بيروت (رويترز) - لا يملك الرئيس السوري بشار الأسد الكثير من الخيارات للرد عسكريا على الغارتين الجويتين اللتين نفذتهما إسرائيل في مطلع الاسبوع لكن الهجمات قد تضاعف الدعم له من حليفيه في المنطقة إيران وحزب الله اللبناني. ولا يستطيع الأسد الذي يخوض بالفعل قتالا ضد مسلحين سيطروا على اجزاء كبيرة من البلاد وقتلوا الالاف من جنوده مواجهة القوة العسكرية المهيمنة في المنطقة في حرب مدمرة من المرجح ان تكون من جانب واحد. ويتوخى حلفاؤه ايضا في إيران وحزب الله الحذر في بدء معركة جديدة قد تحول مجرى جهودهم الحثيثة للحفاظ على حليفهم الاستراتيجي في السلطة في دمشق. وقال بول سالم مدير مركز كارنيجي الشرق الأوسط "ليس من المرجح وقوع عمل عسكري كبير.. ليس من مصلحة سوريا وحزب الله وإيران فتح جبهة اخرى بينما معركتهم الأساسية هي الحفاظ على بقاء النظام السوري." واهتزت العاصمة السورية دمشق جراء الغارتين اللتين نفذتهما إسرائيل خلال 48 ساعة وتصاعدت ألسنة اللهب الى عنان السماء خلال الليل وقتل العشرات من الجنود. وقال سكان ومصادر بالمعارضة إن الطائرات الحربية استهدفت قوات النخبة التابعة للأسد في وادي نهر بردي الذي يمر عبر دمشق وكذلك جبل قاسيون الذي يطل على العاصمة. وشملت الأهداف دفاعات جوية وقوات الحرس الجمهوري ومجمعا له صلة بالأسلحة الكيماوية. وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن ما لا يقل عن 42 جنديا قتلوا واعتبر 100 اخرون في عداد المفقودين. ورجحت مصادر اخرى في المعارضة أن يكون عدد الجنود القتلى بالمئات. وقال مصدر امني غربي إن الهجمات استهدفت صواريخ إيرانية كانت في طريقها إلى حزب الله والتي كان من الممكن استخدامها لضرب تل أبيب. ولمحت دمشق وطهران إلى انهما ستردان بقوة. وقال وزير الاعلام السوري إن الهجمات تفتح الباب لكل الاحتمالات. وحذر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية من "رد ساحق". ولم ترد سوريا في عام 2007 حين قصفت طائرات حربية إسرائيلية ما يشتبه بانها منشأة نووية كما لم ترد في يناير كانون الثاني هذا العام حين هاجمت إسرائيل ما يشتبه بانها قافلة صواريخ. وكانت دمشق تقول في كل مرة انها ستختار الوقت والمكان المناسبين للرد. وقال فواز جرجس مدير مركز الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد إن مدى أحدث عملية سيزيد الضغط على الأسد للرد "ليس للحفاظ على ماء وجهه فحسب بل للاحتفاظ بمصداقيته في الداخل وفي المنطقة." وأضاف "هذا هو المأزق الذي يواجهه الأسد فما الذي يمكن أن يفعله في ضوء الخيارات المحدودة." وما زال للأسد مؤيدون في المنطقة بعد مرور اكثر من عامين على الانتفاضة ضد حكمه والتي تحولت إلى حرب أهلية تضع مسلحين ينحدرون في الأساس من السنة في مواجهة رئيس من الاقلية العلوية المنبثقة عن الشيعة. وبالإضافة إلى إيران وحزب الله فإن دمشق لها ايضا صلات ببعض الفصائل الفلسطينية وتتمتع بقدر من الدعم من السلطات التي يقودها الشيعة في العراق المجاور والتي غضت الطرف عن شحنات الأسلحة الإيرانية التي كانت تتدفق عبر المجال الجوي العراقي حسبما قال زعيم شيعي عراقي كبير. وأعطت قناة الاخبارية السورية المؤيدة للحكومة دلالة على ما قد يفكر فيه الأسد ونقلت عن مصادر لم تكشف عنها قولها إن الصواريخ السورية جاهزة لضرب أهداف داخل إسرائيل في حالة وقوع اي هجوم جديد. وقالت ايضا إن سوريا أعطت الضوء الأخضر للفصائل الفلسطينية بتنفيذ عمليات ضد إسرائيل عبر مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ومع ذلك لم تصدر هذه التحذيرات علانية من اي مسؤول سوري ومن المرجح أن يؤدي اطلاق اي صاروخ سوري مباشر على إسرائيل إلى رد إسرائيلي ساحق. وربما يكون من المفارقات أن الخطوة التي قد يتخذها الأسد في الجولان والتي قد تثير بواعث قلق إسرائيل بشكل كبير هي الانسحاب منها. وعلى مدى اربعة عقود من العداء الرسمي مع إسرائيل فإن الأسد ووالده الرئيس الراحل حافظ الأسد حافظا على الهدوء على جبهة مرتفعات الجولان. وتخشى إسرائيل أن تتحول الجولان التي احتلتها عام 1967 إلى منصة لشن هجمات على الإسرائيليين من قبل جهاديين يحاربون الان للاطاحة بالأسد وذلك في حالة قيام الرئيس السوري بسحب قواته من هناك. وقال جرجس "لن أفاجأ اذا بدأ نظام الأسد في عملية سحب قواته من الجولان إلى دمشق." وأضاف "جبهة النصرة (المعارضة) وجماعات اخرى تستعد للدخول في حرب في نهاية المطاف ضد إسرائيل... لذا فسوف يضع هذا (الاجراء) اسرائيل في مأزق." وقال دبلوماسي غربي في المنطقة انه إذا اكتسبت جبهة النصرة موطأ قدم في مرتفعات الجولان فسيؤدي ذلك حتميا إلى تدخل إسرائيلي اكبر في الصراع. والتزم حزب الله الحليف اللبناني للأسد والذي خاض حربا مع إسرائيل لمدة 34 يوما عام 2006 الصمت تجاه الهجمات الإسرائيلية على دمشق. وتعتقد إسرائيل أن حزب الله شكل ترسانة تضم نحو 60 ألف صاروخ وقذيفة مما يجعله عدوا اشد وطأة عما كان عليه عام 2006 عندما أطلق مقاتلو الحزب اربعة الاف صاروخ على إسرائيل. وقال دبلوماسي اخر "يجب على حزب الله التعامل بحذر لانه لا يمكنه تحمل ان يقاتل في سوريا (ضد مقاتلي المعارضة) وأن يستفز إسرائيل على الحدود الإسرائيلية اللبنانية." وقد يسعى حزب الله إلى ضرب أهداف إسرائيلية في الخارج بدلا من السعي لمواجهة مباشرة. وكانت بلغاريا اتهمت حزب الله بتنفيذ تفجير أودى بحياة خمسة سياح إسرائيليين في منتج على البحر الأسود العام الماضي. لكن جرجس قال إن الرد المرجح سيكون زيادة دعم الحزب للرئيس السوري. وقال "سيرد حزب الله وإيران على التصعيد الإسرائيلي بتعزيز تدخلهم في سوريا ..المنطق الإسرائيلي يقول : (لن نسمح بأي نقل لأسلحة متقدمة إلى حزب الله). إذا عمقتم تدخل حزب الله وإيران في سوريا فانتم تثقبون فتحات في هذا المنطق." وقد يدفع هذا الدعم الكبير من حلفاء الأسد والذي يقابله دعم متنام من دول الخليج العربية وتركيا للمعارضة الأزمة السورية -التي تسببت بالفعل في مقتل 70 ألف شخص كما تقول الاممالمتحدة- خطوة اقرب إلى صراع اقليمي. وقال الدبلوماسي الثاني "العامل الخطير اصبح اكثر خطورة في الاسابيع القليلة الماضية" في إشارة إلى احتمال نشوب حرب على نطاق اوسع. وتعهد الأسد بهزيمة المعارضة وتشن قواته بالفعل هجمات مضادة بالقرب من دمشق ومدينة حمص في وسط البلاد ومحافظة بانياس الساحلية حيث قال نشطاء ان قواته قتلت عشرات الأشخاص. وقال داني ياتوم المدير السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) إن إسرائيل لا يمكنها افتراض أن يظل الرئيس السوري سلبيا اذا واصلت هجماتها داخل الحدود السورية. وقال ياتوم لراديو إسرائيل "اتساع نطاق الضربات سيزيد من فرص عدم وجود اي خيارات أمام الأسد سوى الرد." وتابع "السوريون ايضا لديهم حدود (للصبر) والحد ليس بالضرورة ضربة لسيادة سوريا بل بالاحرى ضربة للكرامة السورية." (إعداد حسن عمار للنشرة العربية-تحرير عماد عمر)