حرب شوارع.. اشتباكات دموية.. رصاص مطاطي.. غاز مسيل للدموع.. أشلاء لجثث ودماء لطرفين كلاهما مصري.. كلها أشياء تمر في مخيلتك في ذكرى أحداث ''محمد محمود''، وربما لن تعتقد أنها حدثت في ذلك الشارع الرابط بين ميدان التحرير ومبنى وزارة الداخلية إذا شاهدت أحواله الآن، بعد أن سيطر على الشارع حالة من الترقب والهدوء لم يعرفه الشارع منذ عام، مختلط بحالة من الركود وسط بائعيه. لا تزال أحداث ''محمد محمود'' التي ارتبطت باسم الشارع تاركة بصماتها في جوانبه؛ فالشارع الذى تتعدد مداخله والتي تربطه بالشوارع الجانبية لازالت تلك المداخل حتى الآن مغلقة بحواجز خرسانية وكتل صخرية ضخمة، وذلك في محاولة لتطويق الاشتباكات التي استمرت على مدار ستة أيام في العام الماضي، لكن تطويق الشارع مازال مستمراً رغم انتهاء الاشتباكات بتلك الحجارة كما ستشعر عند سيرك في الشارع. وتدفع تلك الحجارة المارة عبر مداخل ''محمد محمود'' إلى الاضطرار للعبور من عليها، بحيث يتدرج المارة من خلالها عدد من ''البلوكات'' الخرسانية من أجل العبور إلى الشارع الآخر، مثل الموجودة فى مدخل الشيخ ريحان من ناحية ''محمد محمود''، وشارع الأمير قدادار، الأمر الذى يصعب المهمة على ''النساء'' تماماً.
''للأسف الشديد مضطرين نعمل كده كل يوم لإن مفيش بديل، باين إن هو ده اللى خدناه من الثورة''.. قالها أحد المارة - الذى رفض ذكر أسمه - في غضب بسبب ذلك الوضع فى شارع ''محمد محمود''، الأمر الذى ينتشر حتى بين أهالي الشارع والعاملين فى متاجره، فوقف الحال عنوان عريض لأحوال تلك المتاجر بسبب أيضاً قلة المترددين عليه، وشعورهم بأنهم ضحية معركة لا دخل لهم فيها سوى أنهم ساكني هذا الشارع. جدران الشارع وأشجاره العتيقة لا زالت أيضاً تحمل آثار طلقات الخرطوش التى طالما دوت فى ''الستة أيام'' - مدة المعركة - في سماء هذا الشارع ، أو أصابت عيون بعض الثوار هنا، وكأنها تترك أثراً لنراه لكى نتذكر تلك الأيام . لكن سرعان ما تتلاشى تلك الذكرى عند رؤيتك لمجموعة من الشباب المصريين يلتقطون بعض الصور بجانب ''جرافيتى'' أعجبهم، كما أن ''مصائب قوم عند قوم فوائده''؛ فالأسوار الحاجزة بين مداخل ''محمد محمود'' لتعزله بقدر ما عن ميدان التحرير لتقل الحركة فيه أصبحت مكاناً لاستقرار الباعة الجائلين أو لتكون ''ركنة'' للسيارات أو الدراجات البخارية للعاملين فى المجمع أو المناطق التي حول الشارع. ''الثورة مستمرة ..الإعلام فاسد.. أيقونات للألتراس..الحرية للمقدم هانى شرف''.. كلها بصمات متروكة على أسوار ''محمد محمود''، كما ينتشر على جدران الشارع العتيق رسومات مختلفة من فن ''الجرافيتى'' للشهداء اللذين سقطوا فى هذا الشارع، فرسائل إلى المسئولين تختلط بنفس ألوان الرسائل للشهداء لرثائهم على نفس الجدران.