وفاة طفلتين ببني سويف يقود 9 قيادات ب"الصحة" للمحاكمة.. وقانوني: السجن بانتظارهم

شهدت محافظ بني سويف في شهر يوليو من العام الماضي واقعة تسمم وفقدان للوعي لحوالي 40 طفلًا، واستقبل مستشفى بني سويف الأطفال المصابين بعد تناولهم محلول جفاف بمستشفيات ببا والواسطى وإهناسيا المركزي، فيما توفيت طفلتين أحدهما تبلغ من العمر خمسة أشهر والأخرى 11 شهرًا، جراء تناولهم جرعة من المحلول الذي أثبت الطب الشرعي فيما بعد أنه فاسد.
بداية الكارثة
بدأت الكارثة يوم 26 يوليو 2015، بعد حضور 30 حالة مرضية، جميعهم من الأطفال، إلى مستشفيات: الواسطى المركزي، ببا المركزي، إهناسيا المركزي، وكانت جميع الحالات تعاني من أعراض نزلة معوية "إسهال – قيء – ارتفاع بدرجة الحرارة – آلام بالمعدة" بواقع 7 حالات بمستشفى الواسطى، و13 بمستشفى ببا، و10 بمستشفى إهناسيا، وأثناء تليقهم العلاج بمحلول معالجة الجفاف "ريهايدران الوريدي" تشغيلة رقم (140509) إنتاج شركة "المتحدون"، والتي تم توريدها إلى مخازن الصيدلة بمديرية الصحة ببني سويف يوم 22/ 7/2015، أصيب الأطفال بتفاعلات تشنجية بعد استهلاك حوالي 50 سم3 من المحلول؛ مما استدعى وقف العلاج على الفور والتدخل الطبي السريع؛ للتعامل مع الأعراض التشنجية، حيث تحسنت 18 حالة منها، بينما احتاجت 12 حالة إلى التحويل، 7 تم تحويلها إلى مستشفى بني سويف العام، و5 حالات إلى مستشفى بني سويف الجامعي، حيث تحسنت 8 حالات، وتوفيت حالتان بمستشفى بني سويف العام.
وفي منتصف شهر أغسطس من العام المضي 2015، كشف تقرير صادر عن الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، عدم صلاحية محلول معالجة الجفاف، للاستخدام، وذلك بعدما تسبب في وفاة طفلتين من بنى سويف عقب تناولهم إياه.
وأوضح التقرير الذي أعدته شعبة التفتيش والمواصفات، عدم مطابقة المحلول للخواص الطبيعية والصيدلية، ووجود عيوب في العبوة وغياب للعناصر الفعالة في غالبية العينات التي تم سحبها من مستشفيات ببا المركزي وبني سويف العام وإهناسيا المركزي، بالإضافة إلى مخازن مديرية الصحة.
ووفق تقرير الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، ذكرت نتائج تحاليل العينات المسحوبة من مخازن مديرية الشؤون الصحية والمستشفيات التي شهدت حالات وفيات بين الأطفال، عدم مطابقة العينات للخواص الطبيعية والصيدلية، حيث تبين من التحليل أن مادة ال"ph" التى يحتويها المحلول تساوي 4.19 بينما تؤكد المواصفات القياسية ضرورة وجود تلك المادة بنسبة تتراوح بين 5 و7، كما تلاحظ وجود "كريستالات" على عنق الزجاجة من الخارج، وآثار غبار أبيض على العبوات البلاستيكية، وسطح غير أملس، مع عدم وجود "لوجو" الشركة، بالإضافة إلى عدم مطابقة عينة المحلول كيميائيًا بسبب غياب العناصر الفعالة من الصوديوم والبوتاسيوم وغياب الكلوريد تمامًا من المستحضر.
وبناءً عليه قرر الدكتور عادل عدوي وزير الصحة حينها، إغلاق مصنع "المتحدون فارما لصناعة الأدوية والمستلزمات الطبية ومستحضرات التجميل" وتحريز وضبط كل منتجاته، بعد وفاة أطفال وإصابة آخرين إثر إصابتهم بنزلة معوية حادة في مستشفيات بني سويف.
وعقب صدور قرار الطب الشرعي وانتهاء التحريات والتحقيقات حول الواقعة، قرر المستشار سامح كمال، رئيس هيئة النيابة الإدارية، مساء أمس السبت، إحالة 9 قيادات بوزارة الصحة للمحاكمة العاجلة، لتسببهم في وفاة طفلتين، وتعريض حياة العديد من الأطفال بمحافظة بني سويف للخطر، نتيجة إعطائهم محلول لمعالجة الجفاف بالمستشفيات فاسد وغير صالح للاستخدام.
يواجهون الحكم بالحبس 3 سنوات
محسن أبوعقل، نقيب المحامين ببني سويف، يقول إنه في قضية محلول الجفاف الفاسد تم تحويل المتهمين إلى محكمة الجنايات، مشيرًا إلى أنه على ضوء التحقيقات إذا ثبت عليهم الإدانة ستصدر عليهم العقوبه المقررة، والتي تصل إلى الحبس لمدة 3 سنوات.
وتنص المادة 18 من الدستور على أن "لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقًا لمعايير الجودة وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها.. وتخضع جميع المنشآت الصحية والمواد ووسائل الرعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة".
دور النقابة
ويشير أحمد الشرقاوي، نقيب أطباء بني سويف، إلى أن قضية محلول الجفاف الفاسد ببني سويف الآن في يد القضاء، لافتًا إلى أن النقابة دورها التنسيق بين المستشفيات والأطباء والجهات التنفيذية وتلقي الشكاوى من المواطنين إن وجد بتضررهم من الأطباء، وكذلك تضرر الأطباء من قياداتهم والمحاولة في حلها والتحقيق فيها، بجانب التنسيق مع المسؤولين بالمحافظة والمستشفيات الجامعية والتأمين الصحي والمحافظ ووكيل وزارة الصحة فيما يخص المجال الصحي.
أما الدكتور جمال الجوهري، وكيل وزارة الصحة ببني سويف فلم يتسن ل"ولاد البلد" رصد تعليقه على قرار إحالة 9 قيادات من زملائه بالوزارة، بدعوى أنه غير موجود بمكتبه، كما لا يرد على هاتفه.
وتسلم الدكتور جمال الجوهري، مهام عمله بمديرية الصحة، خلفًا للدكتور علاء عزت، وكيل وزارة الصحة السابق الذي تم إعفاءه من مهام منصبه، على خلفية واقعة محلول الجفاف.
أمر الإحالة
والمتهمون في القضية حسب ما تضمن قرار النيابة الإدارية كلٍ من رئيس الإدارة المركزية للرعاية الصحية المتكاملة بوزارة الصحة، ومدير عام الإدارة العامة لبرامج أمراض الطفولة بوزارة الصحة، ومدير إدارة الطب العلاجي بمديرية الشؤون الصحية ببنى سويف، وكيل مديرية الشؤون الصحية ببني سويف السابق، ومدير إدارة المستشفيات والطوارئ بمديرية الشؤون الصحية ببني سويف، ومدير إدارة الصيدلة بمديرية الشؤون الصحية ببني سويف السابق، ومدير التموين الطبي بإدارة الصيدلة بمديرية الشؤون الصحية ببني سويف، وأمين مخزن المحاليل والمضادات الحيوية بإدارة الصيدلة بمديرية الشؤون الصحية ببني سويف، وصيدلي بالإدارة العامة لبرامج أمراض الطفولة بوزارة الصحة.
وذكر أمر الإحالة أن المتهمين مسؤولين عن وفاة الطفلتين: رحمة علي عبد اللطيف، البالغة من العمر 5 أشهر، ومروة أحمد جمعة، البالغة من العمر 11 شهرًا، وتعريض حياة العديد من الأطفال للخطر، نتيجة إعطائهم محلول معالجة الجفاف بكل من مستشفى ببا المركزى، ومستشفى إهناسيا المركزى، الذى تسبب فى إصابتهم بحالات تشنج عنيفة، واختلال في أيونية الدم، لعدم مطابقته للمواصفات، وعدم صلاحيته للاستخدام والتداول.
نتائج التحقيقات
وكشفت التحقيقات أنه بتاريخ 22/9/2014 قامت وزارة الصحة بطرح مناقصة عامة لتوريد 90 ألف عبوة محلول لمعالجة الجفاف بالتنقيط الوريدى، وتم إرساء المناقصة على شركتين، واختصت محافظة بنى سويف ب4500 زجاجة من المحلول، صدر بشأنها أمر التوريد المؤرخ 22/12/2014، ومنذ ذلك التاريخ لم تقم وزارة الصحة بطرح مناقصة أخرى لتوريد ذلك الصنف.
وأوضحت النيابة أنه بتاريخ 19/1/2015 صرح المختصون بالإدارة العامة لبرامج أمراض الطفولة بوزارة الصحة، للمختصين بمديرية الشؤون الصحية ببنى سويف، بشراء محلول معالجة الجفاف من ذات الشركتين الصادر لها أوامر توريد خلال العام المالى2014/2015 بذات الأسعار ومن ميزانية المديرية، الأمر الذى يعد تجاوزا لحدود اختصاص هذه الإدارة، لكونها غير مختصة بإصدار أى مكاتبات للمديريات أو أى جهة بشأن توفير أى صنف من الشركات مباشرة، وأن إدارة العقود والمشتريات بالإدارة المركزية بالأمانة العامة بوزارة الصحة هى المختصة دون غيرها.
وبتاريخ 9/7/2015 قامت إحدى الشركتين بتوريد 5 آلاف عبوة من المحلول، دون سند قانوني بالتواطؤ مع بعض المسؤولين بمديرية الصحة ببني سويف، وقامت الشركة في سبيل التهرب من إخضاع المحالين للفحص والتحليل، بتزوير رقم المنتج للتحايل على الجهات الرقابية المختصة.
وبحسب التحقيقات، كلفت النيابة الإدارية، الهيئة القومية للبحوث الدوائية بفحص العينات المسحوبة من المحالين بمستشفى بنى سويف العام، ومستشفى إهناسيا المركزي، ومستشفى الواسطى المركزي، ومستشفى ببا المركزي، ومخازن مديرية الصحة، وجاءت نتائجها غير مطابقة من حيث اختبار الهيدروجين وعدم وجود عناصر الصوديوم والبوتاسيوم، وارتفاع نسبة الجلوكوز عن المذكور ببيان التركيب بما يجعل "محلول الجفاف" غير صالح للاستخدام، ويعرض حياة الأطفال للخطر.
أسباب وفاة الطفلتين
وتلقت النيابة تقرير الصفة التشريحية الصادر عن الطب الشرعي، بعد فحص جثتي الطفلتين المتوفيتين، عقب تعاطيهما محلول الجفاف، وتبين أنهما أصيبا بحالة إعياء شديدة أودت بحياتهما نتيجة فساد المحلول ومخالفته للمواصفات.
وتضمن تقرير الطب الشرعي، أن الطفلة المتوفية رحمة على عبد اللطيف، عمرها 5 أشهر، تعاني من نزلة معوية، وجفاف، وتورم بالمخ، وأوديما، واحتقان شديد بالأحشاء، الأمر الذي أدى لاختلال أيونات الدم، وتم إعطائها المحلول الغير مطابق للمواصفات، ما تسبب فى ظهور أعراض عصبية دماغية من تشنجات وتوقف عضلة القلب ومن ثم الوفاة.
وبين التقرير أن الطفلة المتوفية مروة أحمد جمعة، البالغ عمرها 11 شهرا، تبين من الفحص أن جوهر المخ بحالة من التورم والانتفاخ، وأنها تعانى من نزلة معوية ومظاهر جفاف ومظاهر تورم بالمخ وأوديما واحتقان شديد بالأحشاء كافة، وتبين أن إعطائها "محلول الجفاف" الغير مطابق للمواصفات تسبب فى توقف قلبها ومفارقتها الحياة.
كما أوضح تقرير الطب الشرعي، أن نتائج فحص عبوات المحلول الذي تم إعطاؤه لعدد من الأطفال، تسبب فى إصابتهم بتشنجات شديدة وعرض حياتهم للخطر وتم إسعافهم، وتبين أن العبوات غير مطابقة للمواصفات التي تجعلها صالحة وآمنة للاستخدام، وأن إعطائها عن طريق "كانيولا" بالوريد بكميات معينة يشكل خطرًا على الحياة خاصة للأطفال في حالات النزلات المعوية.