في الأسابيع الأخيرة اعتاد الأخوان جون ومينا اللعب في منزلهما. لم تخلُ أوقاتهما من مشادات صبيانية تصل حد الضرب، أو تكسير بعض متعلقات المنزل دون قصد، فيما لا تستطيع الوالدة تركهما يلعبان في الخارج، إذ باتت أي حركة أسفل السماء المفتوحة في مدينة العريش تعني الموت. ما أن خطت قدما مينا ذو العشر سنوات لساحة بيت الشباب في الإسماعيلية، صباح اليوم، حتى انطلق يجري كالسهم، يلحق به أخوه الأصغر، بينما تنظر لهما الأم باطمئنان للمرة الأولى منذ وقت طويل. "أنا مكنتش بخاف أخرج الشارع بس أمي كانت بتزعق لي عشان الإرهابيين اللي بيموتوا الناس" يقول مينا، قبل أن يقاطعه الأخ الثالث أبانوب "انا بقى كنت بخاف من صوت الصواريخ". لم يعبأ الثلاث أولاد حينما انقطعت الدراسة، يضحك جون قبل أن يضيف بلهجة صعيدية "قلنا هنلعب كتير في البيت بس زهقنا"، لا يملك الفتيان الكثير من الألعاب "عندنا مسدس وعربية حلوة بس ملحقناش نجيبهم". كان مينا يتسلل خارج المنزل بين حين وآخر للعب، استمر على عهده مع الشارع حتى في الأيام الاخيرة "كنت فرحان إن أبويا قاعد في الشارع عشان ألعب طول اليوم"، يذكر الفتى أن لعبته المفضلة هي "الغميضة" و"البيوضة"؛ وهي أن يقف طفل بين فريقين يقذفان الكرة لبعضهما البعض شرط ألا تصيبه. أمام مياه قناة السويس، وقفت ثلاث فتيات يتمايلين مع هدير الأمواج، يذكرهن بالبحر في العريش، لعبة بسيطة يبتكرنها لتسرية الوقت "بندور على السمك"، وتقول چومانا، التلميذة بالصف الثالث الابتدائي إنها أمسكت سمكة صغيرة ذات يوم في مدينتها. تواتر الأحداث خلال الفترة الماضية انعكس على الفتيات بالمدرسة، ظللن لفترة لا يذهبن تلبية لمخاوف الأهل، وهو ما أثّر على نانسي ماهر، تلميذة الصف الأول الابتدائي، وأمينة فصلها بمدرسة الشهيد أحمد حمدي. رغم صغر سنها لم تنشغل نانسي الألعاب كثيرًا، تحب المذاكرة، والأفلام الدينية، وأحيانًا المكعبات، تذكر أن حصتها المفضلة كانت "الدين"، وذلك قبل أن يقتل معلم المادة "مستر جمال قتله المتطرفين". بجانب نانسي وقفت أختها نيرمين. اكتست ملامحها بابتسامة راضية، فيما امتدت يداها مغروزة تجاه "البحر" كما تسميه. وسط ازدحام الأحداث السيئة نست الطفلة إحضار عرائسها "ملحقتش اخد غير الكتب". كذلك لم تجلب نانسي معها سوى الكتب المدرسية، تشعر بالخوف من عدم اللحاق بالامتحانات "خايفة اتفصل عشان بغيب"، فيما تستمتع چومانا باللعب وسط الماء في مدينتها والاستغماية، إلا أن الظروف الأخيرة حرمتها من ذلك. يجري بيشوي رفعت في أرجاء بيت الشباب بالإسماعيلية، يشاركه صديقه يوسف، يجد الفرصة أمامه الآن متاحة للهو، وقد افتقد مثيلها في العريش، ورغم حبه للطائرات اللعبة، إلا أنه لم يتمكن من جلبها معه "سيبت سلة اللعب كلها". "ندمت إني مجبتش كتب الدراسة معايا هنا، الجو يفتح النِفس ع المذاكرة"، تقولها كريستين صاحبة ال13 عامًا والتي لزمت منزلها طيلة أكثر من أسبوعين بسبب التهديدات، ولم تذهب لمدرستها، لم تعرف الفتاة طريقًا للألعاب، إذ أنهم اعتادوا النوم في السادسة مساءً "من الخوف". لا زالت روح الأطفال تفيض براءة، لم تنل منهم سوداوية الواقع التي تتجسد لأهلهم؛ أحلامهم بسيطة؛ حضور الامتحانات، اصطحاب الدمى في رحلتهم، لعب "استغماية" دون خوف، وأن يصيروا صيادلة أو أطباء، حد تعبير نيرمين، التي تبغي التخصص في أمراض القلب.