لندن (رويترز) - تنطق صورة متداولة على منتديات جهادية على الانترنت بكل ما يمكن أن يقال .. ففي الصورة تظهر طائرة مقبلة على الاصطدام ببرج ايفل وقد كتب عليها باللغة العربية بحروف حمراء 11 سبتمبر. وجاء التدخل العسكري الفرنسي في مالي وهجوم إسلاميين متشددين على محطة الغاز في إن أميناس بالجزائر الذي أسفر عن مقتل 38 موظفا على الأقل ليبث جرعة جديدة من الطاقة في الجهاد العالمي. وأكدت هذه الأحداث ارتباط المتشددين في شمال افريقيا بالقيادة المركزية لتنظيم القاعدة وايديولوجيته على الرغم من اعتقاد كثيرين أن هذه الصلات انفصمت عراها في السنوات القليلة الماضية. تلك الصلات التي تغطي مناطق وفترات مختلفة وارتبطت ببعضها البعض من خلال مشوار يكتنفه الغموض للمتشدد الجزائري مختار بلمختار تخضع الان للفحص من جديد لتقييم ما اذا كان الغرب قد أساء تقدير مرونة الجهاد العالمي. في عام 1994 خطف متشددون جزائريون يقاتلون الحكومة المدعومة من فرنسابالجزائر طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية (اير فرانس). وعلى الرغم من أن القوات الفرنسية اقتحمتها في مرسيليا بنجاح فإن المخابرات الفرنسية كانت تعتقد أنهم خططوا ليصطدموا بها في برج ايفل في استشراف لهجمات 11 سبتمبر ايلول على الولاياتالمتحدة. وانحسر الاهتمام بالمرحلة الجزائرية من الجهاد بسبب التركيز على ما بعد 11 سبتمبر إلى جانب الآمال أن يكون قتل أسامة بن لادن في باكستان عام 2011 ضربة في مقتل لتنظيم القاعدة فضلا عن الاعتقاد بأن بلمختار اتجه الى جمع المال من خلال التهريب واحتجاز الرهائن. ويقول ستيفن تانكل الاستاذ بالجامعة الأمريكية والباحث غير المقيم بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومؤلف كتاب بصدد النشر عن تطور الجماعات الجهادية منذ 11 سبتمبر "هناك الكثير من المناقشات بشأن ما اذا كان بلمختار مجرما ام جهاديا لكن هذا يغفل احتمال أن يكون الاثنين معا." وتراقب أجهزة المخابرات الجزائرية والغربية منذ سنوات بلمختار الذي قاتل حرب افغانستان لكنها إما أساءت قراءة نواياه أو أساءت تقدير قدرته على التخطيط رفيع المستوى اللازم لتنفيذ أكبر عملية إرهابية منذ هجوم مومباي الذي نفذته جماعة عسكر طيبة المتشددة التي تعمل انطلاقا من باكستان. لكن المؤشرات كانت متاحة ليقرأها الجميع. كتب اندرو ليبوفيتش المتخصص في شؤون شمال افريقيا في موضوع نشره على موقع (جهاديكا) يقول إنه حين أعلن بلمختار في ديسمبر كانون الأول تشكيل وحدة قتالية جديدة هي (الموقعون بالدماء) فإنه هدد فرنساوالجزائر على حد سواء. والاسم الذي اختاره لوحدته القتالية الجديدة هو نفس الاسم الذي استخدمته المجموعة التابعة (للجماعة الإسلامية المسلحة) المسؤولة عن خطف طائرة اير فرانس. وفي تسجيل فيديو نشر في ديسمبر حين زعم "انشقاقه" عن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي أقسم بلمختار بالولاء لزعيم حركة طالبان الأفغانية الملا محمد عمر وزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري دون ذكر القاعدة ببلاد المغرب. وقال كميل الطويل الصحفي بجريدة الحياة والمتخصص في شؤون الجهاديين بشمال افريقيا "أعطاني الانطباع أنه يعمل الآن بصورة مستقلة ويتصرف وكأنه الأمير الحقيقي للجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة في الساحل." وصدقت كلمات بلمختار في ذلك التسجيل فقد قدم محتجزو الرهائن المطالب التقليدية للقيادة المركزية لتنظيم القاعدة وهي الإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن رجل الدين المصري الكفيف المحبوس في الولاياتالمتحدة لضلوعه في هجوم على مركز التجارة العالمي عام 1993 وعالمة الأعصاب الباكستانية عافية صديقي المتزوجة من ابن شقيقة خالد شيخ محمد العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر. وفي حين من المحتمل أن يكون المهاجمون في إن أميناس أملوا في الفرار ومعهم رهائن اجانب يمكن مقايضتهم بالمال فإن من المعقول ايضا أن يكون الدافع الأساسي بث الحياة في الجهاد العالمي من جديد في وقت يوفر فيه هذا الجهاد في مالي عنصر جذب قويا للإسلاميين المتشددين من شتى أنحاء العالم. وكتب ليبوفيتش "في كل من هجوم اير فرانس وهجوم الأسبوع الماضي ربما كان احتجاز الرهائن عاملا مساعدا وليس هدفا اساسيا." وأضاف "في حادث خطف طائرة اير فرانس... تبين فيما بعد أن هدفهم الحقيقي كان تفجير الطائرة فوق باريس... السلطات الجزائرية كانت قد قالت إن هدف الجماعة هو تدمير المنشأة على الرغم من أنها ربما كانت تتعشم ايضا في الفرار ببعض الرهائن على الاقل." وأيا كانت الحقيقة فإن العلاقة بين بلمختار والجهاد العالمي تعود الى اكثر من 20 عاما. فبعد فترة من مقتل الاستاذ الجامعي الفلسطيني عبد الله عزام الذي كان على صلة وثيقة بابن لادن ترك بلمختار الجزائر ورحل إلى افغانستان. وكتب محلل معلومات المخابرات الفرنسي السابق الذي يكتب تدوينات لحساب صحيفة لوموند تحت اسم ابو جعفر يقول "استطعنا التأكد من مصدر موثوق من وجوده في معسكرات (التدريب) التي كان يديرها باكستانيون في بيشاور." وأضاف "هناك وقرب نهاية الثمانينيات او بداية التسعينيات تلقى تدريبا شبه عسكري سيكون مفيدا جدا له في الجزائر." بحلول منتصف التسعينات عاد إلى الجزائر لينضم لصفوف الجماعة الإسلامية المسلحة التي أنشئت لقتال الحكومة بعد إلغاء نتيجة الانتخابات عام 1992 التي كان من المفترض أن يفوز بها الإسلاميون. وقال تانكل الاستاذ بالجامعة الأمريكية والباحث غير المقيم بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي "أصبحت الجماعة الإسلامية المسلحة سريعا أكثر قوى التمرد فعالية في البلاد والقضية المثيرة لاهتمام كثيرين في حركة الجهاد العالمية الذين اعتبروا الجهاد الجزائري في البداية واعدا للغاية." في ذلك الحين أرسل بن لادن الذي كان قد انتقل من افغانستان الى السودان عدة مبعوثين الى الجماعة الإسلامية المسلحة لمناقشة ما اذا كانت تريد الانضمام الى تنظيم القاعدة الذي يتزعمه والذي كان مازال يواجه صعوبات. وزعم لورانس رايت في كتابه (البرج الذي يلوح في الأفق) أن بن لادن أرسل 40 الف دولار للجماعة الإسلامية لكنه ندم على هذا بعد أن تضررت سمعة الجماعة لإقبالها الشديد على القتل الجماعي خلال الحرب الأهلية التي حصدت أرواح ما يصل الى 200 الف شخص. وبعد أن ساءت سمعة الجماعة واخترقتها اجهزة الأمن الجزائرية وباتت محل استياء حتى من جانب حركة الجهاد العالمية تشرذمت. وأصبح أنجح جماعة خرجت من عباءتها الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي اندمجت في نهاية المطاف مع تنظيم القاعدة تحت اسم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عام 2007. وعلى مدى سنوات يثور الحديث الذي يربط المتشددين الجزائريين بتنظيم القاعدة ويخمد لكنه يتكرر بوتيرة تكفي لتشير الى مرونة الحركة التي صممت عمدا بشبكات أفقية وتركيز على وحدة الايديولوجية مما سيسمح لها بالاستمرار على الرغم من اجتثاث قيادتها. ويقول الطويل من صحيفة الحياة إن بن لادن أرسل مبعوثا هو أحمد علوان المعروف أيضا باسم أبو محمد اليمني إلى جماعة الدعوة والقتال في صيف عام 2001. وكان بلمختار من بين قادة الجماعة الذين التقاهم في الجزائر. وأضاف الطويل "هدف زيارة مبعوث بن لادن كان إقامة علاقات بين تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية الجزائرية." وفي ظل إقامة الجماعة شبكات قوية بين المهاجرين من دول شمال افريقيا في اوروبا فربما يمكن الربط بينها ايضا وبين اغتيال القائد الافغاني من اصل طاجيكي المناهض لطالبان احمد شاه مسعود قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر ايلول. واعتبر قتله هدية من تنظيم القاعدة لحركة طالبان التي كانت ممسكة بزمام السلطة في كابول في ذلك الحين بهدف التخلص من خصومها قبل الهجوم الأمريكي المضاد الذي كان متوقعا. ولاتزال الصلات المحددة بين الجماعة السلفية للدعوة والقتال واغتيال مسعود على يد بلجيكيين اثنين من أصل تونسي غير واضحة على الرغم من التأكد من انتمائهما لنفس التنظيم من خلال مسجد في باريس. وفي علامة على وجود صلات تربط بين المناطق والسنين كان هناك عضو آخر في هذا التنظيم هو ويلي بريجيت وهو فرنسي أدين فيما بعد بتخطيط هجمات لجماعة عسكر طيبة. وكان حارسه في باكستان ساجد مير الذي تقول السلطات الهندية إنه ضالع في هجمات مومباي التي أسفرت عن مقتل 166 شخصا. وقال تانكل "كل هؤلاء الرجال كانوا يسبحون في محيط واحد في وقت واحد." ونتيجة للحملة المخابراتية الكاسحة التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر تفككت الشبكات الاوروبية لكن علاقة جديدة نشأت بين القاعدة والزعيم العراقي ابو مصعب الزرقاوي الذي قتل عام 2006 وزعماء الجماعة السلفية للدعوة والقتال الذين اقتنعوا في نهاية المطاف بتوحيد صفوفهم مع تنظيم القاعدة. واستغل تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي الفوضى التي أعقبت سقوط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011 ليحصل على أسلحة إلى جانب غضب قبائل الطوارق بالمنطقة مما سمح له بتوسيع نطاق عملياته خاصة في مالي. وسيكون من الخطأ الاعتقاد بأنهم ظهروا فجأة من العدم باعتبارهم تهديدا جديدا من القاعدة نظرا لتاريخهم الطويل مع الجماعة. وكتب دافيد جارتنستاين روس وهو مؤلف كتاب عن تركة بن لادن على موقع (جانباودر اند ليد) الامني الامريكي على الانترنت يقول إن الوثائق التي ضبطت في مجمع بن لادن في أبوت أباد تظهر وجود اتصالات بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي وقيادة القاعدة على مدى أربع سنوات منها مناقشات لمسائل استراتيجية وأخرى تتصل بالعمليات. وأضاف "في حين من الممكن أن تكون هذه الاتصالات تعطلت أو توقفت بعد مقتل بن لادن عندما أصبح أيمن الظواهري أميرا فإنه ليس هناك سبب يدعو أن يكون هذا افتراضنا الأول." وفي مقابلة أجرتها وكالة الانباء الموريتانية مع بلمختار عام 2011 أشار الزعيم المتشدد نفسه إلى أن يونس الموريتاني عضو الجماعة السلفية للدعوة والقتال الذي اعتقل في مدينة كويتا الباكستانية في سبتمبر 2011 كان قد أرسل لإجراء محادثات مع زعماء تنظيم القاعدة. وفي خضم التحالفات المغمورة والمتغيرة دائما على ساحة الجهاد العالمي سيستغرق تعقب كل الخيوط المختلفة وراء هجوم إن اميناس وقتا. ولكن في الوقت الحالي جمع هجوم إن أميناس عقدين مختلفين معا - هجمات التسعينيات على المصالح الفرنسية التي شملت تفجيرات في باريس وخطف طائرة اير فرانس والحملة التي قادتها الولاياتالمتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر على تنظيم القاعدة في أفغانستانوباكستان. وقال ليبوفيتش في مكالمة هاتفية من دكار "ربما تكون القيادة أقرته وربما لا... تنظيم القاعدة الرئيسي كان بطيئا في بياناته في الآونة الأخيرة. سيكون من المثير للاهتمام رؤية ما إذا كان الظواهري سيصدر بيانا." إعداد دينا عادل للنشرة العربية - تحرير منير البويطي