خلال عام من الانتفاضة ضد الرئيس السوري بشار الاسد ظهر المجلس الوطني السوري باعتباره الصوت الدولي للانتفاضة لكنه لا يستطيع قيادتها على ما يبدو. واستطاع المجلس الذي يعد جماعة المعارضة الرئيسية في المنفى أن يسمع صوته للقوى العالمية في شتى أنحاء العالم ويردد بعض المتظاهرين المناهضين للاسد في سوريا هتافات مؤيدة له. لكن لا يزال يتعين عليه أن يظهر قيادة حقيقية للشارع السوري حيث يصر نشطاء على مستوى القواعد على أنهم قادرون على قيادة الاحتجاجات وصراع مسلح بمفردهم. وقال أبو يزن وهو ناشط من حمص معقل المعارضة "الشعب السوري قادر على قيادة ثورته ضد النظام بنفسه." وتابع "مهمة المجلس الوطني السوري هي أن يتحرك بناء على طلبات الشارع وأن يحصل على دعم الخارج للثوار." وجرى التركيز بشدة على الشكوك التي تكتنف سلطة المجلس الوطني السوري في الداخل قبل اجتماع لمجموعة "أصدقاء سوريا" الذي سيعقد في تونس يوم 24 فبراير شباط وتنظمه جامعة الدول العربية في محاولة لبناء زخم دولي ضد الاسد. ويأمل المجلس الوطني السوري أن يتوجه اعتراف الدول العربية به كحكومة منتظرة للمعارضة السورية تماما مثلما فعل الاعتراف الخارجي للمجلس الانتقالي الليبي العام الماضي والذي ساعد المعارضة في نهاية المطاف على الاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي. ولكن بعد مرور 11 شهرا في أدمى انتفاضات الربيع العربي حيث سقط أكثر من خمسة الاف قتيل تخشى القوى العربية من أن تلقي بثقلها وراء جماعة معارضة لا تزال منقسمة وغير قادرة على ادارة دفة الاحداث على الارض. وظل المجلس الوطني السوري على مدى أشهر غامضا في رأيه بشأن التدخل الخارجي قبل أن يجبره في النهاية متظاهرون يطالبون بمساعدة خارجية فيما تتعرض احياؤهم للقصف بالمدفعية الثقيلة على اتخاذ موقف أكثر قوة. ولكن بعض أعضاء المجلس يقولون انه لا يزال يعاني من انقسام داخلي بشأن هذه القضية وانه كافح لتسوية خلافات مع بعض جماعات المعارضة الاقل أهمية التي ترفض ذلك الموقف كلية. وقال سفير دولة عربية في الجامعة العربية "تخشى دول الخليج ودول أخرى عربية وغير عربية تريد الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي حدوث انقسامات داخل المعارضة ويتحول الاعتراف بالمجلس الى نقطة ضعف للمعارضة بدلا من أن يكون نقطة ضغط على النظام." وقطعت الجامعة العربية في الاونة الاخيرة العلاقات مع دمشق بموقف قادته دول الخليج العربية السنية الغنية التي تحرص على اضعاف نفوذ ايران الشيعية المنافسة التي تقيم تحالفا وثيقا مع سوريا. والان تسعى الجامعة العربية لايجاد وسيلة لدعم الانتفاضة ووعدت بتقديم "دعم مادي" قد يتضمن امدادات الاسلحة لمقاتلي المعارضة المحاصرين والذي يواجهون قوات الاسد التي تتفوق عليهم من حيث التسليح والافراد. ويقول بعض المحللين ان المجلس الوطني الانتقالي يظل بالرغم من ضعفه قوة ضرورية بالنسبة للمعارضة داخل سوريا. وقال باراك بارفي من مركز نيو أمريكا فونديشن "النشطاء يعرفون أنهم لا يستطيعون التأثير على السياسة لذا فانهم مستعدون للسماح للمجلس الوطني السوري بأن يلعب ذلك الدور في الخارج لانهم لا يستطيعون لعبه." ولكن عدم قدرة المجلس على قيادة هؤلاء النشطاء وتشكيل حركة موحدة يجعل من الصعب على مجموعة الدول التي تدرس تمويل المعارضة الوقوف وراء المجلس. قال السفير لدى جامعة الدول "هناك محاولات لتوحيد المعارضة لكنها الى الان لم تثمر ما نصبو اليه." وأضاف "الكرة الان في ملعب المعارضة" السورية. والامر الاكثر صعوبة هو أن الاعضاء الاكثر شهرة في المجلس كانوا في المنفى قبل الانتفاضة وليس لديهم أتباع في الداخل. ويقول كثير من النشطاء في سوريا ان اسماء كثير من أعضاء المجلس لا تعني الكثير بالنسبة لهم ولا تثير أي احساس لديهم بالولاء. والقوى الخارجية على علم بهذا. قال مسؤول خليجي لرويترز "بعض أعضاء المجلس الوطني السوري لم يعيشوا في سوريا منذ سنوات ولا يمثلون الواقع على الارض ومن ثم فان الاعتراف بهم كحكومة لن يكون أمرا سهلا." ويرد المجلس بأنهم يبنون قاعدة محلية أكبر. قال وائل مرزا الامين العام للمجلس الوطني السوري ان لديهم أسماء في المجلس التنفيذي للمجلس الوطني يعملون معهم ويعيشون في الداخل لكنهم لا يستطيعون الاعلان عنهم لحمايتهم. ويقع على المجلس الآن عبء اثبات أنه يحظى بتأييد داخلي وسعى مؤخرا الى تعزيز العلاقات مع قوى المعارضة التي تعرف باسم الجيش السوري الحر. ويأمل المجلس الوطني السوري أن يكون القوة القادرة على تقوية الهيكل الفضفاض للمعارضة والمنشقين على الجيش الذين يتمتعون الآن بتأييد واسع من المحتجين. انها معركة شاقة. ووصف رياض الاسعد قائد الجيش السوري الحر المجلس الوطني السوري بأنهم "خونة" في مقابلة تلفزيونية الاسبوع الماضي لانهم لم يقدموا للمعارضة بعد الاموال والامدادات التي وعدوا بتقديمها. والاسوأ أن المعارضة أيضا جماعة مفككة مثل المجلس الوطني الذي لا تمتلك قاعدته في المنفى سيطرة على المقاتلين داخل سوريا. هناك أساسا زعيمان بين ضباط الجيش المنشقين ويقيمان الان في تركيا وهما قد يكونا متنافسين. العقيد رياض الاسعد وهو منشق منذ قترة مبكرة شكل الجيش السوري الحر وهو قائد العمليات. واللواء مصطفى الشيخ الذي انشق مؤخرا ويرأس مجلسا عسكريا جديدا لتنظيم الضباط المنشقين. وهذه الحسابات لا تهم كثيرا المقاتلين على الارض الذين يتركون عادة للعمل بما لديهم من معدات لان الاتصالات من خلال الانترنت والهواتف مقطوعة في أنحاء كثيرة من البلاد. وكثيرا ما يشن المقاتلون هجمات تتعارض مع البيانات القادمة من أعلى. وقال عضو في المجلس الوطني طلب عدم الكشف عن اسمه "انهم لا يستطيعون أولا يستمعون لقادتهم في الخارج والمجلس الوطني يحتاج حقا أن يفعل شيئا ازاء هذا... ولكننا أيضا غير منظمين مثلهم ولا يمكننا عمل الكثير." ويعرف المعارضون والنشطاء في سوريا أن الطبيعة المفتتة لشبكاتهم عائق أمام الدعم الخارجي ولكنهم يردون بأن ذلك أيضا هو مصدر الحماية الوحيد لديهم في مواجهة أجهزة المخابرات الموالية للاسد التي تسعى لاختراقهم وتستبعد أيضا أي قيادات محلية تظهر بأغتيالها. وقال مقاتل من المعارضة طلب عدم الكشف عن اسمه "ليس لدينا خيار سوى العمل على المستوى المحلي هكذا. ففي كل مرة ينشق فيها مجموعة من الجنود فان الامر قد يستغرق شهورا لتحديد ما اذا كان يمكن الثقة فيهم الى حد يكفي للتعاون." وأضاف "عدم التنظيم أمر محبط لكنه يحمينا أيضا." وفي الواقع فان من يديرون الاحتجاجات في سوريا هم شبكة من اللجان المحلية واسعة الانتشار ويعملون على المستوى المحلي وفي سرية غالبا شأنهم شأن المعارضة. قال عدنان الذي كان يتحدث من خلال خدمة سكايب للاتصال عن طريق الانترنت من محافظة درعا مهد الانتفاضة "بالنسبة لمن يعملون من أجل الثورة هنا فان الشخص الوحيد الذي يعرف أنهم نشطاء هم زوجاتهم." وأضاف "انها مشكلة كبيرة لكنني لا أعرف كيف يمكننا حلها يجب أن تكون عملية تدرجية." ويعاني المجلس الوطني السوري أيضا من شكوك بسبب عضوية اسلاميين فيه. البعض يخشى من سيطرة جماعة الاخوان المسلمين السورية المحظورة. وقال عضو علماني في المجلس ان أكثر من نصف أعضاء المجلس اسلاميون. وينفي الاخوان المسلمون هذا. وقال ملحم الدروبي وهو قيادي في الاخوان وعضو في المجلس الوطني ان الاسلاميين يشكلون 30 بالمئة فقط من أعضاء المجلس. وأضاف أن عضوين من أعضاء المجلس التنفيذي التسعة اسلاميون. ورفض مخاوف من أن الاسلاميين لديهم نفوذا قويا وقد يروعون الاقليات الدينية أو العلمانيين. وقال الدروبي ان الاخوان يؤمنون بالتعددية وبحق كل حزب في أن يكون له خطة سياسية وأن الشعب هو الذي سيقرره ما يفضله هذه هي الديمقراطية وأن الاخوان المسلمين قالوا بوضوح انهم يريدون دولة مدنية. لكن البعض يردون بأن "الدولة المدنية" عبارة غامضة تستهدف التغطية على الخلافات والافتقار الى خطة سياسية واضحة. وبالنسبة للدول العربية التي تدرس الاعتراف بالمجلس الوطني فان مؤتمر تونس قد يكون مؤشرا على ما اذا كانت المعارضة ستتوحد أم أنها ستظل متفرقة. من ايريكا سولومون وأيمن سمير