انتهاء اليوم الثاني لانتخابات مجلس النواب ب30 دائرة ملغاة    رصد كيانات غير شرعية تنظم برامج وأنشطة سياحية دون الحصول على تراخيص من الوزارة    محافظ الإسكندرية يستقبل قنصل عام تركيا لبحث تعزيز التعاون المشترك    عاجل- وزير الحكم المحلي الفلسطيني: 7 أشهر بلا تحويلات مالية.. وأزمة خانقة تعصف بالسلطة الفلسطينية    سيناتور روسي: العلاقات مع أوروبا لم تعد أولوية لترامب    روته محذرا دول الناتو: نحن الهدف التالي لروسيا بعد أوكرانيا    مفتي الجمهورية ينعى الدكتور ثروت مهنا أستاذ العقيدة والفلسفة بالأزهر    منتخب مصر يخوض تدريبا مسائيا استعدادا لأمم أفريقيا    كأس عاصمة مصر، بتروجيت يتعادل مع وادي دجلة 1/1 في الشوط الأول    دوري المحترفين ..أبو قير يواصل السقوط والترسانة يتعادل أمام طنطا    ضبط كميات من مصنعات اللحوم مجهولة المصدر داخل مصنع غير مرخص بالغربية    شاهد، لحظة انهيار عقار إمبابة بسبب تسريب غازي    مدينة العبور تجهز «شلتر» للكلاب الحرة لتحصينها وتنفذ حملات للتطعيم ضد السعار    مهرجان البحر الأحمر يكرم أنتوني هوبكنز والسير يعلق: شرف كبير وأحب السعودية    إطلاق قافلة طبية علاجية شاملة لقرية أربعين الشراقوة بكفر الشيخ    واشنطن تعلن عن تطوير الأنظمة المضادة لمسيرات تستهدف حدودها في تكساس    إكسترا نيوز: لا شكاوى جوهرية في ثاني أيام التصويت وإقبال منتظم من السيدات    فوز مشاريع تخرج كلية إعلام جامعة 6 أكتوبر بالمراكز الأولى في مسابقة المجلس القومي للمرأة    العدل: معايير النزاهة في الاستحقاقات الانتخابية منارة تضئ طريق الديمقراطية    أستاذ علوم سياسية: انتخابات النواب الحالية مختلفة وتشهد تنافسا غير مسبوق    الموظف نجيب محفوظ.. سيرة وثائقية عبر 37 عامًا    بيت الغناء العربي يستضيف "نغم باند" غدًا    «البشعة» محرمة شرعًا| علماء الدين: إيذاء وتعذيب واستخدام للباطل    خالد الجندي يحذر من الخطأ الشائع في كتابة «اللهم صل على النبي»    حسام وإبراهيم حسن يزوران معسكر منتخب مصر مواليد 2007.. صور    المصل واللقاح: لقاح الإنفلونزا آمن تماما ويحسن المناعة ولا يضعفها    فريق طبي بمستشفى التأمين الصحي ببني سويف يجري 4 تدخلات ناجحة بالمنظار    بعد أسبوع من البحث| اصطياد «تمساح الزوامل»    نصائح شعبة الذهب عند شراء الجنيهات والسبائك .. خاص    وزارة التعليم توضح : لا يجوز حرمان الطالب غير المسدد للمصروفات من دخول الامتحان    «هما كده» أغنية جديدة لمصطفى كامل ويطرحها السبت    لبلبة من ختام البحر الأحمر: سعيدة بردود الفعل على جوازة ولا جنازة    أشرف زكى عن عبلة كامل : مختفية عن الأنظار .. ونشكر الرئيس على رعاية كبار الفنانين    حصاد الوزارات.. رئيس هيئة الدواء يبحث مع مسؤولى مؤسسة جيتس تعزيز التعاون    ميدو: صلاح يجب أن يغادر ليفربول.. وأشجعه على خطوة الدوري السعودي    «صحة قنا» تعقد اجتماعًا بمديرى المستشفيات لتعزيز جاهزية منظومة الطوارئ والرعاية الحرجة    حبس عاطل بتهمة التحرش بفنانة شهيرة أثناء سيرها بالشارع في النزهة    ضبط شخص بحوزته كروت دعائية وأموال لشراء أصوات الناخبين في الأقصر    محافظ كفر الشيخ: الانتهاء من تدريب وفد من 10 دول أفريقية على تقنيات تحسين تقاوى الأرز    «المشاط» تبحث مع بنك الاستثمار الأوروبي نتائج زيارته لمصر    تسليم 5 أجهزة تعويضية وكراسي متحركة للمرضى غير القادرين بسوهاج    يزن النعيمات صفقة الأهلي المحتملة في الميركاتو الشتوي    تطورات الوضع في غزة تتصدر مباحيات الرئيس السيسي وملك البحرين    خبير أرصاد: البنية التحتية لقطاع غزة معدومة    الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن فوز مصطفى البنا وحسام خليل بالدائرة الثانية بأطسا    حكم كتابة الأب ممتلكاته لبناته فقط خلال حياته    المشدد 7 سنوات لرئيس حي شرق الإسكندرية السابق في قضية رشوة    رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمشروع تطوير مدينة النيل الطبية    ضربات أمنية لضبط الإتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي    الخارجية السورية: إلغاء قانون قيصر يمثل انتصارا    سباليتي: أداء يوفنتوس أمام بافوس كان محرجا في الشوط الأول    رئيس هيئة الاستثمار يشارك في احتفالية شركة «قرة إنرجي» بمناسبة مرور 25 عامًا على تأسيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 11-12-2025 في محافظة الأقصر    أسعار الفضة تلامس مستوى قياسيا جديدا بعد خفض الفائدة الأمريكية    «الوطنية للانتخابات» تعلن تخصيص الخط الساخن 19826 لتلقي الشكاوى    كأس العرب| طموحات فلسطين تصطدم برغبة السعودية في ربع النهائي    دعاء الفجر| (ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين)    بانا مشتاق: إبراهيم عبد المجيد كاتب مثقف ومشتبك مع قضايا الناس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زاهي وهبي في إنتظار الغريبة كلما تعانقنا ابتسم الذين ماتوا لأجل الحياة
نشر في مصراوي يوم 07 - 01 - 2014

بيروت (رويترز) - يجد الشاعر اللبناني زاهي وهبي في الحب نافذة أمل وخلاص في زمن تكثر فيه الحروب حتى تغدو قصيدته أشبه بصلاة في محراب عشق يمتزج فيه السماوي بالأرضي والإلهي بالبشري ويتماهى العاشق مع معشوقه في لحظة ذوبان صوفية منقطعة النظير.
تلك لعبة بات الشاعر اللبناني يتقنها بامتياز في ديوانه الجديد "إنتظار الغريبة" الصادر عن منشورات دار الساقي في بيروت وهو الشاعر المنتمي الى جيل الحرب الاهلية التي استمرت 15 عاما وانتهت عام 1990 وما اعقبها من ازمات سياسية واشتباكات وانفجارات وحروب اسرائيلية والذي عايش عتمة الملاجىء وسخونة المتاريس والخنادق.
يظهر هذا الذوبان بين العاشق والمعشوق حين يقول في احدى قصائده "اليكَ أتوبُ. أذوبُ. أتلاشى/ أمّحي في نور نوركَ ( أسيرُ نحوك، أطير ) لا حرَّ الصيف ولا قرَّ الشتاء ( لا ابتسامات مارّة ولا بكاء ) فقط اسمكَ المتسع لمجرات ( قلبُكَ الأعلى من سماوات ) وجهُكَ الممتد على الأكوان ( تملأُ الدنيا وأحملكَ في قلبي ) تسكنني وتفيض..."
يضم ديوان "انتظار الغريبة" ثلاثين قصيدة متنوعة الأحجام تتوزع على قسمين الأول "عن الحُبّ" والثاني "عن الحرب" ويقع في 110 صفحات من الحجم الوسط.
في كتابه الشعري الحادي عشر يواصل شاعرنا بناء عمارته الشعرية بروية وهدوء باحثا خلف العبارة المباشرة عن دلالات أخرى وتأويلات كثيرة وفي بحثه هذا لا نراه ينحو باتجاه لغة متقعرة بل تظل مفرداته الشعرية التي تشكل أساس جمله أقرب الى السهل الممتنع المحمل بكثير من نضارة الحياة اليومية ونداوة الصور الشعرية الملتقطة من أرض الواقع لتتحول في متن القصيدة الى أشبه بجوهرة نادرة أو حجر كريم.
يهوى الشاعر لعبة الانتظار المفتوحة على احتمالات كثيرة يعشق الترقب والمصادفات غير المنتظرة حيث يمكن لامرأة عابرة أن تفجر في داخله قصيدة مليئة بالحرائق والاشتعالات "تماما كعود الثقاب القادر على احراق غابة بأكملها" وكأنه يريد الايضاح ان قصيدته لا تولد من العادي والمتوقع بل هي الابنة الشرعية للاحتمالات المفتوحة على أقصاها حين يتحول الشاعر صياد اللحظات الهاربة والمفاجآت الجميلة المدهشة.
وفي القصيدة التي تحمل عنوان ديوانه يقول وهبي "أنتظرك يا غريبة ( علّك فجأةً تأتين ) بلا موعد، بلا سابق عناق ( لا عطرَ سوى المسام ) لا زينة غير ابتسامة ( متخففة من ماض مضى ) من أعباء الآخرين وأورام الذات ( لا همَّ سوى رجفة غير متوقعة ) توقدها نظرةٌ مباغتة ( أو سلامٌ خاطف".
وتتعمق قصيدة الحب النثرية عند وهبي قصيدة تلو قصيدة وديوان تلو آخر حتى بات واحدا من شعراء الحب البارزين في الوطن العربي حيث الحب لديه مخلص ومطهر من آثام وأدران "لأني أحبك ) أمتطي البرقَ ( أقودُ السحاب ) أمضي سريعاً كضربة ريح ( برماح اللهفة أطعنُ كلَّ غياب".
وأجمل ما في الحب بصيغته الشعرية لدى شاعرنا أنه يبقى نافذة الخلاص من الحرب وندوبها الكثيرة التي لم تترك أثرها في الجسد فحسب بل امتدت وتعمقت لتطال الروح حيث من الصعب محوها وازالتها الا بالحب الحقيقي النادر القادر على ابتكار المعجزات والأعاجيب.
ففي قصيدة تحمل عنوان "أنثى الحروب" نراه يختتمها على النحو التالي "بالحب نقول : لا ) بالحب نعلنُ رفضنا وعدم الطاعة ( نخلخلُ جبروت الطغاة ) نُزيّنُ الشوارعَ والساحات ( نقولُ للأطفال تعالوا ) ليكن قلبي طائرةً ورقية وشفتاك حلوى العيد ( كلما التحمنا أكثر ) تراجعت الحرب ( خفتَ وهجُ الرصاص ) كلما تعانقنا ( ابتسمَ الذين ماتوا لأجل الحياة".
والحب عند وهبي ليس فقط مخلصا من الحرب وندوبها بل أيضا محاولة لرفض الظلم والطغيان وهو شكل من أشكال رفض الجور والاستبداد وفي قصيدته هذه يذكرنا بقصيدة أخرى له في ديوان "راقصيني قليلا" يقول فيها صراحة "كلما كثُر الحب انبعثت كواكب ومجرات ...زدْ نقاءً يخفُّ وزنك زدْ عشقاً يُسرَ بك" وكأن الحب لديه قادر على فعل كل شيء وعلى تحرير الجماعة كما يحرر الفرد.
ويتساءل الشاعر "في الزمن الصعب كم نحن في حاجة ماسة الى الحب في مواجهة أمواج الحقد المتدافعة المتلاحقة حاملة معها الموت والخراب والشر المستطير. فهل يقوى الشعر فعلا على مواجهة كل هذا أم أن الشاعر يحمله أكثر مما يحتمل؟."
بعد أن يحكي عن وقوعه ورفاقه في الحرب "وقوعَ العاشقين" قائلا ان "براءة الحرب تشبه أحياناً براءة الحب" نراه يرفع الصوت جهارا نهارا رفضا للحرب ولطقوسها ووقائعها وأهوالها سائلا الذين يستسهلون الحرب ويدعون اليها "ماذا تعرفون عن الحرب ) عن صقيع الخوف ووحشة الترقب ( ماذا تعرفون عن سُبابة مرتجفة على الزناد ) عن برودة الموتى وجحوظ العينين".
ويصرخ بصريح العبارة "تباً للحرب، تباً للخراب ( تباً لمُنظّرين يفرّون قبل هطول المطر ) لطليعة ثورية دائماً على عجل ( وبنادق يعلوها الصدأ" ليصل الى القول " نحن حُفاةُ القرى والأحلام )نرسمُ غداً جديداً ولا نسأل ( على أنقاض شبابنا ) نُشيدُ بيوتاً جديدة ( على أسماء شهدائنا نقيمُ حدائقَ وأغنيات ) من جوف دمعاتنا نقطف وردا وابتسامات ( نمشي الهوينى ونُغنّي: تباً للحرب، تباً للخراب".
وبالفعل فإن القصيدة التي تحمل عنوان "ماذا تعرفون عن الحرب؟" تمثل درة التاج في ديوان وهبي الجديد وتكشف عن مقدرة سردية عالية لديه حيث يصوغ بسلاسة فائقة حكايته وحكاية أبناء جيله مع الحروب الأهلية التي لا تنتج سوى الموت والخراب.
ولعله في هذه القصيدة يحاول أن ينقل الى الأجيال اللاحقة العبر والخلاصة التي خرج بها من معايشته الطويلة للحرب الاهلية في لبنان التي أكتوى بنيرانها اللبنانيون ويكادون أن يقعوا في جحيمها من جديد فيقول "كانت الحربُ قصيدةً وأغنيةً قبل أن تقعَ فعلاً ) كانت هتافاً ورصاصاً ومعسكرات تدريب ( كانت ثياباً مرقّطة وأسماءَ مستعارًة وجثامين على الجدران وقارعة الأحزان".
وكما يبرع في كتابة القصيدة الطويلة المسهبة نراه كذلك يبرع في قطف الومضات الشعرية وكتابة القصيدة المكثفة المؤلفة من كلمات قليلة لا تتجاوز أحيانا أصابع اليد الواحدة كما في قوله "حبّذا لو تنثرين ملحّك على جليد وحدتي" أو في قوله "أتعثرُ بظلّي كلما أشرقتْ شمسُ محياك" وهو في هذا النوع من القصائد القصيرة جدا الشبيهة بشعر الهايكو الياباني يقدم عصارة جهده الشعري القائم كما أسلفنا على التقاط اللحظات الشعرية من الوقائع اليومية التي يحياها كأنسان ثم يصهرها في وجدان الشاعر ووعيه.
لدى شاعرنا هناك اصرار على مسحة صوفية باتت جلية واضحة في أعماله الأخيرة حيث التماهي مع المعشوق الأكبر والتجلي في لحظات ترتقي بالواقع الى أعلى وتحرره من ماديته لتمنحه أبعادا روحية تتدفق لديه تدفق شلال هادر أو تنساب على مهل كما ينساب جدول صغير في حقل كثير الزهور والفراشات وهو بين واقعيته وصوفيته يعيش قلقا وجوديا واضح المعالم جلي السمات.
ولعل قصيدة "لم آت بعد" هي الأكثر افصاحا عن هذا القلق حين يقول " نعم، لم آت بعد ) هذا الجسدُ ليس لي ( هذا الشيبُ في الصدغين ) والحكمةُ في الرأس ( كلُّ هذا ليس لي ) لستُ كاتب هذه القصيدة ولا قارىء الفنجان ( في كفّي حياةٌ أخرى ) طالعي على نجمة غير الأرض".
وكما في كل قصائده فان وهبي يعلن انحيازه للأنوثة بلا مواربة منتصرا لأنوثة الحياة مبشرا بالخلاص عبر هذه النافذة بالذات نافذة الأنوثة المنقذة من الحروب والويلات التي أنتجتها قرون متراكمة من حكم الذكورة وطغيانها.
وها هو الشاعر يسأل مباشرة "لمَ الصباحُ بلا امرأة تؤنّثُ نهاري من أوله" مؤكدا أن صباحا "بلا وجه امرأة كافيين العالم كله لا يكفيه" وكأن المرأة هي الدافع ليس فقط على الاستيقاظ واستقبال النهار من بدايته بل على الحياة برمتها حيث تغدو هذه الحياة غير ممكنة بلا المرأة وحضورها المخلّص وهنا نتذكر قوله في قصيدة سابقة "الحُبُّ جرسُ استيقاظي كلَّ صباح".
من ليلى بسام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.