كان مشهدا غير مسبوق، اصطف فيه قادة حماس جنبا إلى جنب على المنصة التي أقيمت في مدينة غزة. وإلى جانب رئيس وزراء (الحكومة المقالة) إسماعيل هنية وعدد من القيادات في حركة المقاومة الإسلامية حماس ، وقف خالد مشعل، القيادي السياسي بحركة حماس، مبتسما يحيي الجموع التي احتشدت في الساحة. لقد كانت تلك أول زيارة لمشعل إلى قطاع غزة، بعد عقود من الزمن قضاها في المنفى، كما كانت تلك أيضا أول مرة يخاطب فيها مشعل حشدا بهذه الضخامة. واحتشد عشرات الآلاف من مؤيدي حماس في ساحة الكتيبة الخضراء تحركهم الخطابات الدينية والأناشيد الوطنية، وهم يلوحون بأعلام الحركة الخضراء ويرتدون القبعات والأوشحة والملابس التي تلائم المشهد. وبدا الصغار وهم يرتدون ملابس تشبه الزي العسكري وهم يحملون الألعاب التي تحاكي الأسلحة والصواريخ. وكانت تلك بداية مراسم الاحتفالات لإحياء الذكرى الخامسة والعشرين لحماس، والتأكيد على أهداف تأسيس الحركة. ومن أمام ذلك المجسم الضخم الذي يصور قذيفة كتب عليها: صنع في غزة! ، أكد مشعل على الرفض التام لحق إسرائيل في الاعتراف بها كدولة، كما أكد أيضا على التزام الحركة بالصراع المسلح. وقال مشعل: لن نفرط في أي شبر من أرض فلسطين، وستبقى لنا بهويتيها العربية والإسلامية ، مؤكدا على أن الجهاد والمقاومة المساحة هما الطريق الوحيد لتحقيق ذلك. وتابع مشعل أنه سيسعى وراء إطلاق سراح المزيد من الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، مشيرا إلى عملية تبادل الأسرى التي حدثت العام الماضي وجرى فيها تبادل ما يربو على ألف أسير فلسطيني بأسير واحد إسرائيلي. وكما كان متوقعا، أشار مشعل أيضا إلى الحاجة لدعم الوحدة الوطنية الفلسطينية، حيث وقع انشقاق في الصفوف بين حماس ومنافسيها السياسيين من حركة فتح، وذلك بعد أن فازت حماس في الانتخابات البرلمانية التي أجريت عام 2006، وتبع ذلك وصولها إلى السلطة في العام التالي. ولأول مرة منذ ذلك الحين، حضر قياديو فتح المحليون ذلك المهرجان. وقال مشعل: بعد هذا النصر في غزة، حان الوقت الآن لبناء الوحدة الوطنية وإنهاء ذلك الفصل من الانقسام. فالتسوية تعني وجود منصة سياسية موحدة، وسلطة واحدة، ورئيس واحد وبرلمان واحد. ولقيت تلك الرسالة دعما شعبيا واسعا. حيث قالت لي غادة: لقد كان محقا في حديثه عن التسوية وعن فكرة المقاومة وانتصارنا على إسرائيل. وقال عدنان، وهو رجل في منتصف العمر: إن الوحدة بين الفصائل الفلسطينية هي ما نحتاجه ونستحقه. ويتفق الجميع على أن الانقسامات السياسية الداخلية هي التي تؤدي دائما إلى تقويض الجهد التي تبذل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للمقاطعات الفلسطينية. إلا أن خطاب مشعل ذكّر أيضا بوجود بعض العقبات التي يصعب تجاوزها. فإذا ما صمم مشعل على اعترافه بأهمية المقاومة المسلحة، فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي يعتبر شريكا بنظر الدول الغربية في عملية السلام مع إسرائيل، لن يكون قادرا على إقامة هذه العلاقة القوية مع حماس. وكان عباس قد قبل بحل الدولتين بعد الصراع الذي كان دائرا بين الفلسطينيين والإسرائيليين للاعتراف بحدود ما قبل حرب 1967، وذلك عند احتلال إسرائيل لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس. إلا أن مشعل لم يتطرق في خطابه إلى مستقبله الشخصي، حيث إنه كان قد أعرب عن نيته في اعتزال منصبه القيادي بالحركة. ومن المعلوم أن ثمة توتر بينه وبين بعض القياديين من حركة حماس، خصوصا من هم في قطاع غزة. وعلق بعض المراقبين على أن القيادي محمود الزهار كان قد اتخذ مكانه بين الحشود بعيدا عن مشعل. فمن خارج المشهد، تمثل تلك الزيارة التي قام بها خالد مشعل إلى غزة فرصة سانحة لإنهاء عملية الانتخاب للقيادة الداخلية لحماس. كما أن ذلك الحدث أبرز وبقوة حجم الدعم الواسع الذي تحظى به حماس في غزة. وحضرت تلك الاحتفالية وفود من قطر والبحرين وتركيا وماليزيا ومصر. كما أن الحكومة ذات التوجهات الإسلامية في القاهرة أبدت تأييدا قويا لحماس. حيث إن تلك الاحتفالية لم تكن لتحدث لولا سماح السلطات المصرية لمشعل وقيادات فلسطينية أخرى بدخول قطاع غزة عن طريق معبر رفح الحدودي. وعلى الرغم من أنه كانت ثمة تقارير إعلامية قليلة تناقش الحدث في إسرائيل، إلا أن إسرائيل ستعتبر استعراض القوة ذلك أمرا مقلقا. حيث إن إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ينظرون إلى حماس على أنها منظمة إرهابية. يذكر أنه خلال الأعوام الماضية، استهدف مسلحو حماس المدنيين الإسرائيليين بعمليات التفجير الانتحارية وبالقذائف الصاروخية. كما أن إسرائيل تجري محادثات غير مباشرة مع حماس بوساطة مصرية، وذلك بعد الصراع الذي احتدم لمدة ثمانية أيام في الشهر الماضي، والذي انتهى بتفاهم لوقف إطلاق النار.