القاهرة (رويترز) - أثناء سيري عبر ميدان التحرير بوسط القاهرة يوم الاربعاء كان من الصعوبة بمكان ألا المح جملة كتبت بالطلاء وبحروف كبيرة على ارضية الشارع يمكن ان تشاهدها طائرات عسكرية تحلق في اجواء المكان تقول .. انتهت اللعبة. وبعد الكلمة المؤثرة التي ألقاها الرئيس المصري حسني مبارك مساء يوم الثلاثاء والتي اعلن فيها عدم نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية التي تجري في سبتمبر ايلول القادم وانه سيكمل فترة ولايته الحالية من اجل اجراء الاصلاحات الديمقراطية يظل السؤال الملح .. لعبة من التي انتهت؟ وبات هذا الشعار باديا للعيان لسبب وحيد الا وهو ان اعداد المحتجين في ساحة الميدان المترامي الاطراف حيث تدور رحى معارك الشوارع قد بدأت تخبو بدرجة كبيرة. وأقنع مبارك الكثيرين بأدائه الحاذق بان الديمقراطية قادمة لا محالة وان الثورة قد انتهت - مع نفاد امدادات الغذاء والوقود - وانه قد حان الوقت لعودة الامور الى طبيعتها. وفيما بدا انها خطة متقنة وفور الانتهاء من بث خطابه بدأ البلطجية يشتبكون مع المحتجين في الاسكندرية ومدن اخرى. وطفق التلفزيون الرسمي يذيع الاغاني الوطنية ويبث صورا لمبارك تتوسط خارطة لمصر فيما بدأ ظهور جماعات من الشبان المؤيدين لمبارك في بعض الشوارع المؤدية الى ميدان التحرير. ومع اشراق صبيحة الاربعاء غصت مختلف احياء العاصمة بالجماهير الغفيرة فيما انسحبت قوات الجيش من احياء الطبقة المتوسطة على اطراف بالقاهرة. وعاد المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية يطل من جديد من شاشات التلفزيون في بيان يؤكد ان قوات الجيش لن تتعرض للجماهير الا انه قال انه قد ان الاوان لعودة الامور الى نصابها. اما الرسالة النفسية فمفادها انه اذا واصل هؤلاء المحتجون تظاهراتهم فانهم بذلك يقفون في وجه الاجماع الوطني بعد ان وعد مبارك بالاصلاحات وحدد موعد رحيله عن الحكم. الا ان حكومة مبارك هي التي كانت قد قطعت خدمات الانترنت والتليفون المحمول واوقفت حركة القطارات وسخرت بطش قوات الامن للتنكيل بالمحتجين يوم الجمعة الماضي ثم انسحبت هذه القوات تاركة الساحة لعمليات السلب والنهب. واشاعت اجهزة الاعلام مناخا من الخوف بين المواطنين ببثها تقارير لم تنقطع عن عصابات من الخارجين على القانون ممن فروا من المعتقلات فيما غضت الطرف عن متابعة احداث الاحتجاجات. وقالت قناة الجزيرة الفضائية انه تم التشويش على ارسالها. وكان الانطباع الذي استبد بكثيرين في شوارع القاهرة ان مبارك شخصية متغطرسة سادرة في غيها تفتقر الى النخوة. ولم يتقدم مبارك باي اعتذار عن عزل البلاد عن العالم الخارجي او عن ازهاق ارواح العشرات ممن يصفهم بانهم محتجون مسالمون يمارسون حقهم في حرية التعبير عن الرأي. وقال انه سيجري اصلاحات دستورية بشأن عدد فترات الولاية الرئاسية وانه لم يكن ليعتزم الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة باي حال من الاحوال قائلا "اني لم اكن انتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة فقد قضيت ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها." وقال "كما انني رجل من ابناء قواتنا المسلحة وليس من طبعي خيانة الامانة او التخلي عن الواجب والمسؤولية." وطرح مبارك مقترحات لاجراء حوار مع المعارضة "لكن هناك من القوى السياسية من رفض هذه الدعوة للحوار تمسكا بأجنداتهم الخاصة ودون مراعاة للظرف الدقيق الراهن لمصر وشعبها." وخيب مبارك ظنون من كانوا يتصورون ان الخطاب يتضمن تنحيه عن الحكم. وعلى خلاف ما قام به الرئيس التونسي زين العابدين بن على الذي فر من بلاده في وجه انتفاضة اجتاحت البلاد في 14 يناير كانون الثاني قال مبارك البالغ من العمر 82 عاما "ان حسني مبارك الذي يتحدث اليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها. ان هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية فيه عشت وحاربت من اجله ودافعت عن ارضه وسيادته ومصالحه وعلى ارضه اموت." ومضى يقول "وسيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا او علينا." بمعنى اخر ليس الشعب او رموز المعارضة المفوهة وليس الاخوان المسلمين الذين يريدون ركوب موجة ثورة الشباب. وربما كانت امام اطياف جماعات المعارضة وافراد الشعب ممن تجمهروا في ميدان التحرير امس بمئات الالاف فرصة وحيدة سانحة يتعين ان يغتنموها يوم الجمعة القادم. ودعا المحتجون الى تنظيم مظاهرات حاشدة بعد غد للمطالبة بتبني ديمقراطية جديدة في مصر بدلا من تعديل النظام الحالي الذي صاغه مبارك ورجال الحرس القديم.