تصوير - علاء القصاص: طالما كان الطريق إليه شائك، لمن حاول الوصول إلى أعتابه وحلم بالجلوس على مقعده، ولمن حلم فقط بأن يصل صوته لأعتاب من تحقق حلمه بالوصول عله يستجيب يوماً ما . ''قصر الاتحادية'' أو القصر الرئاسي ظل لسنوات طويلة محط الزيارات الرسمية لرؤساء وملوك الدول الأجنبية، بينما كان المستحيل أسهل من وصول أحد أفراد الشعب إلى محيطه. عامان مرا على أول كسر للحاجز الشائك ''للاتحادية''، منذ أن تأهبت الحشود بميدان التحرير للتحرك ''يوم 11 فبراير 2011'' نحوه متحدين المخاوف بمواجهة القوات الأمنية الحارسة للقصر، وصل إلى تهديد البعض باقتحامه إذا لم يستجيب الرئيس السابق ''حسني مبارك'' لمطلب الشعب بالرحيل، لتظهر الحشود لأول مرة على مقربة من محيط الاتحادية غير أن الغضب لم يلبث أن تحول إلى فرحة بعد إعلان التنحي. عادت الأمور لنصابها بعد التنحي واختفى محيط قصر الاتحادية عن المشهد باختفاء ساكنيه؛ حيث تحولت وجهة المطالب صوب مجلس الدفاع؛ حيث المجلس العسكري حاكم البلاد بعد التنحي. شهور قليلة وعاد محيط ''الاتحادية'' إلى الصورة بعد أن خطت قدم أول رئيس جمهورية منتخب أعتابه وجلس على مقعده، لتعود الحشود وإن كانت أقل، ومعها انكسرت ''شوكة'' الوصول إلى القصر بشكل نهائي وتنامى حلم وصول الصوت لمن يجلس على مقعد القصر الرئاسي . واصطف في طابور يومي الكثير أمام بوابة القصر الرئاسي آملين في نظر ديوان المظالم لمطالبهم في الحصول على شقة أو وظيفة أو رفع ظلم وقع على أحدهم هنا أو هناك، أو ربما تقديم مشروع فيه خدمة للبلاد، وشيئاً فشيئاً ظهرت الوقفات الهاتفة برفع الظلم، واللافتات المطالبة الرئيس بالتدخل. شهور قليلة وانقلب محيط ''الاتحادية'' على قصره، وتحديداً منذ 22 نوفمبر؛ حيث إصدار الإعلان الدستوري الذي رفضه البعض، فاندلعت الاحتجاجات أمام القصر، وتحول الوقوف أمام ديوان المظالم إلى خيام منصوبة واعتصام ومن ثم مليونيات ووصول الأمر إلى الاشتباك بل وسقوط قتلى ومصابين وأخيراً سحل وتعرية في ''المحيط''، ورئيس خارج حدود ''القصر''. لم يعد للمطالبة بشقة أو وظيفة مكان في ''محيط الاتحادية''، ليعود إلى سابق عهده كمنطقة شائكة حال الأسلاك التي أحاطت بالقصر، وإن اختلف مضمون ذلك من المحظور إلى الخطر؛ فكلا من الشعب والرئيس أصبح الطريق بالنسبة له شائكاً، وتبدلت ملامح ''محيط الاتحادية'' .
جلست قرب إحدى أرصفة الاتحادية، وفيما أشبه باستراحة متظاهر ظلت فيها رافعة لافتتها التي خطت عليها ما تريد أن تقول '' ربنا على المفتري دم أولادنا في رقبتك حسبي الله ونعم الوكيل.. ربنا ينتقم منك دنيا وآخرة.. هل الإسلام بيقول لك اقتل في ولادك دي مش بلدك.. منك لله''، لتختتم رسالتها متعاقبة الكلمات بإمضاء ''منك لله ..أم علي''. أما على حائط ''الاتحادية'' لم يختلف الأمر معني بل شكلاً؛ حيث جاءت الرسائل ما بين الغضب والعنف، بدا الأخير في كلمات شقت طريقها على السور حاملة الشتائم وعدم الرضا عن النظام، أما الأول لم يبتعد عن رسوم ''الجرافيتي'' التي حملت صور من ماتوا في الأحداث الأخيرة وكان منهم الناشط السياسي '' محمد الجندي'' الذي توفي مؤخراً إثر التعذيب بإحدى معسكرات الأمن المركزي. وعلى خلفية القصر الرئاسي ظهرت ورقة بيضاء تم اقتطاعها من ''كشكول''، امسك بتلابيبها السلك الشائك المرتكز أمام القصر، ومن خلفه قوات الأمن الرابضة في مكانها، وبدا الأمر كأنه لم يحتاج كثير من الجهد لتثبيتها، بعد أن خط عليها بالحبر الأسود ''ارحل يا مرسي''. وأمام بوابة ''الاتحادية'' اختلفت أيضاً الوجوه؛ لم تعد التي أرهقها كثرة الانتظار والأمل بل كان الغضب والضيق كان عنوانها. هتاف وأيدي ترتفع في غضب وأخرى ملوحة بعلامة النصر، ولافتة ''قماش'' سوداء سطر عليها بالأحمر الثور مستمرة، وشاب وقف حاملاً لافتة وجد فيها وسيلة كافية للتعبير عما يدور بخلده حملت كلمات ''طيور الظلام'' أعلى رسم لطيور سوداء تحمل أسماء ''العياط - الكتاتني - البديع - الشاطر'' وغيرها؛ وآخر اكتفى الغضب منه فحمله كتف صديقه ليصرخ في وجه ''الاتحادية'' عل صياحه يخترق الجدران.. كل ذلك بعض ما يمكن رؤيته أمام باب ''الاتحادية'' ومحيطه.