«رحيل المدفعجي».. وفاة محمد صبري لاعب الزمالك السابق تهز قلوب الجماهير    ترامب: سنجري اختبارات على أسلحة نووية مثل دول أخرى    ترامب: أشعر بالحزن لرؤية ما حدث في أوروبا بسبب الهجرة    فلسطين.. جيش الاحتلال يعتقل 3 فلسطينيين من مخيم عسكر القديم    العنف المدرسى    أحمد سعد يتعرض لحادث سير ويخضع لفحوصات عاجلة بالمستشفى    انفراد ل«آخرساعة» من قلب وادي السيليكون بأمريكا.. قناع ذكي يتحكم في أحلامك!    مناقشة رسالة دكتوراه بجامعة حلوان حول دور الرياضة في تعزيز الأمن القومي المصري    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    عضو جمهوري: الإغلاق الحكومي يُعد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة    قتلى ومصابون باقتحام حافلة لمحطة ركاب في إستكهولم بالسويد (فيديو)    تفاصيل مشروعات السكنية والخدمية بحدائق أكتوبر    التفاصيل الكاملة لحادث أحمد سعد على طريق العين السخنة    مقتل 7 أشخاص وإصابة 27 إثر انفجار مركز شرطة جامو وكشمير    7 قتلى و27 مصابا في انفجار بمركز شرطة بالهند    مناوشات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    طقس غير مستقر وشبورة كثيفة.. الأرصاد تكشف توقعات السبت 15 نوفمبر 2025    استقرار سعر الريال السعودي أمام الجنيه المصري خلال تعاملات السبت 15 نوفمبر 2025    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    أموال المصريين غنيمة للعسكر .. غرق مطروح بالأمطار الموسمية يفضح إهدار 2.4 مليار جنيه في كورنيش 2 كم!    مستشار الرئيس الفلسطيني: الطريق نحو السلام الحقيقي يمر عبر إقامة الدولة الفلسطينية    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    عمرو عرفة يحتفل بزفاف ابنته بحضور ليلى علوي ومحمد ورامي إمام وحفيد الزعيم    "رقم واحد يا أنصاص" تضع محمد رمضان في ورطة.. تفاصيل    نانسي عجرم: شائعات الطلاق لا تتوقف منذ زواجي.. ولا أقبل أن أعيش غير سعيدة    هولندا تضع قدما في المونديال بالتعادل مع بولندا    فرنسا: 5 منصات تجارية تبيع منتجات غير مشروعة    سفير السودان بالاتحاد الأوروبي يشيد بالدور المصري ويشدد على وحدة السودان واستقراره    شتيجن يطرق باب الرحيل.. ضغوط ألمانية تدفع حارس برشلونة نحو الرحيل في يناير    صدمة في ريال مدريد.. فلورنتينو بيريز يتجه للتنحي    إلى موقعة الحسم.. ألمانيا تهزم لوكسمبورج قبل مواجهة سلوفاكيا على بطاقة التأهل    سيارة طائشة تدهس 3 طلاب أعلى طريق المقطم    عصام صفي الدين: السلوكيات السلبية بالمتاحف نتاج عقود من غياب التربية المتحفية    إبراهيم صلاح ل في الجول: أفضل اللعب أمام الأهلي عن الزمالك.. ونريد الوصول بعيدا في كأس مصر    مصر تبيع أذون خزانة محلية ب99 مليار جنيه في عطاء الخميس.. أعلى من المستهدف بنحو 24%    اليوم.. انقطاع الكهرباء عن 31 قرية وتوابعها بكفر الشيخ لصيانة 19 مغذيا    رئيس قناة السويس: تحسن ملحوظ في حركة الملاحة بالقناة    حسام حسن: هناك بعض الإيجابيات من الهزيمة أمام أوزبكستان    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    إخماد حريق في مخبز وسوبر ماركت بالسويس    اليوم.. أولى جلسات استئناف المتهمين في حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    قائد الجيش الثالث: الدور التنموي يكمن في توفير البيئة الآمنة لتنفيذ المشروعات القومية    بيان من مستشفى الحسينية المركزي بالشرقية للرد على مزاعم حالات الوفيات الجماعية    رئيس الطب الوقائى: نوفر جميع التطعيمات حتى للاجئين فى منافذ الدخول لمصر    آخر تطورات الحالة الصحية لطبيب قنا المصاب بطلق ناري طائش    الباز: العزوف تحت شعار "القايمة واحدة" عوار يتحمله الجميع    تربية عين شمس تحتفي بالطلاب الوافدين    «الصحة» تنظم جلسة حول تمكين الشباب في صحة المجتمع    انطلاق برنامج دولة التلاوة عبر الفضائيات بالتعاون بين الأوقاف والمتحدة في تمام التاسعة    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    الائتلاف المصري لحقوق الإنسان: صعود المستقلين وتراجع المرأة في المرحلة الأولى لانتخابات النواب    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تناقش النظام الغذائي ونمط الحياة الصحي    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    الثلاثاء.. إعلان نتائج المرحلة الأولى وبدء الدعاية الامنخابية لجولة الإعادة    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خواطر الشعراوي .. كيف يحاسب الله على رد السلام؟
نشر في مصراوي يوم 02 - 04 - 2017

قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا}.. [النساء : 86].
الحق هنا يريد أن يربب معنى الحياة. فما معنى: (حُييتم)؟ الكلام السطحي الأولى فيها: إذا حياك واحد وقال لك: (السلام عليكم) أن ترد السلام. وكان العرب قديماً يقولون: حياك الله. وبعد أن جاء الإسلام جعل التحية في اللقاء هي السلام: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ}.. [الأحزاب: 44].
أو كما قال الحق في موقع آخر: {فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ الله}.. [النور: 61].
ولنفهم معنى كلمة (حياك). مادة الكلمة هي (الحاء)، و(الياءان)، ومنها كلمة (حياة)، التي منها حياتنا. والحياة إذا نظرنا إليها قد تأخذ معنىً سطحياً عند الناس وهو ما نشأ عنه الحس الحركي وهي أول ظاهرة فينا، وبعد ذلك في الحيوان، وإن ارتقيت في الفهم تجد أن كلمة (الحياة) تنتظم كل أجناس الوجود حتى الجماد، لكن الإنسان لا يتعرف إلى الحياة إلا في المظهر الحسي والحركي، ولكن لكل كائن حياة تناسبه.
وعندما كانوا يعلموننا في المدارس علم المغناطيسية كنا نرى تجربة المغناطيس ونأتي بقضيب مغناطيسي، ثم نأتي ببرادة الحديد، ونسير به في اتجاه واحد وذلك حتى نرتب الجزئيات ترتيباً يتناسب مع اتجاه المغناطيسية في القضيب الحديدي. هذا القضيب الذي نراه مادة جامدة في نظرنا، ولكن توجد فيها ذرات دون إدراك الإنسان تتكيف بحركة خاصة بها، ويُعاد ترتيب السالب منها والموجب ولا توجد قدرة عند المشاهد لها كي يدرك حركتها.
وحتى يقربها المدرسون إلى ذهن التلاميذ، جاءوا بأنبوبة زجاجية ووضعوا فيها برادة الحديد وجاءوا بالقضيب الممغنط ومرّروه بجانب البرادة، فرأى التلاميذ البرادة وهي تتقافز إلى أن تستقر، وهنا يتعلم التلاميذ أن برادة الحديد غير الممغنطة عندما يمر عليها القضيب الممغنط في اتجاه واحد فذراتها تترتب على أساس واضح، حتى تصير ممغنطة.
وهذا دليل الحس؛ فقد انقلبت السوالب في جهة والموجبات في جهة.. فالقضيب المغناطيسي له حركة ولكننا لا ندرك حسه ولا حركته لأننا لا نملك المِقاييس اللازمة لذلك.
ومثال آخر: لنفترض أننا نتحرك وجاءت طائرة من أعلانا والتقطت صورة لنا. وعندما يأخذون الصورة من قريب، فهم يرون الحركة، لكن كلما ابتعدت الطائرة فنحن لا نرى الحركة حتى تصير نقطة بعيدة وكأنها ثابتة. وهي ليست ثابتة، وإنما هي متحركة بصورة دقيقة جداً لدرجة أنها لا تُدرك. فكل شيء- إذن- فيه حياة خاصة تناسبه، وكل شيء له الحس والحركة الخاصة به. وعندما نأتي للقرآن، نرى كيف عالج هذه القضية فيقول: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ}.. [القصص: 88].
استثنى القول وجه الله. أي ذاته، فكل شيء ما عداه هالك.
ومعنى (هالك) أي ليس فيه حياة، وما دام كل شيء يهلك فهذا دليل أن في كل شيء حياة، حتى يأتي الإذن من الحق أن تذهب الحياة من كل شيء إلا وجهه سبحانه، وقد يتساءل إنسان ومن الذي قال: إن كلمة (هالك) تعني ليس فيه حياة؟ نقول: إن القرآن حين يتعرض لقضية لا يقسم العلوم إلى أبواب ولكنه يضع في كل آية جزئية تشرح لنا ما خفي علينا في جزئية أخرى كي نفهم القرآن متكامل، فيقول الحق: {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ ويحيى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}.. [الأنفال: 42].
فيكون الهلاك ضد الحياة.
ونحن إذا ما نظرنا إلى الصناعات التي نصنعها، وليكن البلاستيك مثلاً، إننا نصنع منه أواني للغسيل أو لخلافه، وأول ما نشتريه للاستعمال نجده زاهي اللون، وبعد استعماله لفترة يزول عنه البريق ويصبح شاحب اللون، فما الذي حدث له؟. لقد تغير. ما الذي أحدث التغيير؟. يقال: الاستعمال وأشعة الشمس وغير ذلك. إذن ففيه حس لأنه تَأَثّر وحركةلأنه تغيّر، وكذلك الأحجار الكريمة والمرمر والرخام وغيرها يقدرون عمرها بمئات السنين وأحياناً بآلاف السنين، وكلما طال عمرها تغير لونها من الحياة والتفاعلات.
وعندما نمسك ورقة ونضعها تحت المجهر فإننا نرى عدداً هائلاً من الغرف الصغيرة، ولا حصر لهذه الغرف، ويقول المؤمن: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} .. [المؤمنون: 14].
فكل شيء في الوجود له حياة تناسبه، إذ استقريتها وتتبعتها بدقة واستطعت أن توجد الآلات التي تستنبط والتي تساعد على الإدراك فإنك ترى الحركة وتشاهدها بالحس.
إلا أن الحياة بالنسبة لأرقى الأجناس- وهو الإنسان- المنتفع بكل كائن حي في الكون، هذه حياة تنتهي في ميعاد مجهول بالنسبة للإنسان معلوم بالنسبة لله. وأراد الله أن يكلفه تكليفاً إن استمع إليه ونفذه فهو سبحانه يعطيه حياة لا تنتهي. وعندما نقيس الحياة التي لا تنتهي فالحياة التي تنتهي، فأي منهما جديرة بأن تسمي حياة؟ إنها الحياة الأخرى التي لا تنتهي، ولذلك يقول الحق: {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ}.. [العنكبوت: 64].
هذه هي الحياة الحقة، وإلا فما قيمة هذه الحياة الدنيا التي تهددك فيها الآفات والآلام والاضطرابات والأسقام والأمراض، وبعد ذلك تنتهي، فيوضح الحق: خذ حياة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فهذه هي الحياة حقاً، ولذلك فالحق عندما تعرض لهذه المسألة أوضح: إياكم أن تعتقدوا أن هذه الحياة الدنيا هي التي أريدها لكم، أنا أريد لكم حياة أخلد من هذه، ولذلك قال: {استجيبوا للَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ}.. [الأنفال: 24].
هو يخاطبهم إذن فهم أحياء بالقانون المتعارف عليه، وأنهم إن لم يستجيبوا إلى ما دعاهم إليه الحق والرسول لن يأخذوا لوناً أرقى من الحياة، وهي حياة لا تهددها الآفات ولا الأثفال ولا الأمراض ولا الفناء، إنها الحياة الحقة، ولذلك يسميها الحق (الروح) لأنّها تحرك الجسم وتعطيه حياة وإن كانت تنتهي فيقول: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}.. [ص: 72].
هذه أولى مراحل الحياة الممنوحة للمؤمن والكافر.
ويسمى سبحانه الحياة الأكبر منها والتي لا تنتهي يسميها الحق (روحاً) أيضاً: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا}.. [الشورى: 52].
وهذه هي التي سوف تعطي الحياة الأرقى. الأولى اسمها (روح) تعطي حياة فانية. والثانية هي (روح) أيضاً، إنها ما أوحي الله به، لأن الناس إذا عملوا به يحيون حياة دائمة خالية من الشقاء والكدر. إذن فقوله: {إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} هي دعوة إلى الحياة الخالدة، والحياة الأبدية السعيدة في الآخرة مرهونة بأن يلتزم الإنسان منهج الله في حياته، وإن كانت منتهية.
والحياة الدنيا يرى الإنسان فيها الأغيار والأسقام والمهيجات، فإذا جاء له من يطمئنه ومن ينفي عنه القلق والخوف فكأنه يحسن حياته. وكلمة (حياك الله) أو (السلام عليكم) تعني: (كن آمناً مطمئناً) وإلا فما قيمة الحياة بدون أمن واطمئنان؟.
إذن فكلمة (حياك الله) أو (السلام عليكم) أي الأمان والاطمئنان لك. فأنت لا تعرف هل يجيء القادم إليك بخير أو بشر، لكن ساعة يقول: السلام عليكم، فقد يجعل بهذه التحية الأمان في قلب المتلقى به ويشعر بقيمة حياته.
إذن فقوله الحق: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} يعني: إذا رببتم حياتكم بالتحية التي هي السلام والتي تضمن الأمن والاطمئنان عليكم رد التحية. فكلمة (تحية) إعطاء لقيمة الحياة، وكذلك كلمة (حيوا) أي أعط من أمامك شيئاً من الحياة المستقرة الآمنة المطمئنة. فالحياة بدون أمن وبدون اطمئنان، كلا حياة.
والشاعر العربي يقول:
ليس من مات فاستراح بميْت *** إنما الميْت ميّت الأحياء
فقول الحق: {وَإِذَا حُيِّيتُم} أي أنه إذا رببتم حياتكم وبوركتم بالأمن وبالسلام {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} أي عليكم أن تردوها إما بالتحية مثلها وإما بأفضل منها. والعلماء عندما جاءوا ليتكلموا عن هذا، قصروا المسألة على تحيات اللقاء. فمن قال لك: السلام عليكم، فقل له: وعليكم السلام ورحمة الله. أي أنك تزيد عليه.
عن سلمان الفارسي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليك السلام ورحمة الله، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم جاء آخر فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال له: وعليك: فقال له الرجل: يا رسول الله- بأبي أنت وأمي- أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي، فقال: إنك لم تدع لنا شيئاً قال الله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} فرددناها عليك.
وعندما تكلم العلماء في مسألة السلام، صنفوا لها فقالوا: الماشي يسلم على القاعد. والراكب يسلم على الماشي، والصغير يسلم على الكبير. والمبصر يسلم على الكفيف. والقليل يسلم على الكثير. وكل خطاب موجه للمؤمنين ينتظم ويشمل ذكورهم وإناثهم إلا أن يكون الحكم مما يخص النساء.
وهنا يقول الحق: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} أللنساء تحية؟ نعم، لهن تحية، المرأة تحيي المرأة، والمرأة تحيي زوجها، والمرأة تحيي محارمها، والمرأة العجوز التي لا إربة فيها تبدأ التحية وتردها، أما المرأة الشابة فهي لا تبدأ أحداً بالسلام ولا ترد السلام. لا تبدأ بالسلام إلا إذا كان معها مثلها؛ لأنهم يقولون: المرأة على المرأة عين أكثر من ألف رجل، أي أن المرأة تحرس المرأة أكثر من ألف رجل، فعندما تكون معها مثيلتها تحفظها، ولذلك يقال: إن المرأة إن بدأت بالسلام أو ردت السلام فذلك حرام، وإذا بدأها واحد بالسلام أو رد عليها السلام فذلك مكروه. لماذا؟ لأن بَدْءَها له إثارة، ولكنه إذا بدأ هو بالسلام فليس ضرورياً أن تستجيب. فإن كان معها أحد أو جماعة تُؤمن عليها فلا حرج من أن ترد السلام.
وقالوا: وإذا كان الذي يلقى السلام ويبدأه به غير مؤمن؟ النبي عليه الصلاة والسلام أوضح أنهم يلوون في الكلام، فإذا قالوا لكم: (السلام) فقولوا: وعليكم. وذلك يعني إن قالوها كلمة طيبة لها معنى طيب فأهلاً بها وعليهم مثلها، وإن كانت كلمة خبيثة كقولهم: (السام عليكم) فقولوا: (وعليكم)؛ لأن السام معناها الموت، فلكيلا يستهزئوا بكم، قولوا: وعليكم. وبعض العلماء قال المقصود ب {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ} أي بالنسبة للمؤمن، و(ردوها) بالنسبة للكافر.
لكن أتلك هي التحية فقط؟. إذا كان الذي حياك بقول وأمّنك بقول، فكيف لا تحذر من يؤمن بالقول نفاقاً، يظهر لك الأمن ثم يقول: السلام عليكم، ومعه الضر؟. كما أن الحق علمنا أن نرد التحية بمثلها لأن نقل القضايا من قولية إلى فعلية هي المحك والأساس، فإذا حياك إنسان بخير عنده فعلى المسلم أن يقدم التحية بخير منها، وإن لم يستطع فليرد على الأقل بمثلها، وعندما يرد الإنسان بمثلها يصبح التكارم بين الناس إن لم يزد فهو لم ينقص، ويكون الخير متنامياً، فإذا قدم إنسان خيرا لإنسان آخر، وردّ عليه بعمل أفضل منه، ففي ذلك نماء للخير، وإن لم يستطع فليرد بمثل العمل وبذلك لا ينقص من خيره، فيكون خير كل إنسان محجوزاً على نفسه؛ لأنه ما دام سيعطي التحية ويأخذ على قدر ما يعطي، فكأنه لم ينقص من خيره شيئاً.
والحق سبحانه وتعالى حين يسخِّى النفوس في أن تعطي أكثر مما حييت به، فهذا يبين أن المؤمن في البيئة الإيمانية إنما يتكاثر خيره، لأنّه كلما فعل خصلة خير فهي تعود عليه بالخير.
ولذلك فهناك أناس كثيرون إذا أرادت خيراً من أحد، أعطته خيراً يناسب قدرها، ليعطي هو خيراً يناسب قدره، وهذه تحدث كثيراً خصوصاً مع الملوك، ومثال ذلك: كان المواطن السعودي يقول للملك عبد العزيز آل سعود: أريد أن تشرب القهوة عندي، ويذهب الملك عبد العزيز آل سعود ليشرب القهوة، ويؤدي لصاحب الدعوة خدمة تعادل القهوة مليون مرة، فكل من يحيي الملك يرد عليه التحية بأكثر منها.
إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} وجاءت كلمة (أو ردوها) من أجل أن يطمئن من قدم تحية أنه سيجد رد تحيته أو أكثر منها.
والحق سبحانه وتعالى عندما يرى خلقه المؤمنين به يتكارمون، فهو يضعها في الحساب؛ لذلك يقول سبحانه: {إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} فالحساب لا ينتهي عند أن يرد المؤمن التحية أو يؤدي خيراً منها، ولكن هناك جزاءً أعلى وأفضل عند مليك مقتدر.
وفي تناولنا لمسألة التحية عَلِمْنَا أن كلمة التحية وهي (السلام عليكم) معناها أمان واطمئنان، والأمان والاطمئنان كلاهما يعطي الحياة بهجة، فالحياة بدون أمن أو اطمئنان ليس لها قيمة. فكأن إشاعة السلام بقولنا: (السلام عليكم) أو (السلام عليكم ورحمة الله) أو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) تجعل المجتمع مجتمعا صفائيا، وما دام المجتمع كله مجتمعا صفائيا، فخير أي واحد يكون عند الآخر. ويتعدى ذلك إلى أن يطلب المؤمن خير الله لأخيه المؤمن.
إن الإنسان حين يصعد التحبة بعد قوله: السلام عليكم بإضافة ورحمة الله وبركاته. فهو يربط النفس البشرية برباط إيماني بالحق سبحانه وتعالى. وبذلك تتذكر وتعي أن الخلق عيال الله، وسبحانه يحب أن يكون خلقه منسجمين بالعلاقات الطيبة فيما بينهم، وعندما يكون الخلق على علاقة طيبة بعضهم مع بعض فسبحانه يعطيهم من خيره أكثر وأكثر.
{وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ الله كَانَ على كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً} ومن الطبيعي أن نفهم أن رد التحية يعني أن نقول: تحية مثل التي قالها لنا، فالرد ليس مقصوداً به أن نرد التحية نفسها، ولكننا نقول مثلها. فالضمير مبهم ويوضحه مرجعه.
مثال ذلك أن تقول:(لقيت رجلاً فأكرمته) هنا الضمير مبهم ويوضحه مرجعه، مثال آخر: تصدقت بدرهم ونصفه. فهل معنى ذلك أنني تصدقت بدرهم ثم استرددته وقسمته قسمين وتصدقت بنصفه؟ لا، إن معنى ذلك هو أنني تصدقت بدرهم، ونصف مثل الدرهم، فإذا قال الحق: {فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ} أي ردوا التحية بأفضل منها أو بمثل التي تتلقاها، فإذا ما قيل لك:(السلام عليكم) فقل:(وعليكم السلام).
والحق سبحانه وتعالى يبلغ المؤمنين: لا تظنوا أيها المؤمنين أني بخلقي لكم وإعطائي لكم حرية الاختيار في الإيمان أو في الفعل أو في الترك إياكم أن تظنوا أني لا أحاسبكم بل سأجازيكم بالثواب على الطاعة وبالعقاب على المعصية، فحين آمركم بفعل، فمعناه أنني خلقتكم صالحين أن تفعلوا، وحين أنهاكم عن فعل فمعناه أنني خلقتكم صالحين ألا تفعلوا.
إذن فعندما يأتي أمر؛ فمعنى هذا أن الذي خلقني علم أزلاً بصلاحيتي لتنفيذ هذا الفعل أو عدم تنفيذه.. أي صلاحيتي أن أطيع وأن أعصى، إذن فهناك فعل يقول الحق للعبد فيه: (افعله)، وفعل يقول له فيه: (لا تفعله)، والمخالفات والمعاصي إنما تنشأ من نقل (افعل) في مجال (لا تفعل)، ومن نقل (لا تفعل) في مجال (افعل)، هذا هو معنى المعصية. والحازم لا يأخذ الاختيار الممنوح له ليحقق شهواته بوساطة هذا الاختيار، بل لابد أن يضع بجانب الاختيار أنه مردود إلى من أعطاه الاختيار.
وحين تعلم أيها العبد أنك مردود وراجع ومصيرك إلى من أعطاك الاختيار وأنه سوف يجازيك، فإنك لن تنقل أمراً من مجال (لا تفعل) إلى مجال (افعل) أو من مجال افعل إلى مجال لا تفعل. فلو أخذت الاختيار لتريح نفسك لحظة وهي فانية، فكيف تتعب نفسك في الباقية؟ فإن أردت أن تكون حازماً وعاقلاً فلا تفعل ذلك؛ فالمؤمن يمتلك الكياسة والفطنة فلا يُقْدِمُ على مثل هذا.
وبعد ذلك يقول سبحانه: {الله لا إله إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ...}.
المصدر: موقع نداء الإيمان
خواطر متعلقة:
- خواطر الشعراوي.. معنى الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة
- خواطر الشعراوي .. من هو المكلف بالقتال فى سبيل الله ''الله ام الرسول''؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.