يبدو أن الشارع المصرى لن يعرف الهدوء والاستقرار لفترة طويلة ودائما على موعد مع الأزمات، فكلما بدأت الصورة فى استعادة حالتها الطبيعة والهدوء والاستقرار لتعود مرة آخرى الأزمة لتشتعل من جديد، ليعود بعدها الفزع والرعب بين المواطنين مع اختلاف الأماكن وأسباب الأزمة. عاش الشارع المصرى خلال الأيام التى أعقبت أحداث مذبحة بورسعيد هدوءً واستقرارًا.. نزع اتحاد الكرة المصرى فتيل الأزمة لتشتعل الأحداث في المدينة الباسلة بورسعيد، فبعد أن أعلن اتحاد الكرة عن عدد من القرارات على النادى المصرى بسبب مذبحة إستاد بورسعيد - التى راح ضحيتها 75 مشجع من جماهير النادى الاهلى وإصابة المئات - بحظر اللعب على ملعب بورسعيد لمدة ثلاث سنوات نتيجة للأحداث التى وقعت به، وحرمان الفريق الأول للنادى من المشاركة فى أنشطة الإتحاد المصرى لكرة القدم لمدة موسمين، مما أدي لتفجر شرارة الأوضاع من جماهير بورسعيد الغاضبة، التى خرجت إلى الشوارع تعبر عن رفضها لهذه القرارات التى حُذر المسئولون ببورسعيد ونواب مجلس الشعب من إصدار عقوبات تحمل صفة العقاب الجماعى لأبناء المدينة. واندلعت أحداث الشغب والعنف بين المئات من الجماهير وقوات الأمن والقوات المسلحة، حيث تحولت المنطقة إلى ساحات كر وفر بين الطرفين، وإلقاء لقنابل المولوتوف، مما تسبب فى مصرع أحد المشجعين، وإصابة 51 آخرين خلال محاولات المتظاهرين الغاضبين اقتحام مبنى هيئة قناة السويس. كما أصيب فى 16 من عناصر القوات المسلحة، بينهم ضابط برتبة رائد، وعاد الهدوء للمقر الإدارى لقناة السويس بعد انصراف مجموعة كبيرة من مشجعى النادى المصرى، فجر السبت، للاطمئنان على المصابين بالمستشفيات. ووصلت تعزيزات أمنية وعسكرية إلى المنطقة لمنع محاولة مشجعى النادى المصرى البورسعيدى من اقتحام المبنى الإدارى للقناة، وبعد أن عاد الهدوء، مساء الجمعة، عقب تلك الاحداث فى بورسعيد وأمام مبنى هئية قناة السويس.. بدأت الأحداث من جديد فى التطور السريع، حيث توجه المئات من مشجعى ألتراس المصرى إلى المنطقة العامة للاستثمار ببورسعيد، وقاموا بغلقها تماما ومنعوا دخول حوالى 35 ألف عامل إليها لمزاولة عملهم داخل 36 مصنعًا من الملابس الجاهزة، وقاموا بتمزيق اللافتات التى تدعو لشغل الوظائف بالمناطق العامة للاستثمار وإشعال النيران بها. كما قام عدد كبير من شباب الألتراس بغلق كافة الطرق المؤدية إلى الدائرة الجمركية بإطارات السيارات، التى وضعت بنهر الطريق، وقاموا بإشعالها وسط حالة من الإنفلات الأمنى غير المسبوق، مما أصاب الحركة المرورية بالشلل التام فى المدينة وخارجها. كما حاول المئات من جماهير المصرى التوجه إلى المنافذ الجمركية لقطع الطريق ومنع دخول 200سيارة أتوبيس رحلات تحمل 10الآف عامل من محافظة الدقهلية ومدينة الإسماعيلية والقنطرة. ومن جانبه أعلن مصدر طبى ببورسعيد أن الأحداث أسفرت عن مصرع شخص يدعى بلال ممدوح محفوظ، 16 سنة، مصاب بطلق نارى فى العمود الفقرى للظهر ونافذ من البطن، ووصل أعداد المصابين إلى أكثر من 50 شخصا بالاختناق وطلق نارى، حيث تم علاجهم فى المستشفيات منها: بورسعيد العام، وآل سليمان، والتأمين. كما أصيب 16 فردا من القوات المسلحة، بينهم ضابط برتبة رائد، أصابتهم معظمها جروح وشظايا من مقذوفات خرطوش، وتم علاجهم بالمستشفى الميدانى الذى أقامته القوات المسلحة داخل المبنى. كما صبت الجماهير غضبها ضد أحمد شوبير والذى كان يعلق على القرارات على الهواء فى برنامجه الرياضى، واستشعرت جماهير بورسعيد حالة الغضب والانفعال الذى بدى عليها أحمد شوبير وهو يعبر عن ضعف القرار من وجهة نظره، وضعف العقوبة الموقعة على المصرى، مما زاد من حالة الاحتقان بين الجماهير الغاضبة، التى تحركت فى كتله بشرية كبيرة تضم ما يقرب من 10 آلاف وانطلقت الى شارع سعد زغلول - أحد الشوارع الرئيسية فى منطقة وسط المدينة - وأجبر المتظاهرون أصحاب المحلات فى السوق التجارى على إغلاقها، وكان العديد منهم قد بادر بإغلاق محلاته خوفا من عمليات سلب أو نهب يمكن أن تحدث من مندسين بين المتظاهرين، حتى وصلت مسيرة الجماهير الغاضبة إلى مبنى هيئة قناة السويس. وكان مبنى هيئة قناة السويس والتى تنطلق منه قوافل الشمال، حيث يضم مبنى الإرشاد وتوجيه حركة السفن، هو الهدف الأكبر للمتظاهرين، الذين حاولوا اقتحامه واحتلاله كمنطقة مؤثرة ليس على بورسعيد ولكن على الاقتصاد الوطنى بأكمله، وفى المقابل كان القناه ومبنى الإرشاد هو خط أحمر أعلن ذلك عنه جميع المسئولون وترجموا هذا الاعلان بتحويل المبنى إلى ثكنه عسكرية محاطه بالدبابات والمدرعات، وبقوات تأمين من القوات المسلحة. كما وُضعت الأسلاك الشائكة على بعد 500 متر من الطرق المؤدية للمبنى، وتحولت المنطقة منذ العاشرة مساء الجمعة إلى ساحة حرب بدأت بمحاولات المتظاهرين الإندفاع لاقتحام المبنى قابلتها قوات التأمين بإطلاق أعيرة نارية فى الهواء، وطلقات صوت، ولم توقف هذه المحاولات رغبة المتظاهرين فى الاقتحام وسط عمليات إطلاق كثيف للحجارة. كما أكد مصدر أمنى أن عناصر مدسوسة وسط المتظاهرين كانت تطلق زجاجات الملوتوف الحارقة والرصاص الحى من أسلحة كانت بحوزتهم، وفى المقابل استخدمت قوات التأمين أسلوب القنابل المسيلة للدموع وقنابل الغاز لتفريق المتظاهرين، وبدأت الضحايا تتساقط من الجانبين. وعلى جانب آخر.. نجحت القوات المسلحة والقوات البحرية فى نقل المرشدين ب''لنشات" من مداخل بعيدة عن مبنى الهيئة، وتوصيلهم لقيادة السفن التى عبرت القناة، أمس الجمعة، وبالفعل عبرت 27 سفينة فى قافلة الشمال من بورسعيد، وقابلها 23 سفينة فى قافلة الجنوب، وسط إجراءات أمنية مشددة على طول المجرى الملاحى للقناة. كما لم يتمكن معظم العاملين بمبنى الإرشاد من الوصول بمقر عملهم، بينما نقلت القوات البحرية العناصر الهامة من موظفى المبنى فى لنشات إلى داخل المبنى للإشراف على تسيير وتنظيم حركة السفن فى المجرى الملاحى، وتصادف مع الاحداث الساخنة نشوب حريق على ظهر السفينة ''جولدى'' والتى تقف فى أحد الأحواض بميناء بورسعيد، إثر احتجازها منذ عشر سنوات على خلفية ضبط كميات كبيرة من المخدرات، حيث اشتعل الحريق ذاتيا داخلها من جراء تراكم الزيوت والقاذورات، واستمر لمدة 8 ساعات، حيث أتى على محتويات السفينة بأكملها، ولم تسلم الحادثة من شائعات انطلقت من أنه حادث مدبر ضمن الأحداث الجارية فى بورسعيد، إلا أن المصادر الأمنية أكدت عدم وجود أى علاقة بين احتراق السفينة، والأحداث القريبة منها فى مبنى هيئة القناة.