شهدت مدينة دشنا وقراها شمالي محافظة قنا في الأسابيع الأخيرة، ارتفاعا ملحوظا في معدلات الجريمة وحوادث القتل، حيث تشير التقارير الأمنية إلى أن جرائم القتل أصبحت تقع بشكل شبه يومي. وبحسب المحاضر فمعظم حالات القتل كانت بدافع الأخذ بالثأر والنزاع على ملكية الأراضي الزراعية، في حين استقبلت مستشفى دشنا المركزي عشرات الحالات المصابة بطلقات نارية نتيجة التشاجر بالأسلحة النارية التي أصبحت في متناول الجميع "صغارا وكبارا". "ولاد البلد" تفتح ملف الثأر والجريمة، في المدينة التي تستيقظ على أصوات طلقات الأسلحة الثقيلة والخفيفة، وتنام على "عدودة النساء"، رثاءً لمقتل أحدهم. دائرة الدم والنار يقول مسعود عبد الفتاح، مقاول عمال، إن الصراعات القبلية التي ورثها الأبناء من قديم الزمان عن أجدادهم، أصلت المفاهيم الخاطئة وزادت من حدة الإحتقان بين العائلات والقبائل، فأصبحت العائلات تتبارى في إظهار قوتها في المشكلات التي خلفت ورائها كم كبير من الضحايا، ورفعت معها حصيلة الثأر. ويضيف أن الأزمة ليست وليدة اليوم بقدر ما أنها نتيجة طبيعية لخصومات فشلت القيادات الشعبية والتنفيذية بالمحافظة في حلها، فلا تجد عائلة واحدة تخلو من خصومة ثأرية. ويشير الحاج عبد المعطى أبو زيد، عضو لجنة المصالحات بقنا، إلى أنه لابد من إنهاء جميع الخصومات بين العائلات والقبائل، خاصة في ظل الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد، مطالبا كبار العائلات والقبائل بالتكاتف لردع الصدع الموجود ونبذ الخلافات حتى ننتهي من بحور الدم التي انتشرت في الفترة الأخيرة بمحافظة قنا. ويقول أحمد ياسين، عضو لجنة المصالحات الثأرية بدشنا، إن لجنة المصالحات نجحت في إبرام عشرات المصالحات خلال هذا العام بقرى أبو دياب وفاو بحري وفاو قبلي وأبو مناع قبلي وأبو مناع غرب، وأبو مناع شرق. ويطالب القيادات الأمنية بمركز شرطة دشنا، باختيار شخصيات أمنية قادرة على التأثير على كبار العائلات، لإنجاح عمليات الصلح التي يتم إبرامها، مشددا على ضرورة عودة القبضة الأمنية كما كانت في عهدها السابق. ويوضح أنه تم الإتفاق خلال لقاء جمعه مع محافظ قنا، بأن تتولى المحافظة تقييم الخصومات الثأرية بالمركز، واختيار الأشخاص القادرين على حل وإنهاء الخصومة بين الأطراف المتنازعة، مطالبا بوضع لوحة شرف تضم أسماء أعضاء لجان المصالحات الذين نجحوا بشكل كبير في إنهاء الخصومات بدشنا. ويطالب يسرى عبد الناصر، موظف، بتدخل الأجهزة الأمنية، والقيادات الشعبية والتنفيذية، لعقد مصالحات فورية بين العائلات المتناحرة لوقف نزيف الدماء، مشيرا إلى أن تراخي القبضة الأمنية أسهم في انتشار الأسلحة الخفيفة والثقيلة، والتي يستخدمها الأهالي في اشتباكاتهم. وفي السياق نفسه، تمكنت عدسة "ولاد البلد" من إلتقاط صورا لفوارغ طلقات أسلحة ثقيلة بقرية الحجيرات من نوعية "الآر بي جي" و"الجرينوف" بإحدى قري دشنا، وسط مطالبات الأهالي بتكثيف الحملات الأمنية لجمع الأسلحة التي تنذر باشتعال حرب أهلية بين العائلات التي بينها خصومات ثأرية. انفلات أمني ويقول سعيد عبد المجيد، تاجر، إن حالة العنف الزائد في الشارع الدشناوي أدت إلى تراخي القبضة الأمنية، وساعد علي ذلك الأسلحة غير المرخصة والتي دخلت البلاد خلال فترات الفراغ الأمني التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، وبكميات كبيرة وأنواع متطورة، مما زاد من حالة جنوح الأهالي إلي التقاتل بالأسلحة لأسباب واهية. ويلفت النظر إلى أن الحل يكمن في عودة الأمن بكل شدة وحزم خصوصا في القرى التي يكثر فيها المنازعات القبلية والثأرية، مطالبا بوضع كمائن ثابتة في مداخل ومخارج جميع القرى وتسيير دوريات متحركة بطول الطرق المؤدية إلى القري لضمان استتباب الأمن بشكل كامل، مناشدا لجان المصالحات الثأرية ببذل جهود مضاعفة في عقد المصالحات بين العائلات المتخاصمة. واتهم مصباح صلاح، عامل، الأجهزة الأمنية بانشغالها بإزالة الإشغالات والمرافق على حساب الجانب الأمني، ويتسائل : كيف لا تستطيع الداخلية أن تحمي متهما كان في حراسة الشرطة يتم قتله على بعد خطوات من محكمة دشنا؟. ويطالب بإجراء تحقيق موسع في ملابسات الواقعة ومحاسبة المقصرين، كما طالب بجمع الأسلحة الغير مرخصة وتشديد القبضة الأمنية. ويرى قرشي السابح، تاجر، أن تزايد حالات الثأر وارتفاع معدلات الجريمة بسبب تقصير الأمن، ويقول " الأمن لا يقوم بدوره كاملا في ملاحقة المجرمين وتجار الأسلحة"، مطالبا بتفعيل دور لجان المصالحات لاحتواء الصراعات قبل أن تدخل دشنا في "معترك حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس". دشنا في المرتبة الأولى ومن جانبه، يقول اللواء محمد مصطفي كمال، نائب مدير الأمن، إن محافظة قنا بها أكثر من 100 خصومة ثأرية، ويحتل مركز دشنا المرتبة الأولى في عدد الخصومات، وأنه يسعي خلال الفترة المقبلة لرأب الصدع بين العائلات. ويضيف أن القيادات الأمنية عقدت العزم على إنهاء الخصومات الثأرية بمحافظة قنا خلال المرحلة المقبلة، مطالبا القيادات الشعبية والتنفيذية بالتكاتف لعقد المصالحات بين العائلات والقبائل التي بينها خصومة. الحياة توقفت ويلفت حسام الدين بدري، فني كهرباء، إلى تراخي جهاز الأمن في التصدي لحالات الإنفلات الأمني المتفشية في دشنا والتي تسهم إلى حد كبير في عودة انتشار ظاهرة الأخذ بالثأر في قرى دشنا، مضيفا " على الأمن العمل بحزم في تحقيق الأمان للمواطن". ويشير إلى أن انتشار حالات القتل في دشنا يقدم صورة سلبية عنها ويؤثر على حركة البيع والشراء ويعطل مصالح الناس ويؤثر في الحياة العامة لافتقاد المواطن لعنصر الشعور بالأمن وخوفه علي حياته وحياة أولاده. ويرى محمد السيد، أمين شرطة بمركز شرطة دشنا، أن حالات الإنفلات وانتشار الجريمة بدشنا، يدفع ثمنها رجل الشرطة والمواطن، وأن مركز الشرطة دفع ثمن الإنفلات الأمني من دماء أبنائه، حيث استشهد الضابط أحمد عوض، قبل أعوام أثناء مطاردة خارجين عن القانون، وقبل أسابيع استشهد النقيب محمد خلاف، والرقيب أحمد الصغير، أثناء حملة أمنية لضبط الخارجين عن القانون. ويعتبر غياب الوازع الديني والأخلاقي السبب في حالة الإنفلات الأمني، وأن البعض أصبح لديهم شراهة كبيرة في شراء البنادق الآلية، التي يعتبرها العديد من أهالي دشنا "من أهم مستلزمات المنزل". ويشير علاء حجاج، تاجر، إلى أن ما يحدث في دشنا سببه غياب الأخلاق والدين، حيث أصبح كل فرد لا يفكر إلا في نفسه دون تفكير في الآخر، ويرى أن الحل يكمن في عمل كل منظمات المجتمع المدني والأهالي على توعية المواطنين بخطورة تفشي العنف، وأن تقوم الأجهزة الأمنية بإحكام السيطرة الأمنية على منابع العنف في دشنا، والمتمثلة في بؤر تجارة السلاح، وتسليم الأسلحة غير المرخصة. وفي السياق نفسه، يقول عادل فاروق، عامل، إن دشنا تشهد حالة من العنف الزائد في كل شيء، لذا يجب تفعيل دور كبار العائلات، وإنهاء الخلافات قبل تطورها، مطالبا الداخلية بجمع الأسلحة غير المرخصة لأنها المحرك الرئيسي لعمليات القتل. ويطالب محمود سيد عبد الباري، عامل، بتضييق الخناق على حائزي الأسلحة، وإصدار أحكام رادعة وفورية لمن يثبت تملكه سلاح بدون ترخيص، مؤكدا أن هناك قرى عديدة بدشنا تتسلح بالأسلحة الثقيلة مثل "أر بي جي" و"الجرينوف" وتستخدمه في الاشتباكات، لافتا إلى أن الرصاصات الطائشة دائما ما تحصد أرواح الأبرياء. دور السينما وتعتقد زهرة بنت ساحة الطيب، ربة منزل، أن القائمين على السينما المصرية، أسهموا بشكل مباشر في تنامي معدلات الجريمة بالصعيد، بعدما تركزت جميع أعمالهم حول الصعيد والقتل، وأصبحت شخصية الصعيدي تدور في فلك تاجر المخدرات والمجرم المطارد بشكل دائم من قبل الجهات الأمنية. وطالبت القائمين على الدراما والأعمال التلفزيونية برفع يدهم عن "تشويه" الشخصية الصعيدية، وإظهار الجانب الإيجابي فيها، موضحة أن الأطفال يقلدون ما يشاهدونه على الشاشات الفضائية من أعمال عنف وجريمة حتى أصبح السلاح أحد أهم ألعاب الأطفال.