يرى خبراء ان الوضع المالي في لبنان سيبقى في منأى عن الازمة السياسية التي تسببت بسقوط حكومة سعد الحريري وتكليف نجيب ميقاتي المدعوم من حزب الله تشكيل حكومة جديدة، وذلك نتيجة متانة الوضع المصرفي، وان كانوا يبدون قلقا على نسبة النمو المتوقعة للعام 2011. ويقول مصرفي سويسري يتعامل مع مستثمرين لبنانيين رافضا الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس ان "الوضع السياسي الحالي في لبنان ليس مقلقا جدا (بالنسبة الى الاقتصاد)". وكلف نجيب ميقاتي في 25 كانون الثاني/يناير تشكيل حكومة خلفا لحكومة الوحدة الوطنية التي سقطت في 12 كانون الثاني/يناير نتيجة استقالة احد عشر وزيرا بينهم عشرة يمثلون حزب الله وحلفاءه، وبعد اشهر طويلة من الشلل الحكومي والمؤسساتي. واثار سقوط الحكومة على خلفية ازمة حادة بين الفريقين السياسيين الاساسيين في البلاد، الخشية من زعزعة استقرار البلاد الامني والاقتصادي. الا ان الخبراء يؤكدون ان لا خشية حقيقية على استقرار الليرة اللبنانية في ظل الاحتياطات الكبيرة من العملات الاجنبية والودائع في مصرف لبنان والمصارف اللبنانية التي تعتبر "درع امان" في مواجهة الهزات السياسية. ويقول مسؤول القسم الاقتصادي في بنك عودة مروان بركات لوكالة فرانس برس ان "آليات +الحماية+ المالية اليوم هي الاكثر متانة في تاريخ لبنان". ويضيف "لدى مصرف لبنان موجودات بالعملات الاجنبية تتجاوز الثلاثين مليار دولار تغطي 78% من المودعين بالليرة اللبنانية"، متابعا "بالتالي، حتى لو حول هؤلاء ال78% اموالهم الى دولار، لن تتأثر الليرة". ويشير بركات الى ان عمليات التحويل من الليرة اللبنانية الى الدولار التي حصلت خلال فترة التأزم القصوى قبل اسبوعين، طالت فقط 4% من المودعين. في هذا الوقت، تستمر المصارف التي يفوق حجمها ثلاث مرات اجمالي الناتج الداخلي، في تحقيق الارباح التي تتجاوز احيانا، بحسب الاحصاءات الدورية، نسبة ال20%. ويوضح بركات ان "السيولة الجاهزة للمصارف تمثل 48% من الودائع، وهي من النسب الاكثر ارتفاعا في العالم"، مشيرا الى ان المصارف "محضرة بشكل جيد للصمود ازاء الضغوط"، ومؤكدا "عدم حصول اي هروب لرؤوس الاموال" خلال الازمة. كما ان التحويلات المالية التي يقوم بها اللبنانيون المقيمون في الخارج الى ذويهم (8,2 مليار دولار في 2010)، تنعش الاقتصاد اللبناني، اذ تشكل 21% من اجمالي الناتج الداخلي، وهي من النسب الاكثر ارتفاعا في العالم. ورغم الدعم الذي حظي به نجيب ميقاتي من حزب الله والذي اثار شكوكا حول هامش التحرك لديه، فان شخص رئيس الحكومة المكلف يوحي بالثقة للاوساط الاقتصادية. فهو رجل اعمال ناجح، يراس شبكة واسعة في قطاع الاتصالات تملك اعمالا في عدد من دول العالم. كما تقدر ثروته ب2,5 مليار دولار، وتصنفه مجلة "فوربس" الاميركية" بين اغنى اثرياء العالم. ويقول المصرفي السويسري ان "تكليف ميقاتي من شأنه ان يطمئن الاوساط الاقتصادية، لانه ينتمي اليها". الا ان الكثيرين يخشون الا يتمكن، نتيجة التوتر السياسي المحيط بتكليفه واحتمالات وقف بعض المساعدات الغربية في حال تشكيل حكومة يتمتع فيها حزب الله بنفوذ اكبر من السابق، من تطبيق اصلاحات اساسية مطلوبة منذ زمن، واهمها في قطاع الكهرباء الذي يمثل العجز فيه نسبة 3% من الناتج الداخلي. ويقول رئيس قسم الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل "نحن نتحدث عن اصلاحات منذ عشر سنوات، ولم يتحقق شيء". ويبرز قلق في المقابل على صعيد النمو، مع توقعات بتراجع النسبة الى 5% بعد ان تجاوزت 7% خلال السنوات الثلاث الماضية. وقد تسبب التوتر خلال الاشهر الاخيرة بالغاء حجوزات في الفنادق مقابل بعض الجمود في القطاع العقاري. كما يتوقف الخبراء عند التداعيات السلبية التي يمكن ان تزداد لمشكلة البطالة البالغة حاليا حوالى 20%، بحسب تقديرات غير رسمية. ويقول غبريل ان "تباطوء الحركة الاقتصادية يعني تخفيضا للضرائب التي تتقاضاها الدولة وزيادة في العجز العام البالغ 7,5% بالنسبة الى اجمالي الناتج الداخلي في 2010 (بزيادة بلغت 9% بالمقارنة مع نهاية 2010)". وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حذر في مقابلة مع وكالة فرانس برس في كانون الثاني/يناير من ان استمرار الازمة سيكون له تأثير سلبي على حجم الدين العام بالنسبة الى اجمالي الناتج الداخلي والذي تراجع من 180% في 2006 الى 135% في 2010. ويبلغ حجم الدين العام في لبنان اكثر من خمسين مليار دولار متراكمة منذ انتهاء الحرب الاهلية (1975-1990).