24 مايو 2024.. استقرار أسعار الذهب خلال تعاملات اليوم وعيار 21 عند 3170 جنيها    إسرائيل تمنع قنصلية إسبانيا بالقدس من خدمة الفلسطينيين    بوليتيكو: معظم دول الاتحاد الأوروبي لن تقدم على المساس بأصول روسيا المجمدة    بري يؤكد تمسك لبنان بالقرار الأممي 1701 وحقه في الدفاع عن أرضه    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    قرار عاجل من جوميز قبل مواجهة الاتحاد السكندري في الدوري    أجبروه على تحويل مبلغ مالى.. ضبط مرتكبي واقعة سرقة أحد الأشخاص بالسويس    هل انتهت الموجة الحارة؟.. مفاجآت سارة من الأرصاد للمصريين    الجمعة أم السبت.. متى وقفة عيد الأضحى 2024 وأول أيام العيد الكبير؟    أبرز رسائل التهنئة بعيد الأضحى 2024    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    موعد مباراة الأهلى والزمالك فى نهائى دورى كرة اليد والقناة المجانية الناقلة    محمد صلاح يستعد لمعسكر المنتخب ب «حلق شعره»    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    إحالة سائق أوبر للجنايات في واقعة اختطاف «سالي» فتاة التجمع    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    دموع وصرخات.. قاع النيل بلا جثث ل ضحايا حادث ميكروباص معدية أبو غالب (فيديو وصور)    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    وفاة شقيقة الفنانة لبنى عبد العزيز وتشييع جثمانها اليوم    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    بطولة عمرو يوسف.. فيلم شقو يقفز بإيراداته إلى 72.7 مليون جنيه    هل تراجعت جماهيرية غادة عبدالرازق في شباك تذاكر السينما؟.. شباك التذاكر يجيب    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    بالفيديو.. متصل: حلفت بالله كذبا للنجاة من مصيبة؟.. وأمين الفتوى يرد    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    الاحتفال باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم بطب عين شمس    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الجيش الأمريكي يعتزم إجراء جزء من تدريبات واسعة النطاق في اليابان لأول مرة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    "طرد للاعب فيوتشر".. حكم دولي يحسم الجدل بشأن عدم احتساب ركلة جزاء للزمالك    رئيسة جامعة هومبولت ببرلين تدافع عن الحوار مع معتصمين مؤيدين للفلسطينيين    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    4 أفلام تتنافس على جوائز الدورة 50 لمهرجان جمعية الفيلم    السياحة تحذر الراغبين في أداء الحج بتأشيرات زيارة.. وعقوبات مشددة للشركات المخالفة    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق سيوة - مطروح    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    نقيب الصحفيين يكشف تفاصيل لقائه برئيس الوزراء    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضبعية.. وطن الخال "الأبنودي" في الحياة والموت
نشر في مصراوي يوم 13 - 04 - 2018

الأماكن تتنفس، لها روح، لديها شخصية لا يفهمها سوى عشاق الأرض، من بينهم الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، إذ سكن قلبه قبل جسده في منطقة الضعبية حينما وطأت أقدامه بها للمرة الأولى، اختار الاستقرار بها بعد سنوات من التنقل بين الصعيد وأحياء وشوارع القاهرة الصاخبة، باتت الإسماعيلية وطنه الجديد، وأمنيته الأخيرة بأن يُدفن بها.
في مُنتصف الثمانينيات، كان الأبنودي يسافر كثيرًا إلى منطقة أبوعطوة بالإسماعيلية حيث تعيش شقيقته "الحاجة فاطمة" تدور في عقل الشاعر حينذاك فكرة واحدة "إنه راجل بتاع زرع، ونِفسه يشتري حِتة أرض" وفق محمود الأبنودي- الذي أُطلق عليه هكذا من شدة قُربه للشاعر.
لم تكن فِكرة مؤقتة أو حالة جنونية انتابت الأبنودي، ساندته شقيقته خاصة أنه يرغب في العيش بجوارها من شدة حبه لها "نزل يدور في أكتر من مكان بالإسماعيلية زي التعاون والاصلاح بس مرتاحش" لكنه حينما وصل إلى الضبعية شعر براحة "رغم إنها كانت مش متوضبة، مجرد أرض زراعية وبيوت صغيرة" اطمئن قلبه للمكان البسيط، فلم يتأخر لحظة عن إتمام قراره.
بدا موقفه غريبًا وقتها، لم يفهم أحد مدى تعلق الأبنودي للأرض "كان بيقول دايمًا إنه هيفضل عايش طول ما الزرع اللي عمله بإيديه موجود" كما يقول الكاتب محمد توفيق، صاحب كتاب "الخال" عن سيرة الشاعر الكبير. وحينما سأله في إحدى جلساتهم داخل منزله بالضعبية عن سر عدم اختياره لأبنود قال "عايز مكان قريب من القاهرة، الناس تعرف تجيلي، مقدرش أعيش من غير ناس".
في أحد الأيام، وقف الأبنودي في قَلب الأرض الزراعية، يتأمل المكان ويُفكر في المستقبل القَريب، والخطوة القادمة داخل الضبعية "جاله مهندس كبير عمل تصميم حلو للبيت" رفضه ابن الصعيد وبدأ في تخيل شكل البيت بنفسه "أصله لقاها عمله قَصر، وهو بتاع الناس والغلابة، مش عايز يعيش في قصور" بحسب أحاديث دارت بين توفيق ومحمود مع الأبنودي.
برفقة شخصين من رجاله المُقربين، صمم الأبنودي منزله "كان يقف ويقول أنا عايز أوضة هنا، وعامود هنا" كل شيء نُفذ بطريقته وأفكاره، بنى البيت، ثم مكتبة، ومن بعدها مندرة، ثم ديوان، وانغمس في الأرض الزراعية برفقة محمود الذي لم يكن يفارقه خاصة في سنواته الأخيرة "ارتاح للمكان وهو بعبله، وبقى يباشر كل خطوة بتحصل فيه".
خلال سنوات من ملكيته للأرض، مضى الأبنودي حياته بين القاهرة والإسماعيلية "يقعد معانا أسبوع أو اتنين ويكمل الباقي في مصر" قبل أن تسوء حالته الصحية، يضطر للسفر إلى الخارج، جولة في ألمانيا وفرنسا، علم هناك أن رئتيه لم تعدا كما كانت "افتكر إنها أيامه الأخيرة وفكر في بيع البيت والأرض رغم إنها على عينه" أراد أن يؤمن حياة أبنائه بعد وفاته لكنه تراجع بعد قرار الأطباء بضرورة استكمال حياته بعيدًا عن القاهرة "حسيت إنها جات من عند ربنا عشان يجي يقعد معانا".
عاد الأبنودي من خارج البلاد بحالة صحية ونفسية سيئة، لكنه في شهور قليلة من وجوده في الضبعية تحولت حالته "كان جاي من فرنسا هلكان، لكن الدنيا هنا اديته أمل في الحياة من تاني، وروح جديدة" دفعه ذلك فجأة إلى غزارة في إبداعه الفني، كما يرى توفيق "وجوده هناك إداله فُرصة أكبر للكتابة، دا كان رأيه هو شخصيًا".
يتفق محمود في الرأي نَفسه، شاهد أمام عيناه حماس الأبنودي للكتابة بصورة أكبر، وقدرة المكان على إتاحة الفُرصة له للتركيز "بقينا متعودين عليه، فجأة بيكون شخص تاني خالص، بنقوم ونسيبه" كان الشاب الذي تربى على يد الشاعر الصعيدي يعلم أن الأخير يعامل الشِعر كحبيبة و"كان بيقول الشِعر دا ضيف خفيف، لو اضايق منك يسيبك ويمشي".
رغم عزلته من الناس حينما يأتيه الشِعر، كان الأبنودي قريبًا لأهل الضبعية، يجلس معهم، ينصت لهم أكثر من الكلام "تحس إنه واحد غلبان قاعد مع الناس الغلابة" يطمئن عليهم وأحوالهم، يشاركهم كافة المناسبات "ميفوتش عزا ولا فرح"وعند الحصاد يحرص على منح جيرانه من خيرات الأرض "بيعمل دا زي ما بيبعت لكل أحبابه وأصحابه".
بسيط الأبنودي مع أهالي الضعبية، لا يعاملهم كشاعر كبير، يشاطرهم الأزمات، ويبحث عن حل لأزماتهم. توفيق حضر ذات ليلة مكالمة أجراها مع إبراهيم محلب، رئيس الوزراء حينها "كان بيكلمه عن الطريق والحفر اللي بتتسبب في حوادث، والأطفال اللي بيموتوا بسببها" كان يجري اتصالات عديدة من الوزراء من أجل الضبعية.
بعد سنوات من استقراره في الضبعية، راودته فِكرة أخرى لم يتوقعها أحد "عايز يتدفن في الإسماعيلية" لماذا يختار رجل ولد في أبنود وعايش سنوات تألقه بالقاهرة أن يُدفن في الضبعية؟ الإجابة لدى الأبنودي "بدل ما أحبابي يروحوا الصعيد، بعيدة عليهم، وعشان ولادي وزوجتي يفضلوا رايحين جايين على البيت".
أراد الأبنودي-وفق محمود- أن يظل ارتباط الأسرة بالبيت قائماً "وكمان اختار المدفن في طريق اللي جاي للبيت، عشان أسرته كل ما يجوا يبقوا بيزروه" الموقع لم يكن الحصول عليه هيناً، نجح في اقناع الأهالي عن طريق كبيرهم "واحد من أصحابه" واختار أعلى مكان بمنطقة المدافن "عشان أبقى باصص على الناس اللي بحبهم من عندي".
أثناء زيارات توفيق للأبنودي، أثناء التحضير لكتابه، تعرف على سر اهتمامه بالدفن هناك "المكان بالنسبال بقى خير ختام لرحلته، حب يدفن في مكان فيه كل طاقة الحُب دي" لَمس الكاتب ذلك في تعاملات الجيران مع الشاعر الكبير.
21 أبريل، كان يوماً مرُاً على جمهور وأحباء الأبنودي، وأيضًا أهالي الضعبية، حزن امتص البهجة في الوجوه، حينما علموا بخَبر وفاة شاعرهم بعد معاناة مع المرض. وفي المساء شُيعت جنازته بحضور المئات من جيرانه "الناس البسيطة هي اللي ملت الجنازة" كما توقع الشاعر وصرح لمحمود في عيد ميلاده الأخير. فيما لا ينسى توفيق حينما التقى في الطريق برجل بسيط من القرية "قالي أنا رايح جنازة عبدالرحمن صحبي".
بعد أيام ستحل الذكرى الثالثة لوفاة الأبنودي، غادر جسده بيته بالضبعية لكن "حِسه" مايزال موجوداً في أنحاء المكان "بحس إنه في كل مكان، بكون شغال ولا باصص على الشجر، أحس إنه جنبي، بيتابع معايا وبينصحني زي عادته.. هو لسه هنا مسبناش" يلفظها محمود كأنه يرى شاعرنا الراحل أمامه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.