لم يكن لدى القيادات الأمنية بمديرية أمن قنا في حقبة التسعينات حلًا لمواجهة حالة الإنفلات الأمني وانتشار حوادث الثأر بمركز دشنا، سوى الدفع برجل أمني صارم وجريء، ليعيد الأمور لنصابها ويجبر التشكيلات العصابية علي الدخول إلي أوكارها، فوقع الاختيار وقتها علي العقيد حسن نجم الدين، والذي لقبه الأهالي حينها "الشبح"، بسبب تخفيه تارة في زي مزارع وتارة أخرى في شكل شحاذ، إضافة إلى سرعة تواجده بين العناصر الإجرامية والخارجين عن القانون، مثل الشبح. الشبح روايات الأهالي لم تنقطع حتى ذلك الوقت، عن مأمور مركز دشنا، ومنها واقعة، ضبطه أخطر تشكيل عصابي للإتجار بالأسلحة والمخدرات بإحدى قرى دشنا، عندما ارتدى نجم الدين ملابس رثة وتنكر في هيئة درويش وأندس بين أفراد العصابة أثناء إبرام صفقه مشبوهة، فإذا بالمجذوب الذي كان يجلس بينهم ولا يعطون له أدنى اهتمام، يثور فيهم كالعاصفة شاهرًا بندقيته التي كان يخبئها بداخل جلبابه في وجههم ليتمكن من تسليم التشكيل العصابي ليد العدالة. الشجاعة والإقدام لم تكن وحدها التي تميز بها مأمور دشنا السابق، فكل هذه الصفات من الممكن أن تتكرر في شخصيات أمنية أخرى، ولكن وبحسب أهالي بدشنا أكدوا على أن حسن نجم الدين الذي تعود الأهالي أن يروه فوق ظهر جواده متسلحًا ببندقيته وممسكًا بكرباجه السوداني، كان يطوف المدينة والقرى بدون حراسة، ويؤكد الذين عاصروا فترة ولايته بدشنا أنه كان في كثير من الأحيان يعفو عن المجرمين حتى من يضبطه متلبسًا بسلاح أو مخدرات، شريطة أن لا يعود مرة أخرى وإلا سيكون العقاب مضاعفًا، الجانب الإنساني في شخصية رجل الشرطة أضفت على نجم الدين مزايا افتقدها المواطنين كثيرًا، وجعلته ملك متوج يذكره الأهالي بالخير ويتمنون أن يتكرر هذا النموذج المشرف، الذي كان يجمع بين صرامة تطبيق العدالة وسماحة وروح القانون. كان على الأهالي بالمدينة التي احتلت المركز الأول في الخصومات الثأرية في السنوات العشر الأخيرة أن تنتظر طويلا، عقب قرار "رصد الشبح" بعد نقله من دشنا للعمل في مكان آخر. المكوك في الأول من يوليو 2014 أصدر اللواء محمد كمال، مدير أمن قنا في ذلك الوقت، قرارًا بنقل العقيد محمد عبدالرحمن، ابن محافظة الدقهلية ضمن حركة التنقلات السنوية لضباط الشرطة، ليتولى عبدالرحمن مهام منصبه مأمورًا لمركز شرطة دشنا، وقبل أن يطلع علي مكتبه الجديد، في المركز الذي كانت أخباره تتصدر الصحف والمواقع الإخبارية بسبب كثرة الحوادث الإجرامية والثأرية التي انفرط عقدها وفشلت الأجهزة الأمنية المتعاقبة في السيطرة عليها، تفقد المدينة مرتجلاً ليشهد ويشاهد حالة الفوضى المرورية والاختناق الذي "ضرب الشوارع الرئيسية في مقتل". تمكن عبدالرحمن في بداية فترة ولايته لدشنا أن يعيد بعض الأمور لنصابها، وخاصة التي تتعلق بالتنظيم المروري للشوارع التي كان المسؤولين فقدوا السيطرة عليها بسبب عدم قيام مسؤولي مجلس المدينة في توفير مكان للباعة الجائلين، فاتخذوا من الشوارع الرئيسية والفرعية سوقًا لهم، ما جعل المدينة تتحول إلى "سوق عكاظ"، حزم المأمور الجديد وصرامته وجديته في تطبيق القوانين مع المخالفين، أعاد الهدوء للشارع الدشناوي رويدًا رويد، وعاد اسم "الشبح" يتردد من جديد ليطرح المواطنين تسائلاً هل يتمكن الوافد الأمني الجديد من إعادة أمجاد سلفه حسن نجم الدين، حتي أطلق عليه الأهالي لقب "المكوك" بسبب حركته الدائمة. انفلات أمني رغم أن المدينة كانت تأهب نفسها لتنفض عنها الصورة السيئة التي رسمت في أذهان البعض، وعاد الهدوء ليخيم على المدينة والقرى، ولكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، فبسبب الانفلات الأمني الذي ضرب البلاد في أعقاب ثورة 25 من يناير 2011، أطلت علينا عادة الثأر الذميمة بوجهها القبيح مرة أخرى، وراحت وتيرة الصراعات بين العائلات تتزايد، وانفرط عقد الخصومات الثأرية بسبب انتشار الأسلحة حتى باتت في يد الأطفال والصبية. كان على مأمور دشنا الجديد أن ينجح في إبرام المصالحات بين العائلات ونزع السلاح منهم وضبط العناصر المطلوبة أمنيًا، وعودة النظام للشارع، مع العمل على إصلاح الصورة المشوشة والعلاقة المتوترة التي أصبحت بين الشرطة والمواطنين وهو ما نجح فيه بنسبة قاربت ال 70 % تقريبًا وهي نسبة جيدة بالنسبة لدشنا وقراها التي تتسم بعضها بالقبلية، إضافة إلى أن هناك قرى كانت عصية على الأجهزة الأمنية. نجاحات النجاحات الأمنية المتوالية التي تمكن ابن الدقهلية من تحقيقها في دشنا، أغضبت الكثيرين من الخارجين عن القانون والرافضين في أن يأخذ تيار العدل مجراه، وتمنوا أن يجدوا اسمه ضمن الراحلين في حركة التنقلات التي صدرت في تنقلات يوليو العام الماضي، ولكن مسؤولي مديرية أمن قنا قرروا استمرار عبدالرحمن في منصبه لفترة أخرى لاستكمال المجهودات الأمنية التي أنجزها، بمعاونة زملائه، وبالفعل تمكن من المشاركة مع لجان المصالحات الثأرية في إنهاء العديد من الخصومات كان آخرها في بين عائلتين بقرية السمطا الشهر الماضي. الباعة الجائلين "المخالفين" الذين كانوا يفترشون الشوارع الرئيسية كانوا يحفظون ويسجلون موعد الراحات التي كان يأخذها عبدالرحمن في أجندة خاصة حتى يأتمنوا عدم مطاردتهم مجددًا، بعدما دأب على المرور يوميًا بشوارع دشنا حتى في الساعات المتأخرة وملاحقة المخالفين. قبل أيام أصدر اللواء صلاح حسان، مدير أمن قنا، قرارًا بندب العقيد هشام الضوي، للعمل مأمورًا بمركز دشنا، بدلاً من العقيد محمد عبدالرحمن الذي صدر قرار بإنهاء خدمته في دشنا ليتم ترقيته للعمل بإدارة تأمين الأفواج السياحية والطرق خلفًا للواء وليد رشدي الذي نقل لمباحث الآداب بالقاهرة.