بدأت الجمعية التأسيسية التي يهيمن عليها الاسلاميون الخميس التصويت على المسودة النهائية للدستور في خطوة مفاجئة بينما تشهد مصر اسوأ ازمة منذ انتخاب الرئيس محمد مرسي. وخلال الجلسة التي بثها التلفزيون المصري على الهواء مباشرة، تمت الموافقة بالاجماع على المادة الثانية للدستور التي تنص على ان "مبادىء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع"، وهي مطابقة للمادة الثانية التي كانت موجودة في الدستور الذي كان ساريا في عهد حسني مبارك واسقط بعد اطاحته في 11 شباط/فبراير 2011. وشارك في جلسة اقرار الدستور 85 عضوا من بينهم 11 كانوا في قائمة الاعضاء الاحتياطيين وتم استبدالهم بالاعضاء المنسحبين قبل دقائق من بدء الاقتراع. وبموجب لائحة الجمعية الدستورية تقر كل مادة من المسودة اذا حظت بتأييد 67% من اجمالي اعضائها (100 عضو) واذا لم تحصل على هذه النسبة يعاد التصويت بعد 24 ساعة ويتم اقرارها اذا حصلت على موافقة 57% من الاعضاء، وفي حال لم تحصل على هذه النسبة تلغى نهائيا من المسودة. واقرت الجمعية المادة الثانية من مسودة الدستور التي تنص على ان "مبادىء الشريعة الاسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". وتحظى هذه المادة باجماع القوى السياسية المصرية كما وافقت عليها الكنيسة القبطية. ولكن المادة 219 من المسودة النهائية للدستور التي لم يتم اقرارها بعد تضمنت تفسيرا لمبادىء الشريعة تعترض عليه الاحزاب غير الاسلامية واعلن بطريرك الكنيسة القبطية البابا تواضروس الثاني اعتراضه الشديد عليها. ويؤكد معارضو هذه المادة انها تفتح الباب لتفسيرات واسعة بما في ذلك الاكثر تشددا ولا تحظى بالاجماع ويرون انه كان ينبغي الالتزام بحكم سار للمحكمة الدستورية العليا يفسر مبادىء الشريعة على انها تشمل "احكام الشريعة قطعية الثبوت قطعية الدلالة" اي تلك التي تجمع عليها كل المذاهب الاسلامية. وتنص المادة 219 على ان "مبادىء الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة". وتضمنت المسودة النهائية للدستور مادة انتقالية تقضي بانتقال "السلطة التشريعية" الى مجلس الشورى القائم حاليا بمجرد اقرار الدستور في استفتاء شعبي والى حين انتخاب مجلس شعب جديد في غضون ستين يوما من سريان الدستور. ويعني ذلك انتقال سلطة التشريع من الرئيس محمد مرسي الى مجلس الشورى الذي يهيمن عليه الاسلاميون. وخلت المسودة النهائية لمشروع الدستور التي يجري التصويت عليها من اي اشارة الى منصب نائب رئيس جمهورية ونصت على انه "اذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته حل محله رئيس مجلس الوزراء". كما نصت على انه "عند خلو منصب رئيس الجمهورية للاستقالة أو الوفاة أو العجز الدائم عن العمل أو لأي سبب آخر، يعلن مجلس النواب خلو المنصب ويخطر المفوضية الوطنية للانتخابات ويباشر رئيس مجلس النواب مؤقتا سلطات رئيس الجمهورية". وابقت المسودة النهائية للدستور مواد اعترض عليها الاعضاء المنسحبون من الجمعية التأسيسية خصوصا تلك التي تتيح حل النقابات بحكم قضائي ووقف ومصادرة وتعطيل الصحف بحكم قضائي. وتقول المعارضة ان الدستور الذي كان قائما في ظل حكم مبارك لم يكن يتضمن "هذه التهديدات للصحافة والنقابات" ولم يكن يتضمن اي اشارة الى امكان حل النقابات وكان كذلك يحظر بشكل مطلق مصادرة او تعطيل الصحف. كما نصت المسودة النهائية على مادة تؤكد انه "لا يجوز اسقاط عضوية اي عضو في مجلس الشعب الا بموافقة ثلثي اعضائه" وهو ما يفتح الباب امام عودة ما كان يعرف في عهد مبارك ب "المجلس سيد قراره" اي ان مجلس الشعب يستطيع ابقاء احد اعضائه حتى لو صدر حكم قضائي بعدم صحة انتخابه. وبعد اقرار النص، يفترض ان يقدم الى الرئيس مرسي لينظم خلال اسبوعين استفتاء للمصادقة عليه. وكان رئيس الجمعية حسام الغرياني تحدث امس عن التصويت على مسودة الدستور في اعلان مفاجىء ليزيد من تعقيد الازمة السياسية التي تفجرت على خلفية خلافات عميقة حول النص بين جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب السلفية المتحالفة معها من جهة وكل الاحزاب والحركات السياسية غير الاسلامية من جهة اخرى. وادت الخلافات الى انسحاب كل ممثلي القوى المدنية (21 عضوا من اجمالي مئة اضافة الى سبعة اعضاء احتياطيين) من الجمعية. ويمكن لعملية اقرار الدستور على عجل ان تسمح لمرسي بالانتهاء من هذا الملف الشائك لكنها قد تؤدي ايضا الى تصاعد غضب معارضيه. وتتهم الاحزاب غير الاسلامية جماعة الاخوان المسلمين والاحزاب السلفية بالسعي الى فرض رؤيتها في الدستور الجديد للبلاد وتؤكد انه لا يشتمل على ضمانات كافية للحريات العامة والشخصية وحريات الرأي والتعبير والصحافة ولحرية تشكيل التنظيمات النقابية. وكان لدى الجمعية حتى منتصف شباط/فبراير لتنجز اعمالها ويبدو قرار بدء التصويت اليوم كأنه رغبة في تسريع العملية. واعلنت جماعة الاخوان والاحزاب السلفية الى تظاهرات السبت في ميدان التحرير وحذرت المعارضة على لسان مؤسس التيار الشعبي حمدين صباحي من نزول الاسلاميين الى الميدان. واكد صباحي في مقابلة مع قناة دريم المصرية الخاصة ليل الاربعاء-الخميس ان جماعة الاخوان "ستتحمل مسؤولية" اي صدامات قد تقع بين انصار الرئيس المصري ومعارضيه المعتصمين في ميدان التحرير منذ اسبوع للمطالبة بالغاء الاعلان الدستوري الذي اصدره مرسي وحصن بموجبة قراراته من الرقابة القضائية، كما حصن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى من اي قرار محتمل بحلهما. ودعا معارضون الى تظاهرة جديدة ضد مرسي الجمعة في التحرير بالقاهرة. من جهته، صرح مرسي في مقابلة مع مجلة "تايم" الاميركية الاربعاء انه سيتخلى عن السلطات الاستثنائية التي منحها لنفسه عندما تقر بلاده دستورا جديدا. وقال "نحن نتعلم. نتعلم كيف نكون احرارا. لم نشهد هذا الامر ابدا من قبل. نتعلم كيف نتحاور وكيف تكون لدينا اراء مختلفة، وكيف نصبح اغلبية او اقلية". واضاف "عندما يصبح لنا دستور، كل ما قمت به او قلته الاسبوع الماضي سوف ينتهي" مضيفا "عندما يصبح لنا دستور، كل القرارات التي اتخذتها (مؤخرا) ستنتهي فورا". وتستبق الجمعية التأسيسية بذلك اي قرار محتمل من المحكمة الدستورية العليا التي ستنظر الاحد المقبل في دعاوى تطالب بحل الجمعية التأسيسية وحل مجلس الشورى. كما تستبق محكمة القضاء الاداري التي ستنظر الثلاثاء المقبل في دعاوى تطالب بوقف تنفيذ والغاء الاعلان الدستوري الاخير. وبهذا التصعيد المتبادل يتواصل اختبار القوة الذي تشهده البلاد منذ اصدار الاعلان الدستوري الخميس الماضي بين الاسلاميين ومعارضيهم الذين نظموا الثلاثاء في القاهرة والعديد من المحافظات تظاهرات حاشدة شارك فيها بضع مئات الالاف من المصريين. وقالت صحيفة الاهرام الحكومية ان مرسي سيوجه كلمة الى المصريين مساء الخميس.