الوادي الجديد – محمد الباريسي: الوادي الجديد، حلم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حينما أعلن عام 1958 البدء في إنشاء وادِ موازِ للنيل، بنظرة بعيدة في التوسع العرضي لاستيعاب الزيادة السكانية المطردة، هي أكبر محافظات مصر مساحة وأقلها في تعداد السكان. تعاني محافظة الوادي الجديد منذ تأسيسها عام 1961 من ضعف الخدمات شأنها شأن كافة محافظات مصر البعيدة عن العاصمة، فمصر دولة مركزية بامتياز، المصري بإمكانه التعامل مع ضعف الخدمات ولكن الإهمال المصبوغ بصبغات الفساد شيء لا يمكن للبشر تحمله خاصة حينما يتغلغل هذا الفساد فيما يخض صحة المواطنين. مستشفى الفرافرة المركزي، من الاسم تدرك أنه المستشفى الأكبر في مركز الفرافرة أحد مراكز محافظة الوادي الجديدة الخمسة، ولكن حينما رصدت عدسة ''مصراوي'' مظاهر الإهمال الفني والطبي داخل مستشفى الفرافرة المركزي بمحافظة الوادي الجديد، اتضح أن الأمر ليس بالأسماء. ورصد ''مصراوي''، مظاهر الإهمال الواضح في أعمال الصيانة داخل وخارج أروقة المستشفى بسبب عدم استكمال إجراء الصيانة الدورية لها، وتوقف شركة المقاولات عن استكمال أعمال رفع الكفاءة وتطوير أروقة المستشفى الداخلية والخارجية منذ عام 2011، والأدهى أن شركة المقاولات المسؤولة عن تطوير المستشفى ظلت تعمل بمعدلات بطيئة جدًا -بحسب شهود العيان- لمدة 5 سنوات إلى أن توقفت تمامًا عن العمل في السنة المذكورة. الصرف الصحي ب''الطرنش'' يقول محمود، موظف بالمستشفى، إنه لا يوجد مرفق صرف صحي بالمستشفى ويعتمد المستشفى على ما يسمى ب''الطرنش''، وهو غرفة أرضية، أو خزان أرضي يتم من خلالها تجميع الصرف الصحي للمستشفى، ويقوم العمال أحيانا إما بنزح المياه عن طريق طلمبات وشفطها إلى سيارات كسح تابعة لمجلس مدينة الفرافرة، والتي نادرًا ما تقوم بشفط المياه من هذا الخزان، هذا الأمر تسبب في ظهور نباتات وأشجار خلف المستشفى تحولت إلى أحراش بسبب استمرار ضخ مياه الصرف الصحي بشكل مستمر، وعدم التخلص منها أولًا بأول خاصة في ظل نقص العمالة، مما أدى إلى تحول المنطقة خلف غرف المرضى بالمستشفى إلى ما يشبه الأحراش والغابات، فضلاً عن عدم وجود سيارة للخدمات الإدارية والمعاونة. نقص أمصال وتطعيمات السموم ويؤكد أحمد مصطفى، من العاملين بالمستشفى وأحد أبناء مركز الفرافرة، ارتفاع حالات وفيات الأطفال والشيوخ والنساء بسبب نقص الأمصال، والتطعيمات المضادة لسموم العقارب والثعابين والحيات المنتشرة بقرى الفرافرة، في قسم الاستقبال بالمستشفى. بينما يقول ''أحمد''، ممرض بالمستشفى إن مشكلة نقص الأمصال والتطعيمات المضادة لسموم العقارب والثعابين، أدى إلى ازدياد حالات الوفاة خاصة لدى الأطفال إذا ما تعرضوا للدغات العقارب والثعابين في القرى البعيدة، وهذا يستدعي أحيانا تحويل بعض الحالات إلى مستشفى الداخلة المركزي على بعد 300 كيلو متر من الفرافرة، أو إلى محافظة القاهرة أو الجيزة عن طريق الواحات البحرية، وهو ما يتسبب في وفاة الحالة نظرا لتأخير تقديم المصل المضاد لها. مشرفات التمريض: طبيب التخدير مضطرب نفسيا تتهم مشرفات التمريض بالمستشفى، طبيب التخدير، ''بأنه مضطرب نفسيًا ويقوم بأفعال غير طبيعية، وأحيانا يخرج ليلًا يجمع القمامة، أو يحدث نفسه بشكل غير طبيعي، ويقوم بإعطاء المرضى جرعات زائدة من البنج أو حقن في أماكن غير صحيحة ما يؤدي إلى وفاة المريض، وآخر حالة كانت لشخص يقوم بعمل جراحة بسيطة لإزالة خراج شرجي وهي عملية عادية، وفوجئنا بخروج الحالة ميتة من غرفة العمليات، وقمنا بإبلاغ مدير المستشفى، والذي دائمًا يجيب بأن هذا هو الطبيب الوحيد بالمستشفى من القوة الأساسية، على عكس معظم وأغلب العاملين والأطباء بالمستشفى الذي يعملون عن طريق الانتداب، ويرفض دائما اتهام الطبيب بالتقصير، فضلا عن حالة أخرى لسيدة كانت حامل أعطاها الطبيب المذكور حقن بنج، وفوجئنا أنها ماتت بالرغم من استقرار حالتها وحالة جنينها أثناء دخولها المستشفى، مع استقرار حالة الجنين الصحية''. وتضيف: ''لا يوجد طبيب بالمستشفى متخصص في النساء والتوليد بشكل مستمر، سوى طبيب واحد، وعندما يأخذ إجازته الدورية لا يوجد أي طبيب آخر وأحيانا يتم الاستعانة بممرضة تقوم هي بتوقيع الكشف الطبي بدلا من الطبيب وصرف العلاج، وأحيانا ترفض القيام بهذا الدور بسبب خوفها من تحمل أية مسؤولية عن حدوث أي خطأ في تشخيص الحالة المرضية''. الشكوى = نقل تعسفي وجزاء وتؤكد بعض الممرضات بالمستشفى، أنهن قمن بالإبلاغ أكثر من مرة عن وقائع إهمال بالمستشفى وداخل غرف العمليات، إلا أنهن يتعرض دائما إلى التهديد بالنقل التعسفي، أو توقيع عقوبات وجزاءات إدارية عليهن من إدارة المستشفى أو من خلال إدارة التمريض نفسها بمديرية الشئون الصحية. ليست مستشفى من الأساس يتحدث الممرضون والأطباء ل''مصراوي'' قائلين إن مستشفى الفرافرة المركزي، لا تعتبر مستشفى بسبب نقص الخامات والمعدات والأدوات الطبية بها بشكل تعجز معه المستشفى عن تقديم خدمة طبية لأهالي مركز الفرافرة، فعلى سبيل المثال، لا توجد أغطية يد حافظة ''جونتيات طبية'' و''كالونات''، وأحيانا لا يوجد قطن أو حقن طبية، ويضطر في معظم الأحيان أن يقوم المريض بشراء هذه الاحتياجات من الخارج، وأحيانا لا يجدها بسبب طبيعة المركز، حيث يقل عدد الصيدليات بشكل ملحوظ داخل مدينة الفرافرة، خاصة في الساعات المتأخرة من الليل، بالإضافة إلى عدم وجود فنيين متخصصين في التحاليل أو فنيين متخصصين سواء في صيانة الأجهزة الطبية، أو التحاليل الطبية أو الأشعة أو حتى أطباء متخصصين في الأشعة بجميع أنواعها ما يكلف المريض عناء السفر والانتقال لأقرب مستشفى على بعد 300 كيلومتر، خاصة عند الاحتياج لأشعة مقطعية. غرفة عمليات ''مميتة'' واستطاع مصراوي الدخول لغرف العمليات الجراحية بالمستشفى، ورصد ما بها من إهمال يتدنى لمستوى الجرائم في حق المرضى، حيث يوجد بالمستشفى 4 غرف عمليات لا تعمل منهن سوى واحدة فقط، لعدم تشغيل أجهزة التكييف ومبردات بالغرف الثلاث الأخرى، بينما تعمل غرفة واحدة وهي الغرفة الرئيسية والوحيدة بالمستشفى. غرفة العمليات تلك في حد ذاتها كارثة، شروخ وتشققات واضحة في سقف الحجرة، فعندما يقوم أعضاء الأطقم الطبية بتحريك كشافات الإضاءة الخاصة بالغرفة عند محاولة تسليط الضوء على منطقة معينة في جسم المريض، تتساقط الأتربة والحجارة داخل المنطقة المفتوحة من بطن المريض أثناء إجراء العملية له. هذا ما أكدته ''لمياء''، من أطقم التمريض بالمستشفى، قائلة ''إننا بدلًا من أن نقوم بتقديم المشارط أو المواد المستخدمة في العملية للجراح نظل ننظف بطن أو جوف أو صدر المريض من الأتربة التي تتساقط بداخله من سقف غرفة العمليات، وأحيانا نعجز عن ذلك ما يضر بصحة المريض''. طعام بمياه الصرف الصحي ورصدت عدسة ''مصراوي''، كارثة إنسانية أخرى داخل المطبخ الرئيسي والوحيد للمستشفى، والذي يقدم الأطعمة للمرضى، المطبخ غارق في مياه الصرف الصحة، المياه الملوثة منتشرة بجوار الأواني والبوتاجاز والخبز والأطعمة المعلبة بسبب ارتفاع منسوب مياه الصرف الصحي داخل الغرفة الأرضية ''الطرنش'' الملاصقة للمطبخ، ما يجعل الأطعمة معرضة للتلوث في ظل عدم نظافة المطبخ، نظرًا لوجود عاملة واحدة فقط مسؤولة عن النظافة وإعداد الطعام للمرضى، ما جعل مطبخ المستشفى يتحول إلى مكان كريه الرائحة، ومصدر آخر للتلوث، فضلًا عن تلوث مصدر المياه المغذي للمطبخ ودورة المياه وتعرضها للغرق بمياه الصرف الصحي. وتقول إحدى الممرضات ''نرفض الطعام من المطبخ بسبب تعرضه بشكل مباشر للتلوث من مياه الصرف الصحي، فضلا عن وضع الطعام في الأقفاص الخشبية بعد الانتهاء من تجهيزه، مما يجعل فرص تلوثه أكثر ويعرض حياة المرضي للخطر''. مستشفى أم مستودع نفايات؟ ويقول محمود، موظف إداري بالمستشفى، إن المستشفى تعاني من نقص الإمكانيات المادية والبشرية، ونقص حاد في الأجهزة الطبية وأجهزة التحاليل والأشعة المقطعية والمواد الكيماوية الخاصة بالتحاليل الطبية والأشعة، فضلاً عن عدم تواجد أطقم مدربة لأعمال صيانة أجهزة التحليل الطبية، مما يجعل المريض يلجأ إلى السفر للقاهرة أو الداخلة، لمسافات أكثر من 300 كيلو متر لإجراء الفحوصات والتحاليل الطبية. ورصدت عدسة ''مصراوي''، جانب من جوانب الإهمال التي تمثلت في وجود مقالب قمامة عند أبواب المستشفى، بالإضافة إلى إلقاء سيارات إسعاف قديمة ومتهالكة، وسيارات العيادات المتنقلة القديمة التابعة لإدارة تنظيم الأسرة بجوار المستشفى، مدخل المستشفى تحول لمقلب قمامة ومستودع سيارات خردة. مستشفى بلا أطباء ويقول الدكتور صالح الطحان، أخصائي الباطنة والقائم بأعمال مدير مستشفى الفرافرة المركزي لمصراوي، إن المستشفى هذه الفترة لا يوجد بها طبيب واحد تخصص نساء وتوليد، حيث أن الطبيب الوحيد في راحة شهرية، كذلك لا يوجد أطباء أشعة متخصصين، ولا يوجد طبيب أسنان مقيم بالمستشفى، أو طبيب رمد، أو انف وأذن وحنجرة، أو مخ وأعصاب، كذلك لا يوجد قسم للأطفال المبتسرين. وحصل مصراوي على نسخة تقرير إداري وفني أعده الدكتور مدير المستشفى، لعرضه على وزارة الصحة ومحافظ الوادي الجديد لعرض مشكلات المستشفى واحتياجاتها جاء فيه: أولا: إن نسب العجز في التخصصات الطبية تتراوح ما بين 85 – 100 %، وإن العجز في الإداريين والأطقم الفنية يتراوح بين 75 – 100 %. ثانيا: معظم أسرّة المستشفى متهالكة، وتحتاج إلى أكثر من 60 سريرًا للمرضي. ثالثا: لا توجد بوابات حديدية للمستشفى، خاصة للأقسام الداخلية وعدم استكمال أعمال التطوير بها. رابعا: لا توجد غرفة لتوليد الأكسجين، أو شبكة أكسجين خاصة بالمستشفى وجميع الغرف فيها.