لانتصارات المصريين أبطال كتبوا بدمائهم سجلاً من البطولات وبتضحياتهم حروفاً راسخة في وجدان الشعوب تتناقلها الأجيال لتكون مثالاً يحتذى به للتضحية فدائاً للوطن، ومن بين هؤلاء محمد مهران، أحد أبطال المقاومة الشعبية إبان العدوان الثلاثي علي بورسعيد عام 1956 . البطل الفدائي، محمد مهران عثمان، يروي بطولته خلال لقاءه بالشباب المترددين علي المتحف الحربي ببورسعيد قائلاً:''ولدت يوم السادس من سبتمبر عام 1938 ، بحي العرب بمحافظة بورسعيد، وأثناء فترة الاحتلال تم تشكيل الحرس الوطني، وبدأت القيادة المصرية في تدريب الشباب للدفاع عن مدينة بورسعيد، ضد الإنجليز وكنت من بين الشباب الذين أنضموا إلى معسكر التدريب وتوليت قيادة السرية الثانية للكتيبة الأولى وكان عمره في ذلك الوقت 18 سنة وتابع ''مهران'':''تم تكليفي ورفاقي بالدفاع عن منطقة الجميل ومطار بور سعيد حيث كانت الغارات الجوية المعادية تقذف بورسعيد بالقنابل والنابالم ( البودرة الحارقة ) وغيرها، وقامت القوات المعتدية بضرب الكباري والطرق المتجهة نحوها وفي الخامس من شهر نوفمبر عام 1956 قامت طائرات العدو بإنزال دفعة من المظلات البريطانية وتمكنت ورفاقي من التعامل معها بالبنادق والرشاشات''. وأضاف ''مهران'' :''زاد العدو من قصفه المصحوب بغطاء جوي وقنابل ثم هبطت طائرة هليكوبتر نزل منها ( 5 ) جنود من البريطانيين المسلحين المزودين بأجهزة لاسلكية وكانت تؤمنهم من أعلى 3 طائرات ثم صعدت الهليكوبتر وتركت الجنود على أرض بورسعيد، وفي ذلك الوقت كنت ورفاقي في حفرة لرصد الموقف وبعد فترة وجيزة عادت الطائرة الهليكوبتر مرة أخرى لتأخذ الجنود وهنا خرج البطل محمد أحمد من الحفرة وقاتل بشراسة حتى أستشهد برصاص العدو''. ويتابع روايته :''أكتشف العدو مكان حفرتنا ولذلك سارعت بإلقاء القنابل التى معي على العدو مع طلقات متتالية في كل الاتجاهات وتمكنت من قتل العديد من جنود العدو، وبدأت أتنقل من حفرة إلى أخرى وفجأة أصيبت برصاصة في رأسي وسقطت على الارض مغشيا علي وتم اسري، وعندما اعلنت عقارب الساعة ظهيرة يوم الخامس من شهر نوفمبر عام 1956 كنت في منطقة الجميل الكائنة بغرب مطار بورسعيد وشاهد تمجموعة من الجنود البريطانيين يتناولون مشروبات ويضحكون بسخرية ثم أقترب مني أحدهم ودار الحوار التالي : مهران : عايز أشرب ميه. الجندي : عبد الناصر لم يحضر لك ماء هنا لكي تشرب منه؟. مهران : الماء اللي معاك ومع زملائك هو ماء مصر، يعني ملك لي ولعبد الناصر ولكل مصري، أنا عايز بعض الماء الذي هو ملك لي. قام الجندي بركلي بقدمه، وهنا حاولت خطف البندقية من الجندي وبالفعل تمكنت من ذلك إلا أن جنديا بريطانيا أخر كان خلفي وقام بإلقاء قنبلة فوق قدمي وفر هاربًا فأصيبت بجروح في قدمي. توم تشكيل محاكمة صورية لي وقالوا لي: أختار مايناسبك إما أن تجيب عن الأسئلة التي ستلقى عليك أو أن تعاقب عقابًا لن تتخيله؟. فسألتهم : ما هى الأسئلة؟ قالوا: عاوزين نعرف معلومات عن بورسعيد وعن مصر بالنسبة للمقاتلين في بورسعيد وماهى أماكنهم وكم عدد الكتائب والسرايا وأنواع الأسلحة التي معكم؟ أجابت: ماأعرفش هنا قال قائدهم: لو لم تجب وبقيت علي إصرارك سوف تدفع الثمن،نور عينيك. فقلت: أنا ما عرفش حاجة. وتم نقلي إلى مطار لارنكا ثم مستشفى القوات البريطانية في قبرص وهناك وجدت في استقبالي 4 أفراد كانت مهمتهم تعذيبي وكان بين كل برنامج تعذيب يحضر طبيب ويقول لي: تحدث حتى ترتاح من العذاب..لقد تعبنا من تعذيبك وأنا هنا وسيط بينك وبين القيادة البريطانية وبدلاً من أن أنزع عينيك الاثنتين فإذا تحدثت سوف أترك لك عينًا واحدة لكي ترى بها وآخذ العين الثانية إلى ضابط إنجليزي فقد عينيه عندكم في بورسعيد . نحن نريد منك الإجابة عن الأسئلة ثم تتكلم في التليفزيون وتقول إن شعب بورسعيد سعيد جدًا بوجود القوات البريطانية فوق أرضه وإن مصر كلها بتكره عبد الناصر والقيادة المصرية. أنصرف الطبيب وتركني للتعذيب وعندما شعرت بأني سوف أفارق الحياة رفعت يدي فعاد مسرعًا هو وزملاؤه وقال:برافو عليك يا مهران أنت ها تقول كل حاجة مش كده؟. قمت بهز رأسي وهنا تم وضعي فوق سرير وبسرعة جاءت الكاميرات التليفزيونية وقيل لي تحدث: وبالفعل تحدثت وقلت : تعيش مصر حرة كريمة ويحيا عبد الناصر سنهزمكم ونقتلكم. وتم تكبيلي مع ضربي ضرباً مبرحاً، وبدأ جسدي ينتفض من شدة الضرب والتعذيب وظلت أردد :حرام عليكم أنا باحب مصر ولا يمكنني خيانتها، اتركوا لي عينًا أشوف بها مصر، أشوف الدنيا، وقاموا ببعدها بإقتلاع عينيه . وقام العدو بنقلي من بريطانيا إلى بورسعيد، وبمجرد معرفة كمال رفعت، أحد الضباط الأحرار بوصولي مع جنود العدو بكازينو بالاس مقر القيادة البريطانية، قام باختطافي ونقلي إلى المستشفي العسكري بكوبري القبة بمحافظة القاهرة، وزارني الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكرمنب وأشاد ببطولاتي .