في صمت وهدوء رحلت عن عالمنا، تلك التي عاشت سنوات عمرها و شبابها في كفاح من أجل المرأة، وكانت ثمرة عملها أن تكون ''السفيرة المصرية الأولى''، و ''الوزيرة المصرية الثانية''، تاركة بصمة في تاريخ العمل النسائي المصري، هي الدكتورة الراحلة ''عائشة راتب''. ولدت ''عائشة راتب'' في الثاني والعشرين من فبراير عام 1928، أكملت تعليمها الإلزامي والتحقت بكلية الحقوق بجامعة ''فؤاد الأول –القاهرة''، وكانت من الفتيات القليلات الملتحقات بكلية وصفت دائما بأنها ''كلية الوزراء''، نظرا لتخرج رجال أثروا في التاريخ المصري منها، تخرجت ''عائشة'' عام 1949، و عينت كمعيدة بالكلية و كانت ''أول معيدة بكلية الحقوق''، وحصلت على شهادة الدكتوراه الاولى من نفس الجامعة، ثم سافرت لاستكمال دراسة القانون في فرنسا، وعادت وهي حاصلة على دكتوراه الثانية في القانون الدولي. في عام 1953، رفعت قضيتها الأولى أمام ''مجلس الدولة'' للطعن على قرار ''رفض تعيينها'' فيه بحجة أنها ''امرأة''، وهو أمر مخالف لعرف التشريع و المجتمع المصري. خسرت الدعوى، لكنها لم تخسر الأمل، وكسبت شرف المبادرة، وظلت في معركتها حتى بعد أن جاء الفقيه الدستوري والمشرع القانوني ''الدكتور عبدالرازق السنهوري - رئيس مجلس الدولة'' في ذلك الوقت، ليصدر حكما يؤكد فيه عدم وجود مانع دستورى أو شرعى أو قانونى، يحول دون تعيين المرأة فى سلك القضاء، ولكن الدولة هى التى تحدد الوقت المناسب الذى تصبح فيه المرأة قاضية، و هو ما تحقق في 2003 بتولي ''تهاني الجبالي'' منصب القضاء في ''المحكمة الدستورية العليا''.. أعلى جهات القضاء المصري، ومعها أكثر من 20 قاضية أخرى في درجات القضاء المختلفة. استمرت في عملها بالسلك الأكاديمي، وتدرجت فيه حتى وصلت إلى مرتبة ''أستاذ القانون'' ثم ''رئيس قسم القانون العام''، وشاركت في اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي لمناقشة وضع دستور 1971، وسجلت اعتراضاتها على المواد المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية في وجود ''السادات – رئيس الجمهورية'' نفسه. كانت الدكتورة ''عائشة راتب'' ثاني امرأة مصرية تتولى حقيبة وزارية بعد الدكتورة ''حكمت أبو زيد''، وتولت وزارة التأمينات والشئون الاجتماعية في الفترة من 1974 وحتى 1977، وهي الوزيرة التي وقفت تسجل موقفها الرافض لرفع الأسعار و التسبب في ''ثورة الجياع'' عام 1977، و تركت الوزارة مع ثلاثة وزراء آخرين. بعد تركها الوزارة، التحقت بالعمل في السلك الدبلوماسي، و كانت ''اول سفيرة مصرية'' عام 1979 في الدنمارك ثم ألمانياالغربية، وظلت لفترة طويلة في منصبها حتى عادت مرة أخرى للسلك الأكاديمي كأستاذة زائرة في جامعة القاهرة، مستمرة في العمل السياسي لأكثر من 30 عاما، وترحل في صمت عن عمر ناهز 85 عاماً إثر أزمة قلبية، وتفقد مصر معها رمزاً نسائياً هاماً أثرى الحياة السياسية.