تصوير ومونتاج هادي سيد: حورية الخلد ما أبهى محياكي .. يا كعبة الحسن والأنوار مجلاكي والله يعطي ويرضي كل صالحة .. فما تشائين شاء الله مولاكي تلك الأبيات الخالدة التي سطرها العارف بالله محمد مصطفى السعدني في القصيدة السعدية، مادحًا "زينب الصغرى"، أو السيدة حورية أو "الست حورية" كما يتعارف عليها أهالي بني سويف من البسطاء. يستجمع المنشد الصغير سيد شعبان، طالب بالصف الثالث الثانوي، صوته وروحه ليصدح بهذه الأبيات، مؤكدًا أنه اعتاد على زيارة ضريح السيدة حورية منذ ثلاث سنوات، فقد وجد فيه حلاوة إيمان تدفعه للابتهال والإنشاد بذكر آل بيت النبي، وفي المسجد تعرف إلى صحبته من فرقة الإنشاد الديني، التي تعقد اجتماعاتها للإنشاد والابتهال كل يوم جمعة. معلقات الضريح وقصة صاحبته وتعتبر السيدة حورية، واحدة من آل بيت النبوة، صاحبة دور بارز في التاريخ، بالرغم من وفاتها في سنٍ صغيرة، وحسب النصوص المعلقة داخل ضريح السيدة حورية، فإن الاسم الحقيقي لها هو زينب الحسينية، نسبة إلى الإمام الحسين بن علي رضي الله عنهما، وسُميت زينب نسبة إلى عمتها السيدة زينب الكبرى بنت علي رضي الله عنه، ولقبت بالسيدة حورية لجمالها وورعها. واشتهرت السيدة حورية بتطييب المرضى، فقد كانت فى معركة كربلاء الشهيرة قائدة للمستشفى الميدانى وهي بنت الثامنة عشرة، وبعد مقتل والدها الحسين سيد شباب أهل الجنة، تعرضت لمواجهة صعبة وقاسية مع أعدائه، إلا أن ذلك زادها إعزازا وكرامة. وبحسب الروايات التاريخية العديدة، فقد جاءت السيدة حورية إلى مصر مع السيدة زينب عقيلة بني هاشم وبصحبة أخيها الأكبر على الأصغر زين العابدين، وفي أحضان أمها فاطمة أم الغلام، وبرفقة زوجة أخيها السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن. وواكب قدومها إلى مصر الفتوحات الإسلامية، حيث رافقت جيوش المسلمين عند فتح مصر المحروسة، وحضرت معركة شهيرة بمنطقة البهنسا بمحافظة المنيا، وبحسب الروايات التاريخية التي يتداولها الناس فقد أظهرت خلال هذه المعركة شجاعة فائقة وجسارة نادرة، وقاتلت مع الرجال قتالاً ضاريًا تحدث عنه الرواة. وكان لقب حورية يليق بابنة بيت النبوة لشدة جمالها الذى يضاهي جمال حوريات الجنة، كما كانت تحب السفر والترحال، فكثيرًا ما كانت تتنقل بين قرى مصر وزائرة مستديمة لمقابر الصحابة والتابعين، فكانت رحلتها الأخيرة إلى أرض البهنسا ببني مزار بمحافظة المنيا، حيث يوجد هناك بقيع مصر الكبير وما يحويه من مقامات أكثر من خمسة آلاف صحابي وتابع لرسول الله. وتوفيت السيدة حورية بكرًا لم تتزوج، حيث أنها أصيبت أثناء عودتها من زيارة البهنسا بحمى شديدة توفت على أثرها ببني سويف، وتم تشييد مقامها في مكانه الحالي، وظلت معروفة لأهالي بني سويف. ويروي الشيخ كمال عبد التواب، إمام وخطيب المسجد، قصة بناء المسجد الحالي المعروف بمسجد السيدة حورية، مشيرا إلى أن عثمان بك أحد أعيان بني سويف رأى فى منامه السيدة حورية وطالبته بإنشاء المسجد فى هذا المكان، وعلى الفور شرع فى بنائه عام 1323ه، إلا أن المنيه وافته قبل أن يكتمل البنيان، فأكمل البناء ابنه إسلام باشا، وتم إنهاء ساحة كبرى محاطة بسور بتكلفة تزيد على ربع مليون جنيه، لإقامة المولد فيها والاحتفال بذكرى السيدة حورية. وكان عثمان بك استدعى مجموعة من المهندسين الإيطاليين لبناء المسجد الشهير الموجود حاليًا باسم السيدة حورية، حيث قاموا ببناء المسجد بجوار الضريح القديم الذي أصبح جزءا من المسجد وجناحا يقع على يمين الداخل من الباب الأيمن، وبجوارها مدفون الشيخ سعد الدين والشيخ يوسف. في كتب الرواة والمؤرخين ذكر علي باشا مبارك السيدة حورية فى خططه التوفيقية، فكتب في الجزء التاسع منه عن مسجد (الشيخة حورية) التي يقيم لها المحبين ليلة كل سنة وعن قصتها الخالدة وقصة بناء المسجد الذي يحمل اسمها. كما ذكر الزمخشري في ربيع الأبرار أن يزدجرد ملك كسرى كان له ثلاث بنات في زمن عمر بن الخطاب، فتزوجت واحدة من عبد الله بن عمر بن الخطاب فأولدها سالما، والاخرى لمحمد بن أبى بكر الصديق فأولدها الثاسم، والاخرى للحسين بن على فأولدها عليا (زين العابدين)، وهي أم السيدة حورية. كرامات وتعتبر قصة المستشار بخلاف التي رواها بنفسه من أشهر القصص المتداولة بين العامة والخاصة عن كرامات السيدة حورية، البتول، حفيدة الرسول، حيث يروي المستشار خلاف أن إحدى يداه شُلت وكان خادمًا للمسجد، وجاءته السيدة حورية في المنام فوقف بعدها على قدماه ومن شدة فرحته لم يلحظ أن يده عادت للحياة مرة أخرى، والرجل يؤكد أن السيدة حورية الطاهرة لها العديد من الكرامات على المئات من مريديها. ويعتبر المسجد والضريح مزارًا دائمًا لأهالي منطقة السيدة، فيقول محمد شعبان، موظف بالمعاش، إنه اعتاد زيارة المسجد، خاصة في أيام الجمعة، حيث يمكث لساعات بين صلاة العصر والمغرب داخل المسجد للاستمتاع بروحانياته، بالإضافة إلى أنه يجد فيها عبق ذكرى الرسول وآل البيت، ودائمًا ما تكون فترات مكوثه داخل المسجد ابتهالات وأدعيه يتوجه بها إلى الله لحفظ أبناءه وبلده. ويضيف عبد العال رمضان أنه لم يكن يزور الضريح والمسجد باستمرار، ولكنه تعلق بالمسجد منذ عام، ولا يستطيع أن يفوته يوم دون التردد على مسجد السيدة حورية وضريحها، ويسمع عن تاريخ صاحبته حفيدة النبي من السيرة المتداولة بين الناس ومن السيرة المكتوبة على جدران المسجد، ودائما ما يدعو الله أن يفك كرب المسجونين ويدعو لأجل الناس كلها وخاصة المرضى.