روما (رويترز) - عندما يتعلق الامر بالتأثير على الصراع الدامي في سوريا بين الرئيس بشار الاسد والمعارضين الذين يحاولون الاطاحة به يبدو المجلس الوطني السوري المعارض في المنفى كمتفرج بلا حيلة في الوقت الذي تتلمس فيه القوى العالمية طريقها للتوصل الى استراتيجية. وأيد المجلس الوطني السوري بفتور خطة السلام التي اتفق عليها كوفي عنان مبعوث الأممالمتحدة والجامعة العربية مع الاسد قبل نحو شهر بتأييد من الغرب والصين وروسيا والجامعة العربية وتقريبا كل الأطراف الأخرى. لكن وقف اطلاق النار الذي توصل اليه عنان في حالة يرثى لها وبقية الاتفاق المكون من ست نقاط لم يتجاوز غالبا الورق الذي كتب عليه. ويتوافد مراقبو الاممالمتحدة ببطء لكن من غير الواضح كيف يمكن حتى للفريق بالكامل المكون من 300 عضو وقف حرب أهلية في مهدها في سوريا حيث تمثل تفجيرات السيارات الملغومة تحديا جديدا غامضا للمعارضة السورية وللذين يتمنون لها النجاح من العرب والغرب على حد سواء. ومازال العالم الخارجي يتمسك بخطة عنان لانه ليس لديه شيء آخر يعول عليه في ضوء غياب الرغبة في التدخل العسكري أو تسليح المعارضة والافتقار الى اجماع دولي حتى لتنديد في الاممالمتحدة بمحاولة الأسد سحق المعارضة بقتل أكثر من 9000 شخص في 14 شهرا. وتقول دمشق ان "جماعات ارهابية مسلحة" مدعومة من الخارج قتلت أكثر من 2600 جندي وشرطي يقفون في وجه مؤامرة لتقسيم سوريا واسقاط رئيس اصلاحي. ويكافح المجلس الوطني السوري الذي يعاني أيضا من الانقسامات ويفتقر الى اعتراف عالمي كامل لمجاراة ايقاع الاحداث في الداخل. وبات المجلس الوطني السوري الذي كان في البداية حذرا من المقاومة المسلحة ردا على الحملة العنيفة التي يشنها الاسد يؤيد الان الجيش السوري الحر المعارض وهو ايضا منقسم ولا يسيطر بشكل كامل على جماعات محلية تعاني من نقص السلاح تقاتل الجيش السوري. وأقر متحدث باسم الجيش السوري الحر داخل سوريا بذلك. وقال العقيد قاسم سعد الدين الذي يرأس المجلس العسكري للجيش السوري الحر في حمص لرويترز من خلال برنامج سكايب ان خطوط الاتصالات مقطوعة دائما ومن الصعب التنظيم بين مختلف المناطق. وربما كانت سلسلة التفجيرات مثل التفجيرين اللذين قتلا 55 شخصا في دمشق الاسبوع من تنفيذ مهاجمين انتحاريين اسلاميين وهو ما تصر عليه السلطات أو جزءا من مؤامرة للاسد لتقويض الثقة في الانتفاضة الشعبية مثلما تزعم المعارضة. وأيا كان الأمر فان المجلس الوطني السوري والقوى الخارجية بما فيها تركيا وفرنسا يواجهون خطر فقدان أي قدرة على التأثير في صراع له محركاته الخاصة وبعض الصبغات الطائفية مثل تلك التي دمرت في السابق لبنان والعراق. وأمطرت الولاياتالمتحدة التي تشعر بالقلق من تورط خارجي آخر خاصة في عام انتخابات الرئاسة الاسد بالتصريحات لكنها اكتفت بتقديم مساعدات "غير قاتلة" لأعدائه. وبالنسبة للمعارضة داخل سوريا فانها قد تفرز في نهاية الامر زعماءها بالداخل لكن الصورة في الوقت الراهن غير واضحة إلى حد كبير امام القوى الخارجية. وقال يزيد صايغ الباحث بمركز كارنيجي للشرق الاسط في بيروت ان بعضهم يدرك على ما يبدو بالفعل انه إن آجلا أو عاجلا سيتعين أن يكون مركز الجاذبية الحقيقي داخل سوريا لكنهم لا يعلمون كيفية إيجاد ذلك. ولذلك فان الوجه الخارجي الرئيسي للمعارضة مازال هو المجلس الوطني السوري وهو جماعة تنضوي تحت لوائها عدة فصائل وتقوم فيها جماعة الاخوان المسلمين التي تعرضت للاضطهاد في سوريا على مدى عدة عقود بدور رئيسي. ويرأس برهان غليون وهو أكاديمي مقيم في باريس المجلس الوطني السوري منذ تشكيله في اغسطس اب رغم انتقادات له بانه ليس على اتصال بخصوم الاسد في سوريا. ويجتمع مسؤولو المجلس الوطني السوري في روما هذا الاسبوع ليقرروا ان كانوا سيختارون زعيما جديدا. ورفض المجلس يوم الاثنين محاولة من الجامعة العربية لمساعدته في إعادة تنظيم نفسه قائلا ان الدعوة لمحادثات القاهرة وجهت لأفراد بالمجلس وليس للمجلس نفسه. لكن بعض أعضاء المجلس الوطني السوري قالوا ان الخلاف الحقيقي يتعلق بما يفهم أنها جهود عربية لاجتذاب المعارضة الى محادثات مع الاسد بشأن انتقال سياسي وفق ما تدعو إليه خطة عنان. وقال فواز تللو وهو من زعماء المجلس الوطني السوري والتقى مع نبيل العربي الامين العام للجامعة العربية في القاهرة الاسبوع الماضي انه قال للعربي إنه لا يوجد من زعماء المعارضة من سيقبل هذا وان أي تغيير حقيقي في سوريا يعني الاطاحة بعائلة الاسد واجراء اصلاح اساسي وكلي للجيش والاجهزة الامنية. ولم يصدر تعقيب من مسؤولي الجامعة العربية. ودعت بعض الدول العربية التي تتبنى مواقف متشددة مثل السعودية وقطر العالم إلى تسليح المعارضين السوريين لكن الدافع الرئيسي للرياض هو اضعاف ايران من خلال اسقاط الاسد الحليف العربي الرئيسي لطهران. وقال جمال الوادي عضو المجلس الوطني السوري في مقابلة في اسطنبول ان الوعود الخليجية بتقديم الاسلحة والاموال بقيت في اطار الوعود. وقال انه لم تساعد أي حكومة المعارضة سواء بالاسلحة أو بالمساعدات الانسانية. واضاف ان تهريب الاسلحة يتم بواسطة أفراد رغم وعود قطر والسعودية ودول اخرى بدعم الشعب السوري. وقال الوادي وهو من درعا في جنوب البلاد وهي مهد الانتفاضة ان تركيا بوجه خاص لم تقرن تصريحاتها المناهضة للاسد بالافعال وانتقد من يقولون انهم لا يمكنهم مساعدة المعارضة طالما بقيت متشرذمة. وقال الوادي ان المجتمع الدولي يستخدم انقسام المعارضة ذريعة للتهرب من مسؤولياته في حين أن عليه التزاما أخلاقيا وانسانيا لوقف الحملة التي يشنها الاسد. وقال اعضاء اخرون في المجلس الوطني السوري ان الدول الغربية لم تكن بهذا التزمت عندما ساعدت جماعات معارضة في افغانستان أو العراق أو ليبيا. لكن اذا كانت الحكومات الغربية في السابق تخشى التورط فان دور المتشددين الاسلاميين في الانتفاضة سواء كان ذلك يشمل التفجيرات الانتحارية أو لا قد يعطيها ذريعة أخرى للتوقف. والاسلاميون جزء لا يتجزأ من المعارضة السورية لكن زعماءها يقولون ان هذ لا يعني ان الجهاديين مشاركون وينفون أي صلة بالقاعدة أو الجماعات المرتبطة بها. وقال العقيد سعد الدين الذي أصبح متحدثا باسم الجيش السوري الحر داخل سوريا ان المشكلة تكمن في انهم لا يمكنهم ان يثبتوا ان كانت القاعدة موجودة ام لا. وأضاف انهم ليس لهم علاقة بالقاعدة وان النظام يحاول النيل من صورة المعارضة وتخويف المجتمع الدولي وقال إن هذا لا يخيفهم. وقال سعد الدين انه لا يمكنه اثبات ان السلطات كانت وراء ما تقول انها تفجيرات انتحارية لكنه اضاف ان المستفيد الوحيد من هذا هو النظام. وتابع ان هذا يتماشى مع رسالتهم الرئيسية وهي "إما نحن أو الفوضى" و"إما نحن أو أفغانستان اخرى". والحقيقة القاسية هي ان الاحتجاجات السلمية والانتفاضة المسلحة والعقوبات الغربية فشلت في تعويق الاسد الذي بسط سلطته من خلال اللعب على مخاوف طائفته العلوية والاقليات السورية الاخرى بشأن مصيرهم اذا نجحت الانتفاضة التي يهيمن عليها السنة. وقال نيكولاس فان دام وهو مؤرخ هولندي للسياسة السورية ودبلوماسي سابق "النظام مازال يسيطر على السلطة بقوة." وأضاف "الطائفية وسيلة اساسية بالنسبة للنظام وتجعله أقوى فعليا. الموالون للرئيس داخل قوات الامن (التي يقودها العلويون) ربما يشعرون الان بتضامن أكبر من ذي قبل" مضيفا ان هذا قلل فرص وقوع انقلاب داخلي ضد الاسد. وتابع قوله "لا أعلم كيف يمكن اسقاط هذا النظام بدون عنف لكن اولئك الذين لديهم الاستعداد لاستخدامه يفتقرون للقدرة." (إعداد رفقي فخري للنشرة العربية - تحرير مصطفى صالح)