نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرًا حول القمة المزمع عقدها بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين بهلسنكي في السادس عشر من الشهر الجاري، وقالت إن إحدى نقاط الحديث المحتملة هي الوضع في سوريا، مشيرةً إلى أن هذا الملف قد يعيد إلى الولاياتالمتحدة جزءًا من مصداقيتها المفقودة حاليًا. وتوضح المجلة، في بداية تقريرها، أنه "بينما يستعد ترامب وبوتين لقمتهما المزمعة في هلسنكي، فإن مصداقية الولاياتالمتحدة حول العالم تتضاءل يومًا بعد يوم"، وأنه "بعد خطابه في قمة الدول السبع الكبرى الشهر الماضي، يبدو الرئيس الأمريكي كمن يحاول تقليل عدد الحلفاء الأمريكيين في أوروبا، في الوقت الذي فشل فيه في الرد على احتمالات التدخل الروسي في انتخابات منتصف المدة في نوفمبر المقبل"، وتضيف المجلة أن الجميع يتساءل حاليًا عما إذا كان ترامب يستطيع الوفاء بالاتفاق الذي وقعه مع روسياوالأردن حول وقف إطلاق النار جنوبيسوريا؟. وتحاول موسكو التقليل من قيمة هذا الاتفاق، الذي تم توقيعه في عمان نوفمبر الماضي، وتم تأكيده بشكل شخصي أثناء لقاء ترامب وبوتين في فيتنام في وقت لاحق من نفس الشهر. وخلال الأسبوع الماضي، قصفت روسيا المستشفيات واستهدفت المدنيين في غطاء جوي مساعد لنظام الرئيس بشار الأسد الذي هاجم المناطق التي تسيطر عليها المعارضة جنوبيسوريا. فيما قُتل الخميس الماضي ما يقرب من 17 شخصًا كانوا يختبئون في ملجأ تحت الأرض بمدينة درعا السورية. تلك الخروقات التي تحدث في سوريا، لا تهدد السوريين فقط، لكنها تهدد الأمن الإقليمي لحليفيين استراتيجيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هما إسرائيل والأردن. وكانت المجلة تحدثت في مايو الماضي مع مجموعة من السوريين كانوا على متن رحلة لعمان حول ما يمكن القيام به، وقال أحدهم: "نحن بحاجة إلى فرض منطقة تصعيد.. ويجب على الولاياتالمتحدة أن تكون ملتزمة بها، لا أحد يساعدنا الآن، وزارة الدفاع الأمريكية لا تهتم بنا، وأمر ترامب المخابرات المركزية بالتوقف عن مساعدتنا". والمجموعة المكونة من عدد من صغار السوريين، شملت أحد كبار المنشقين عن الجيش السوري، وكانت المجموعة جزءًا من جبهة القتال الجنوبية التي حاربت نظام الأسد لعدة سنوات، ولقد شهدوا تدهور قواتهم قبل وقت طويل من بدء هذه المعركة الأخيرة للسيطرة على الجنوب السوري، وخاصة منذ أن قطعت الولاياتالمتحدة العون عنهم العام الماضي. وعلى الرغم من أن وزارة الخارجية الأمريكية أصدرت بيانًا في نهاية مايو الماضي محذرة من انتهاك الاتفاق، إلا أن ترامب لم يقم بشيء مطلقًا كرد على تلك الخروقات من جانب النظام السوري وحلفائه، وقال بيان الخارجية: "ستتخذ الولاياتالمتحدة إجراءات صارمة ومناسبة، ردًا على انتهاكات نظام الأسد". ولكن، كما تقول المجلة، لم يعنِ هذا الكثير على أرض الواقع، ففي 23 يونيو عقدت الخارجية الأمريكية اتصالًا خاصًا بقادة جبهة القتال الجنوبية وعدد من النشطاء السوريين، حاملة رسالة مختلفة قالت فيها: "نحن في الحكومة الأمريكية نتفهم الظروف الصعبة التي تواجهكم الآن، وما زلنا نوصي الروس ونظام الأسد بعدم القيام بأي عمل عسكري يخرق منطقة تقليل التصعيد جنوب غرب سوريا"، وتابعت الرسالة الأمريكية: "لكن نحن بحاجة لتوضيح موقفنا: نحن نفهم أنكم بحاجة إلى اتخاذ قراراتكم بناء على اهتماماتكم ومصالح أسركم وفصائلكم، ومع ذلك لا يجب عليكم ربط قراراتكم على افتراض أو توقع أي تدخل عسكري من جانبنا". تلك الرسالة السابقة، تقول فيها الإدارة الأمريكية للفصائل المعارضة في سوريا على الجنوب: "حظًا موفقًا.. أصبحتم بمفردكم الآن". ما يحدث في جنوبسوريا حاليًا سيحدد النتائج النهائية للحرب الأهلية التي شهدتها البلاد، وليس هامًا في سوريا فقط، فإسرائيل - أقرب حلفاء الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط - قلقة من إمكانية أن يتيح الهجوم الحالي الفرصة لإيران في التحرك بحرية أكثر داخل سوريا ووضع أسلحة خطيرة داخلها، بما في ذلك الصواريخ المتقدمة والميليشيات التي تدعمها إيران بالقرب من الحدود الإسرائيلية. الأردن، أحد حلفاء الولاياتالمتحدة في المنطقة، تستضيف ما يقرب من 1.4 مليون سوري لديها، وتخشى من موجة أخرى من تدفق اللاجئين تزيد من الضغط الذي تعانيه بالفعل من استضافة عدد كبير من اللاجئين السوريين، العراقيين، والفلسطينيين. وتضيف المجلة، لا يزال الصراع السوري ينطوي على تداعيات هائلة وليس في الداخل فقط، بل امتدت تلك التداعيات إلى ما خارج حدوده ومنطقته المباشرة، حيث أدى الصراع الذي لم ينتهي بعد في سوريا إلى ازدياد الرهبة من الأجانب وانتشار حركة المعاداة للمسلمين في الولاياتالمتحدة وأوروبا، وزادت الحرب من انتشار "المجتمعات المغلقة" التي تُشيد جدرانًا وحوائط حول بلادها، ولا تلتزم بوعودها في حل الصراعات، مثل الوعود التي قطعها ترامب حول وقف إطلاق النار في جنوبسوريا. ولكن - حسب المجلة - لم يبدأ هذا التهميش للقضية السورية في عهد ترامب فقط، بل كان ممتدًا لعدة سنوات داخل الإدارات الأمريكية، ولكن بغض النظر عن الوعود التي قد يقطعها بوتين لترامب في فنلندا، لا يمكن بأي حال من الأحوال التأكد من أن ترامب سيجبره على الوفاء بتلك الوعود، فبوتين استطاع التلاعب بترامب بشكل جيد خاصة عندما يتعلق الأمر بسوريا، وستراقب عدة دول أخرى ما يحدث في هلسنكي عن قرب، مثل كوريا الشمالية. واختتمت المجلة تقريرها ب: "لن تكون مصداقية ترامب على المحك هذه المرة.. بل مصداقية الولاياتالمتحدة كلها".