بعد أن عمت الفوضى بالبلاد، وسيطر الثوار على البلاد بقوة السلاح مدعومين بغطاء جوي من طائرات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، يستطيع الرئيس الليبي معمر القذافي الفرار من حصار الثوار لمقر إقامته ببني غازي، ويلجأ إلى مسقط رأسه في مدينة سرت. يظل القذافي خائفا على حياته ويتنقل من مكان إلى أخر في سرت بواسطة موكب كبير يضم العشرات من سيارات التأمين، خوفا من معرفة مكانه، وفي الوقت نفسه كانت فرقة من القوات الجوية الفرنسية المعروفة باسم (ساس) ترسم خطة سيناريوهات خروج القذافي من المدينة وحددت جميع مداخل ومخارج سرت والتي يمكن أن يفر عبرها القذافي، وأخبرت الثوار الليبيين بذلك، ولك الليبيون لم يهتموا بالأمر كثيرًا وذلك بحسب صحيفة ديلي تليجراف البريطانية. يستطيع القذافي أن يخرج من مدينة سرت، بعد أن أهمل الثوار الليبيون نصيحة القوات الفرنسية بتشديد وتأمين مداخل ومخارج سرت، ولكن طائرات تحالف الأطلسي استطاعت أن ترصد موكب القذافي عن طريق نظام Sigint للمراقبة – بحسب الصحيفة البريطانية – من خلال مراقبة هاتف الثريا الخاص بالقذافي، وكان موكب القذافي المكون من 75 سيارة متجه غربا ناحية وادي جارف، فأطلقت طائرات تحالف الناتو الصواريخ مستهدفة الموكب وتهرب السيارات التي نجت من الهجوم. لم يعرف وقتها مصير القذافي، وتحدث تقارير صحفية عن إصابته بشظية بالظهر جراء قصف موكبه، ولكن يظهر مقطع فيديو يظهر القذافي وهو ملقي القبض عليه بواسطة مجموعة من الثوار الشباب يحملون السلاح والتي يتراوح أعمارهم بين ال20 وال30 عاما، وكان وجه الرئيس الليبي غارقًا بالدماء ويتوسل القابضين عليه الرحمة، غير أنهم حملوه ووضعه على مقدمة سيارة وأوسعوه ضربًا وسبابا. وفجأة يُعلن مقتل القذافي، وينقل الثوار الليبيون جثمان القذافي وابنه المعتصم من مدينة سرت إلى مدينة مصراتة، ويقرر المجلس الانتقالي الليبي الذي كان يحكم البلاد آنذاك دفن القذافي ونجله في مكان غير معلوم بالصحراء خشية معرفة الليبين مكان القبر والعبث بالجثمان. ولكن كيف قتل القذافي؟ سؤال لم يعرف إجابته حتى الآن، غير أن القائد السابق للحرس الثوري الليبي منصور ضو، والذي عرف عنه بأنه "الصندوق الأسود" لنظام القذافي كشف عن بعض التفاصيل قال إنها كانت اللحظات الأخيرة في حياة الرئيس الليبي السابق. وقال ضو في سياق مقابلة مع شبكة سي إن إن، إن "القذافي هرب بعد مهاجمة الناتو لموكبه، مشياً على الأقدام عبر أنبوب مجاري حيث قبض عليه مقاتلو المجلس الوطني الانتقالي، وقتل لاحقاً في ظروف لا تزال تفاصيلها ضبابية". وأضاف أنه "فقد وعيه عند إصابته بشظية في ظهره ولا يدري كيفية وفاة القذافي". القذافي حكم ليبيا بقبضة حديدة لمدة 4 عقود قبل أن يطيح به الليبيون بعد مظاهرات حاشدة بدأت يوم 17 من فبراير، تلك المظاهرات التي سخر منها القذافي كما سخر من المظاهرات التي وقعت في تونس ومصر قبلها بأيام وأدت إلى سقوط نظامي زين العابدين بن على وحسني مبارك على الترتيب. اسمه بالكامل معمر محمد عبد السلام أبو منيار القذافي ولد في 7 يونيو 1942، في مدينة سرت، وهو ينحدر من قبيلة القذاذفة إحدى كبرى القبائل الليبية، تلقى تعليمه الأول في بلدته، ودرس ما بين عامي 1956 و1961 في مدينة سبها، وشكل أثناء دراسته الأولى مع بعض زملائه نواة لحركة ثورية متأثرة بالزعيم جمال عبد الناصر. طرد من المدرسة لنشاطاته السياسية، لكنه أكمل بعد ذلك دراسته في الأكاديمية العسكرية في بنغازي، وتخرج فيها عام 1963، وأرسل في بعثة للتدريب العسكري في بريطانيا عام 1965. كوّن مجموعة "الضباط الوحدويين الأحرار" عام 1964، تأثرا بحركة الضباط الأحرار التي قادت ثورة 1952 في مصر، ولعب دورا جوهريا في الانقلاب على الحكم السنوسي في ليبيا في الأول من سبتمبر 1969، فيما أطلق عليه لاحقا اسم "ثورة الفاتح"، وتمَّ إعلان الجمهورية في ليبيا التي تحول اسمها فيما بعد إلى "الجماهيرية". عرف عن القذافي ارتباطه القوي بالزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ودعواته القوية للوحدة العربية، حتى إنه كان من المتحمسين للوحدة الاندماجية مع جيرانه العرب مثل مصر وتونس. بدأت مشاكل القذافي مع القادة والزعماء العرب، ثم تخلى عن العمق العربي لليبيا لصالح العمق الأفريقي، حتى إنه وضع خريطة أفريقيا بدلا عن خريطة الوطن العربي كإحدى الخلفيات الرسمية في الدولة، ودعا للوحدة الأفريقية كما فعل من قبل مع الدول العربية، قبل أن يسمي نفسه "ملك ملوك أفريقيا". في عام 1976 نشر القذافي كتابه الأخضر وجعله أيقونة لجماهيريته، وعرض فيه ما سماها "النظرية العالمية الثالثة" التي اعتبرها تجاوزا للماركسية والرأسمالية، وتستند إلى حكم الجماهير الشعبية، واعتمد اللون الأخضر لونا رسميا في البلاد.