ما أن تُعلن مؤسسة عبد الوهاب عبد المحسن للثقافة عن موعد ملتقى البرلس للفنون، حتى يترك محمود النيل ورشته للنجارة، ويلازم الكاميرا طيلة أسبوعين، يلتقط تفاصيل الحدث، الذي بات رفيقه للسنة الرابعة على التوالي، إلى أن صار "محمود" ابن البرلس الوحيد بين المصورين المترددين على المكان في مثل هذا التوقيت. أحب "محمود" التصوير "من زمان" كما يقول، لكنه لم يعرف يومًا أنه سيصير معشوقه، ويتكبد من أجله المتاعب، أدرك ذلك قبل نحو خمسة أعوام، حين التقط صورة لبحيرة البرلس عبر هاتفه المحمول، وأرسلها لمجموعة "هيا نتعلم فن التصوير" على فيسبوك؛ انتقد أحد المصورين "التقال" -حسب وصفه- صورة "محمود"، ومنذ ذلك الوقت عكف ذو الاثنين والأربعين ربيعًا على القراءة والتعلم عن التصوير. كان ابن مدينة البرلس في السعودية وقتها "بقيت أجرب وأصور كتير في وقت الفراغ"، إلى أن قرر شراء كاميرا احترافية بدلا من الموبايل الذي ظل وسيلته للتصوير لفترة طويلة، ومعها أدرك أن الجميع لا يعشق الصورة كما يفعل "كنت بصور ورد في حديقة واتقفشت.. قلت للأمن شوف الصور لكن اتحبست يوم وجه الكفيل طلعني". عاد "محمود" إلى مصر بعد ست سنوات من العمل بالسعودية، انتابه شعور بالحزن، لكنه وجد مع التصوير متنفسًا رغم المشقة "هنا في البرلس صعب أصور، يمكن عشان الناس عارفاني، والناس بتخاف شوية"، يتذكر تلك الصور التي يواصل إقناع صاحبتها بائعة التوابل في سوق الجمعة بالتصوير. يجد ابن البرلس فرصة طيبة للتصوير في الملتقى خاصة مع السنة الرابعة له، ذاب أهل المكان مع الوافدين للرسم على جدران المنازل، لا يتوقف الصغار عن الحركة بل والمطالبة بالتقاط الصور لهم، وهو ما ينتهزه "محمود"، إذ يفضل تصوير الأطفال "بحس أنهم بطبيعتهم وده بيطلع حلو في الصور". يسير "محمود" في شوارع برج البرلس مصورًا وتلميذًا، يلتقط تفاصيل مختلفة عما قام به العام الماضي "فيه طفلة صورتها السنة اللي فاتت وقابلتها السنة دي صدفة فصورتها بشكل تاني"، فيما يتوقف حينًا أخر، يراقب عن كثب حركة غيره من المصورين المحترفين المتواجدين في المكان، لا يرصد فقط طريقة اتخاذهم اللقطات، زوايا وقوفهم والإضاءة، بل كذلك أسلوب تواصلهم مع الناس مؤمنًا أن ذلك أساس تصوير الشارع. رغم مشقة العمل كمصور عن امتهان النجارة التي لم يغادرها، غير أن متعة التعامل مع الناس تُغني نفس "محمود" شيئًا ما، حتى أضحى يعمل على تحبيب أبنائه الثلاثة في التصوير "اشتريت لهم كاميرا وبعمل بينهم مسابقات بقولهم اللي يصور صورة حلوة هديله جايزة". يحضرهم معه في بعض أيام الملتقى، يدفعهم للاندماج ورؤية عمل أبيهم. يواصل "محمود" التقاط الصور لأهل الملتقى ومحيطه، يحمل في نفسه أمنية بتطوير نفسه، بمزيد من التعلم وشراء كاميرا أكثر احترافية وزيارة شارع المعز في القاهرة "وأصور براحتي".