داخل شقة سكنية متواضعة بمساكن الجمهورية بمنطقة عين شمس، جلست أسرة محمد عبدالتواب الذي توفي داخل مستشفى قصر العيني يتلقون العزاء. الحزن والحسرة عما أرجاء المكان، في الوقت الذي كان شقيقه "أحمد" يتردد على النيابة لمتابعة التحقيقات في واقعة نزع "قرنية" شقيقه بعد وفاته دون الحصول على إذنٍ منهم أو وصية منه. انتقل "مصراوي" لمنزل المتوفي للوقوف على تفاصيل وفاة شقيقهم داخل مستشفى قصر العيني القديم، واتهامهم للمستشفى بنزع "قرنيته" والإتجار بها في المحضر رقم 5505 لسنة 2018. قبل عدة أشهر، أُصيب المتوفي أحمد عبدالتواب، 48 سنة، بمرض "السكري" ثم أصيب بجلطة، ويوم السبت قبل الماضي 21 يوليو، دخل إلى مستشفى قصر العيني لإجراء عملية "قسطرة بالقلب"، وبعد إجراء الأطباء الفحوصات اللازمة والمتابعة اليومية، أخبروه أنه بخير "حالتك كويسة. وهتمشي بالعلاج من غير عملية"، لكنهم طلبوا مكوثه يومين في المستشفى للاطمئنان عليه، وفق تصريحات محمود عبدالتواب، شقيق المتوفي. وقال "محمود" في حديثه لمصراوي، إن شقيقه قبل يومٍ واحدٍ من وفاته (السبت الماضي)، اتصل بهم وأخبرهم بأن حالته الصحية تتحسن "وقفوا كل الإجراءات أنا بقيت كويس"، وفي اليوم التالي (يوم الوفاة) تشير الساعة إلى التاسعة صباحًا، تلقت زوجة المتوفي اتصلًا من زوجها يطمئنها على أحواله "أنا أول مرة ارتاح في المستشفى.. يومين وهخرج". في العاشرة والنصف صباح الأحد الماضي، تلقى أحمد عبدالتواب، اتصالًا هاتفيًا من مستشفى قصر العيني "البقاء لله.. أخوك اتوفى". هرول شقيقا المتوفي ووالدتهما وزوجته إلى المستشفى، يقول محمود "فضلنا ساعتين بنلف على مكان الجثمان ومش لاقيينه.. لحد ما قالولنا ارجعوا التلاجة هتلاقوه هناك"، مؤكدا أن الطبيب المعالج أخبره بوفاة شقيقه نتيجة هبوط حاد بالدورة الدموية. "النور مقطوع.. عينه بتنزل دم.. والميه مغرقة المكان"، تصف والدة المتوفي كيف بدا مكان "الغُسل" عندما وصلوا، مشيرة إلى أنهم استخدموا "كشافات الموبايل" لرؤية جثمانه رغم أن "الكهرباء" تعمل في الحجرة المجاورة لهم، وأضافت "لقينا عينه بتنزف والأرض غرقانة دم.. بنفتح لقيناهم واخدين القرنية". اشتد الحزن والغضب بأسرة المتوفي، فسألوا 3 من العاملين ب"ثلاجة الموتى" عما حدث، فأجابوا: "استلمنا الحالة كده" وغادروا المكان من فورهم، فأبلغ "أحمد" شقيق المتوفي مسئولي الشرطة بالمستشفى، وحضر رئيس مباحث قسم شرطة مصر القديمة، وتم تحرير محضر حمل رقم 5505 لسنة 2018، اتهمت فيه الأسرة المستشفى بسرقة قرنية نجله "محمد" والإتجار فيها، وتم إحالته للنيابة للتحقيق. وأمرت نيابة مصر القديمة، برئاسة المستشار محمد الطنباري، بعرض المتوفي على مصلحة الطب الشرعي لتشريحه، وبيان أسباب الوفاة وملابساتها، وتسليمه لذويه لدفنه. وقابل شقيقا المتوفي مدير مستشفى قصر العيني، لسؤاله عن أسباب نزعهم "قرنية" شقيقه، فأجاب "دي مش أول حالة.. ودا قانوني"، حسبما يؤكد الشقيقان لمصراوي، وهو ما أيده الدكتور فتحي خضير، عميد كلية طب قصر العيني، عن الواقعة في تصريح تلفزيوني، بقوله: إن "المستشفى لم تنتزع قرنية المتوفي، لكن الأطباء أخذوا الطبقة السطحية للقرنية، وهذا لا يمثل إهانة للمتوفي". وأضاف أن القانون الصادر عام 2003 يتيح للمستشفيات الحكومية أخذ الطبقة السطحية للقرنية بما لا يشوه العين. وأوضح الدكتور ياسر سليمان، عضو اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، أن القانون لا يعتبر الحصول على القشرة السطحية من القرنية بمثابة أعضاء بشرية، بل ينظر إليها باعتبارها "أنسجة"، وبالتالي تستثني من قانون زراعة الأعضاء البشرية الذي يتطلب الموافقة من الأهل على نقل أي عضو. لكن على الجانب الآخر، قال الدكتور محمود كبيش، عميد كلية حقوق القاهرة السابق، إن قانون زراعة الأعضاء رقم 5 لسنة 2010 يجرم يمنع نقل أي عضو أو جزء من العضو أو أنسجة من مريض أو متوفي إلا في حالة الضرورة القصوى، ويكون ذلك بوصية وعلم أهل المتوفي، مؤكداً أن أي قانون سابق هو لاغي بصدور القانون الأخير الذي ينظم هذه الحالة". وأضاف لمصراوي: "من يتحدث عن نقل أي عضو أو جزء من عضو من المتوفي بدون علم أهله أو وصية لا يعلم عن القانون شيئاً ويعد التفافاً على القانون، ويُحاكم من يرتكب ذلك بالسجن لمدة لا تزيد عن 5 سنوات وبغرامة من 100 إلى 300 ألف جنيه". "مفيش ابن يرضى يشوف أبوه بالمنظر ده، إزاي عيل عنده 11 سنة آخر مرة يودع أبوه يشوفه بالمنظر ده ويبقى معقد نفسيًا.. دي سرقة"، هكذا ردَّت زوجة المتوفي على الآراء القانونية التي أباحت عملية نقل القرنية، بينما تلتف يداها حول أطفالها الثلاثة (أكبرهم 12 سنة) تتلقى العزاء وتطلب "حق زوجها". ومازالت نيابة مصر القديمة تحقق في الواقعة، بانتظار تقرير الطب الشرعي لجثة المتوفي لتحدد وجود مسئولية قانونية على المستشفى من عدمه.