في زمن كان على ربيبات البيوت أن يبقين داخل بيوتهن، لا علاقة لهن بما يجري في أروقة السياسة، ولا شاغل لهن سوى أعمال البيت، ومن تيسر لها الأمر وأتيح لها قدرا من التعليم، فهي تقضي وقتها بين الروايات أو المشغولات اليدوية، وقفت هي - وهي سليلة عائلة تركية عريقة - في وجه التقاليد، وهبت لتدافع عن زوجها وعن حرية الوطن. أم المصريين ''صفية زغلول''، والتي حلت، أمس السبت، ذكرى وفاتها ال67؛ ولدت ''صفية مصطفى فهمي'' في 1878، وكان والدها ممن تولوا ''نظارة النظار في مصر - رئيس وزراء''، تعلمت وتثقفت بالثقافة الفرنسية الرائجة حينها، وتزوجت المحامي ''سعد زغلول'' الذي يكبرها بعشرين سنة، وحملت لقب عائلته ''زغلول'' على غرار التقاليد الأوروبية، وبقيا معا حتى وفاته في قصة حب وكفاح وطني وسياسي سجله تاريخ مصر الحديثة. في عام 1919، كانت مصر تشتعل بالثورة ومطالب الجلاء وكتابة الدستور، وكان الزوج الناشط السياسي وزعيم الوفد المصري ''سعد زغلول'' معتقلا و منفيا بجزيرة ''سيشل''، وهو ما دفعها لأن تتصل بتلاميذ زوجها لتلهب حماستها بالهبة للمطالبة برجوع سعد ورفاقه، والتأكيد على مطالب الشعب المصري، و خرجت على رأس مسيرة نسائية - لأول مرة في تاريخ المرأة المصرية - يطالبن بالاستقلال، مرتديات ''الحبرة السوداء واليشمك''. كان بيتها ''بيت الأمة'' مفتوحا لتلاميذ زوجها وكل المصريين، ولحرمانها وزوجها ''سعد زغلول من الإنجاب اعتبروها ''أم المصريين'' كلهم، واكتسبت مكانة فريدة في نفس الأمة المصرية، وقتها كانت تسعى مع رفيقاتها سيدات المجتمع ''هدى شعراوي وسيزا النبراوي'' وغيرهن للمطالبة بإشراك المرأة في قضايا المجتمع، ليتضاعف الصوت المطالب بحقوق مصر من محتليها ''الإنجليز''. في عام 1921 وأثناء زيارتها وزوجها للإسكندرية لعقد مؤتمر هناك برفقة ''هدى هانم شعراوي''، قمن بخلع ''اليشمك'' مع على وجوههن، وقامت ''الست صفية هانم'' ذات الثقافة الإفرنجية بخلع الحجاب عن رأسها، وكانت أول مرة تظهر فيها زوجة سياسي أو أحد الهوانم ''حاسرات الرأس'' في المحافل المجتمعية. مرت السنوات، ورحل رفيق العمر في نهاية العشرينات، وبقيت الزوجة الوفية متشحة بالسواد حتى آخر عمرها، حريصة على زيارة ضريحه المجاور لمنزلها كل يوم، وبقى ''بيت الأمة'' مفتوحا أمام ''أنصار الوفد'' الذي تحول لحزب سياسي يطالب باستقلال مصر ويحقق مطالب الجماهير لسنوات طويلة. أما هي، فلم تتوقف رغم كل هذا عن العمل السياسي والمجتمعي والدعوة لمشاركة المرأة، حتى أن رئيس الوزراء ''إسماعيل صدقي'' حذرها بأن تتخلى عن تهييج الجماهير ضد سياسات الحكومة والمعتمد البريطاني، إلا أن تهديده لم يفت في عزيمتها، حتى تحقق أملها وأمل زوجها بوصول ''الوفد - حزب الأغلبية'' بزعامة ''مصطفى باشا النحاس'' للأغلبية البرلمانية وتشكيل الحكومة وتحقيق الاستقلال.