عندما حل الظلام على الوادي الضيق الذي يقع في جبال شمال العراق أشعل الايزيديون الأضواء واصطف النساء والرجال بشكل متلاصق في الميدان الذي يتوسط وادي لالش، أقدس بقاع هذه الأقلية الدينية. بحث الايزيديون في هذه الساحة عن مكان ما فوق التلال يمكنهم من اختطاف نظرة على الأحداث المركزية للاحتفال. حمل المؤمنون شموعا في أيديهم أو أحجارا تتدلى منها خيوط الصوف المشتعلة وعلا الدخان من أطباق بها نيران وبدأ الناس بالهتاف والتصفيق وكأنهم تلقوا أمرا غير مرئي بذلك وبدأوا يتغنون بهتافات سعيدة عالية وجماعية. استمر هذا المشهد أكثر من ساعة. ويحتفل الايزيديون هذه الأيام بعامهم الجديد. قدم مئات الايزيديين إلى وادي لالش النائي عبر الطريق الوحيد المؤدي للوادي. كان هذا العيد في الأصل بمثابة احتفال سعيد ولكن حزنا عميقا يسيطر على الايزيديين في أبريل الجاري رغم هتافات السعادة التي يطلقونها حيث يخلفون وراءهم شهورا من الحزن منذ أن توغل تنظيم الدولة الإسلامية في أغسطس الماضي في منطقة جبال سنجار شمال العراق والتي يعيش فيها الايزيديون بشكل رئيسي. تشير بعض التقديرات إلى أن نحو نصف مليون شخص طردوا من مناطقهم و وجدوا ملاذا في مناطق خاضعة للحكم الذاتي للأكراد شمال العراق. يرى المتشددون السنة في الايزيديين "عبدة الشيطان" ويلاحقونهم بوحشية حيث قتل تنظيم الدولة الإسلامية نحو 1500 من الايزيديين ويعتقد أنه لا يزال هناك نحو 3000 امرأة تحت سيطرة مليشيا تنظيم الدولة، ربما أكرهت هذه النساء على الزواج من رجال التنظيم وربما "تم بيعهن كسبي" وهو ما يصفه الايزيديون بالتطهير العرقي. كان الايزيدي "نصير حاج" ممن فروا من مناطقهم مع زوجاتهم وأطفالهم عندما اقترب المتطرفون من بلدته باشيكا التي تقع على بعد بضعة كيلومترات شمال مدينة الموصل، معقل تنظيم الدولة. أما حال نصير حاج، 35 عاما، ذي اللحية الكثة فلا يختلف كثيرا عن حال معظم اللاجئين الايزيديين، لقد فقد كل ما يمتلك، الأقرباء والأصدقاء والوطن والمتاع. يقول نصير حاج إن الايزيديين شهدوا بالفعل أوقاتا عصيبة "ولكن هذه الكارثة هي أحدى أسوأ الكوارث التي تعرضوا لها". ولا أحد يعرف ما إذا كانت هذه المأساة ستنتهي ومتى ستنتهي. فعلى الرغم من أن مقاتلي البشمرجة الأكراد قد استعادوا بعض المناطق من تنظيم الدولة بمساعدة غارات جوية أمريكية إلا أن الايزيديين لم يعدوا تقريبا إلى مناطقهم حتى الآن. خلف تنظيم الدولة الإسلامية مناطق مدمرة ليس بها حتى الآن كهرباء ولا ماء. لقد تأكد الرأي السابق للكثير من الايزيديين بعد توغل مليشيات تنظيم الدولة في مناطقهم بأنه ليس هناك تقريبا من يساعدهم، فالكثير منهم لا يحب الحديث عن المقاتلين البشمرجة حيث يرى هؤلاء أن مقاتلي البشمرجة فروا ببساطة عندما اقترب مقاتلو تنظيم الدولة حسبما يحكي قاسم، وهو طالب يحتفل مع الايزيديين بالعام الجديد في لالش. كما لا ينتظر الايزيديون الكثير من العراقيين العرب حيث يشعر الايزيديون بأنهم ملاحقون من هؤلاء العراقيين منذ أن أمر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بمحاصرة قرى الأغلبية الايزيدية. لذلك فإن أهمية توحد الايزيديين وتضامنهم مع بعضهم تزداد وقت الأزمات "وعيد العام الجديد دليل على تماسكنا" حسبما يرى اللاجئ نصير حاج مضيفا: "إنه يعطينا إحساسا بأننا سنخرج أقوياء من هذه الأزمة". عاد صوت الغناء الجماعي المنبعث من ساحة لالش الأساسية يتردد ويعلو في الأرجاء، تميز هذا الغناء بصوت الشباب على وجه الخصوص. يوجه الايزيديون دعواتهم هذا المساء بوجه خاص للملك الطاووس بشكل خاص، وهو أحد الملائكة السبعة الذين يقدسهم الايزيديون. ويعتقد الايزيديون أن الملك الطاووس هو الذي يحميهم ويوفر لهم عاما سعيدا. مع الاحتفال المشترك بعيد العام الجديد يعود بعض الأمل أيضا للايزيديين. على آية حال فإن نصير حاج على قناعة بأن "المسيحيين والايزيديين والمسلمين، جميع اللاجئين سيعودون يوما ما إلى أوطانهم، لابد من رؤية الضوء في الأفق البعيد".