أمام مبنى العيادات الخارجية، بمستشفى الطلبة التابعة لجامعة القاهرة؛ وقف عبدالمجيد محمد -شقيق الطالبة لمياء- التي سقطت من شرفة غرفتها بالطابق السادس داخل المدينة الجامعية للطالبات، في انتظار انتهاء إجراءات استلام جثمانها. لمياء محمد، طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الطب البيطري بجامعة القاهرة، تقيم بالمدينة الجامعية خلال فترة الدراسة، لصعوبة سفرها يومياً إلى قريتها التابعة لمركز (ببا) بمحافظة بني سويف، مع عطلة نهاية الأسبوع الماضي وإجازة المولد النبوي، سافر زملاؤها الثلاثة الذين يقيمون معها بنفس الغرفة إلى ذويهم، ظلت هي بمفردها في الغرفة بسبب سفر والديها للعمل بالبحرين. مساء أمس الأحد، آخر أيام إجازة زملائها بالغرفة، وأثناء نشرها ملابسها بالشرفة اختل توازنها؛ لتسقط على الأرض. يتذكر عبدالمجيد الطالب بالفرقة الأولى بكلية الطب البيطري، آخر مكالمة له مع شقيقته: "قبلها بيومين كلمتني بتقولي إنها نازلة البلد، مش عارف ما سفرتش ليه؟!"، يصمت الشاب الذي لم يتجاوز العشرين عامًا للحظات محاولاً السيطرة على دموعه، قائلاً: "أول مرة أحس بالوجع ولسه مش مصدق إنها ماتت". "كانت بتموت قدام عيني ومحدش قادر يعمل لها حاجة"، تقول ريهام سعد، إحدى المقيمات بالمدينة الجامعية، التي كانت متواجدة في الحديقة أسفل المبني، وتفاجأت بارتطام شديد، ووجدت لمياء جثة غارقة في دمائها على بعد مترين منها، تقول ريهام: "بتوع الكافتيريا طلعوا يجروا عليها أول ناس". تتذكر الفتاة حالة الفزع التي انتابت المتواجدين داخل المدينة لحظة سقوط لمياء، صراخ متواصل للبنات، وأصيبت بعضهن بحالات إغماء: "محدش لحقها وهي بتموت.. حتى بتوع الأمن، لما شافوا شكلها وعرفوا اسمها مننا وأوضتها، جريوا وسابوا يشوفوا هي عاملة تصريح خروج ولا لأ؟!". قبل وصول سيارة الإسعاف، كانت لمياء فارقت الحياة، ليتم نقلها إلى مستشفى الطلبة التابعة للجامعة جثه هامدة، ويتصل موظف من إدارة الجامعة بعبدالمجيد شقيقها منتصف فجر اليوم، يخبره بأن شقيقته مريضة، ولا تستطيع التحدث ودخلت في غيبوبة، وطالبه بالحضور إلى المدينة الجامعية الآن، باعتباره ولي أمرها المسجل لديهم بكشوف الجامعة، يقول عبدالمجيد، الذي أخبر خاله بما حدث لشقيقته؛ ليؤكد له خاله تلقيه اتصالًا من الجامعة وهو في طريقة إليهما: "وصلنا المستشفى الساعة 4:30، وأول ما دخلنا المستشفى الناس كلهم بدأوا يصرخوا" وعرفنا إنها ماتت. قرر الشاب -وقتها- الاتصال بوالده ووالدته، ليخبرهما بما حدث لأخته: "وقتها مكنتش عارف أعمل إيه غير إني أتصل بيهم علشان يشوفوها لآخر مرة في حياتهم؟!". جوار باب العيادات الخارجية؛ التف عدد من الطالبات المتشحات بالسواد حول فادية على، خالة لمياء لمواساتها، بين الحين والآخر يعلو صراخها، تقول لزملائها "جت قعدت معايا يومين وقالت همشى أروح المدينة يا ريتها ما مشيت"، تقول خالتها التي تقيم بمنطقة كوبري القبة بالقاهرة "كانت دايما متعودة إنها تقعد معايا عشان أبوها وأمها مسافرين دايما بس خلاص مش هتيجى تاني". وبعد أكثر من 10 ساعات من الانتظار، تسلم عبدالمجيد شقيق لمياء جثمانها وتحركوا بها إلى بلدتهم بمحافظة بني سويف في انتظار وصول والديها اللذين يعملان بالتدريس في دولة البحرين، ليتم دفنها. بينما أقام زملاؤها طالبات الفرقة الثالثة بكلية الطب البيطري صلاة الغائب عليها في الساحة المواجهة لكلية الطب البيطري بالجامعة، تقول الطالبة هدي عبدالرحمن: "كانت معايا في نفس الفرقة وكانت دايما مبتسمة وجعتني بموتها". "أي بنت ممكن تموت وهي بتنشر هدومها" تنتقد هدي الطالبة المقيمة بالمدينة الجامعية بالمبنى الأول، عدم توفير منشر غسيل في الغرف؛ فتضطر الفتيات لعمل منشر في أحد الشبابيك، وهذا يعرضهن للموت "معظمنا متغرب ومش من هنا ولازم ننشر هدومنا". ووعد الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، أثناء زيارته للمدينة الجامعية؛ لتقديم العزاء لزملاء الطالبة، بشراء مناشر منزلية داخلية لحماية الطالبات من أي مخاطر قد يتعرضن لها، قائلًا للطالبات: "طلباتكم أوامر، وهاتوا ورقة بيضاء أوقع عليها والتنفيذ بالأمر". وبعد ساعة من مغادرة رئيس الجامعة المدينة الجامعية، مر مشرفو الأدوار على جميع الغرف بكافة المباني لجمع حبال الغسيل من غرف الطالبات، تقول إحدى الطالبات "المشرفة قالت هنعمل لكم منشر غسيل غيره علشان ده خطر عليكم".