسع للفرقة، كان أيضًا في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، أقيم على مسرح الجمهورية، لكن عام 1985، في السنة الثامنة من دعوة الأمم المتحدة لإحياء ذلك اليوم في التاسع والعشرين من نوفمبر.
يشترك مَن بالفرقة في الجمع بين اللهجة المصرية والفلسطينية، وكذلك يحمل الاسم الهوية المشتركة لأعضاء "الفالوجا"، إذ يشير إلى المدينة الفلسطينية التي تقع بين الخليل وغزة، وتمركز فيها الجيش المصري عام 1948 أثناء الحرب مع القوات الإسرائيلية، وكان من بين الضباط الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
جميع أعضاء "الفالوجا" ولدوا في مصر، باستثناء مدربهم، إذ ولد في الأردن وأقام بها حتى العاشرة مما جعله محافظًا على لكنة أهل فلسطين.
وأيا ما كانت طريقة معرفة أعضاء الفرقة بها، فإنها تعود لمعهد التمريض، كان والد إيمان طالبًا فيه، وكذلك والدة ألاء أيمن عبد المعطي، بل وكانت "بتدبك"، مما جعلها تدفع ألاء وأشقاءها الأربعة كي يتعلمون الدبكة.
تبلغ ألاء من العمر 20 عامًا، فيما تصحب معها أصغر أشقائها مريم وندى، توقن الشابة أن هذا ما تملكه "أحنا بنحارب عن طريق الفن"، ففي رؤية الحضور لاستعراضهم وسماع أغانيهم والتمعن في زيهم، وترديد اسم "الفالوجا للتراث الفلسطيني"، تذكرة بوجود فلسطين، فلا يمحى أبدًا رغم كل محاولات الإحتلال.
نحو 4 ألاف فلسطينيا مروا على "الفالوجا" حتى الآن، يفخر الطويل بذلك أكثر مما حصدوه من جوائز ومشاركة في مهرجانات دولية، آخرها مهرجان الأفروصيني للموسيقى في أسوان.
يوقن المدرب أن ما تفسده السياسة يصلحه الفن، يرى بعينيه تأثير ذلك في أعضاء الفرقة، كل جمعة، وأثناء تقديمهم العروض، يعلم أنه ذاته ما أبصره قبل 35 عامًا، يوم أن كان راقصًا للدبكة.
على مسرح القدس، داخل مستشفى فلسطين، حين كانت عروض الفالوجا مقتصرة على مكان تأسيسهم، وقتها زُلزلت المنصة بهتاف مصاب فلسطيني، بترت إحدى رجلاه وتعاني الأخرى "استوقف العرض وهتف للفرقة وفلسطين"، وقتها شعر الطويل أن "حتى المريض محتاج فن. محتاج يحس في لحظة أنه في فلسطين".
لأجل هذا لم يغادر خالد الفحم الفرقة منذ 10 أعوام حتى أصبح مدربا فيها. "زوجتي بتقول لي أنت اتجوزت الدبكة"، ضاحكًا يوضح تعلقه بما يفعل. تبدل الحال بالدبكة "كان الأول بتكون مع عازفين بشكل مباشر لكن اليوم أصبحت على أغاني مسجلة"، غير أن هذا لم يغير من حقيقة اختلافه منذ التحق بالفرقة، فرغم عمره المتجاوز الثلاثين ربيعًا لكن معرفة فلسطين حصلها في الفرقة، وأصبح اليوم ناقلا إياها لمن تلاه.
يرى الفحم أن المحبة صنيعة الاستمرار، فلا عائد ولا جزاء يرجع على المنتمين للفرقة "مفيش فرقة تقدر تكمل خارج وطنها بالشكل ده غير لأن الولاد حابين الموضوع".
يواصل رفاق "الفالوجا" مسيرة ممتدة لثلاثة عقود، يحتضنون أعضاء جدد من مصريين فلسطينيين الهوى، وآخرين جدد مثل صوفي حسن، جاءت من غزة فرارًا من الحصار قبل 6 سنوات، وانضمت للفرقة منذ نحو 5 أشهر، فهنا على مسرح "القدس" يجد اللاجئين الفلسطينيين ضالتهم كما يؤمن الطويل "خلقنا بعيد عن الوطن لكن الفرقة خلقت جوانا وطن"، فما إن تدار أنغام الموسيقى الفلسطينية، يحمل كل منهم في دبيب أقدامه التحية إلى الوطن المحتل حتى لقاء قريب "حلمنا نعمل حفلة في القدس".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.