على الصفحة الثلاثين من صحيفة الصنداي تلغراف البريطانية الصادرة اليوم نطالع تحقيقا مفصَّلا يتناول الأزمة التي تعصف بسورية منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية فيها ضد النظام في الخامس عشر من شهر مارس/آذار الماضي، ولكن هذه المرَّة من زاوية إنسانية لا يغيب عنها شبح العنف والطائفية. فتحت عنوان الصراع السوري يمزِّق عائلة ويشتِّت شملها ، نقرأ تحقيقا ميدانيا أعدَّته مراسلة الصحيفة من منطقة عكَّار في لبنان، راث شيرلوك، وتروي من خلاله قصَّة هيثم محمَّد، وهو ضابط برتبة رائد ويقول إنه انشقَّ مؤخَّرا عن الجيش السوري ليلتحق بالمسلَّحين الذين يسعون للإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وترفق الصحيفة التحقيق بصورة للرائد هيثم بلباسه العسكري، وهو يتأبَّط بندقيته الأمريكية إم سكستين (M16)، وقد وضع إصبعه على الزناد، وأخفى وجهه في محاولة بكوفيَّة حمراء مرقَّطة حماية لأسرته البعيدة عنه وراء الحدود، كما يقول. أمََّا علاقته بأسرته الصغيرة تلك، فهي أصل الحكاية. فالرائد هيثم يعيش في صراع كبير وأزمة داخل الأزمة منذ أن قرَّر مؤخَّرا هجر أسرته والفرار من الجيش السوري ليلتحق بما بات يُعرف ب الجيش السوري الحر الذي يسعى مع المعارضة للإطاحة بنظام الأسد. وبعيدا عن منزل الأسرة، وعلى الجانب اللبناني من الحدود ينزوي الرائد هيثم الآن وجمع من رفاقه في منزل صغير في عكَّار الواقعة بالقرب من الحدود مع سورية، وهي من المناطق التي باتت تشكِّل ملجأً ونقطة تجمُّع لسوريين آخرين غيره يلتقون فيها ليتعارفوا ويخطِّطوا ويستعدُّوا للانقضاض على النظام السوري من هناك. تبدأ الصحفية تحقيقها بالقول: بينما كان الرائد هيثم محمَّد يستعدُّ للعودة إلى سورية من مخبأه في لبنان والقتال للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، اتَّصلت به زوجته مرارا على هاتفه الخليوي من داخل سورية . يقول التحقيق إن الزوجة لم تكن تتَّصل بزوجها لكي تحثَّه على القتال من أجل الحرية ضد نظام الأسد، أو حتَّى للاطمئنان عليه ولتنبيهه لضرورة أن يكون حذرا، بل كان الاتِّصال لسبب آخر مختلف كليَّا. فالرائد هيثم من الطائفة السنيَّة، وزوجته وأم أولاده من الطائفة العلويَّة التي ينتمي إليها الأسد. وقد اتَّصلت الزوجة بزوجها، تقول الصحيفة، لكي تصبَّ جام غضبها على الجيش السوري الحرِّ المنشقِّ الذي التحق به زوجها لتوِّه، ولتعبِّر له عن حسرتها على حقيقة أنه تخلَّى عن أسرته وتركها لتواجه الأزمة لوحدها. وينقل تحقيق الصنداي تلغراف عن الرائد هيثم قوله: تتَّصل بي كلَّ ساعتين لتخبرني كم أنَّ الأمر مروِّع أن يقوم المتظاهرون الإرهابيُّون ، كما تصفهم، بقتل الجنود العلويِّين . تقول الصحيفة إن الرائد هيثم، الذي يبلغ من العمر 42 عاما، متزوِّج من زوجته العلويَّة منذ 15 عاما، وذلك مذ وقع بغرامها لأوَّل مرذَة وقعت عليها عيناها عندما التقاها أثناء ركوبهما الحافلة (الباص) معا . وهناك في مخبئه السرِّي المنعزل في عكَّار اللبنانية، فتعود إلى هيثم ذكريات الشباب يوم راح يغازل فتاته الحسناء، لينجح في نهاية المطاف بإقناعها بالزواج منه سرَّا، مخاطرا بذلك بحياتهما الاثنين معا، لطالما استشاط أفراد عائلتها غضبا عندما علموا أنَّ ابنتهم على علاقة بشاب من خارج الطائفة. إلاَّ أن الحبَّ الحقيقي، يقول هيثم من وراء الكوفية الحمراء التي غطَّت تقريبا كامل رأسه، هو الذي تغلَّب عندما غزا قلبيَّ الحبيبين اللذين تكلَّل حبُّهما بزواج أثمر عن طفلين: صبيّ يبلغ الآن من العمر 14 عاما، وفتاة عمرها 11 ربيعا. يتذكَّر هيثم بحنانٍ سنوات زواجه الأولى تلك فيقول: لقد عشنا بسعادة وهناء في حيٍّ علويٍّ في مدينة حمص لمدََّة أربعة أعوام . لكن خريف تلك العلاقة، يقول هيثم، بدأ مع أولى نسمات الربيع العربي التي هبَّت على المنطقة ووصلت ربوع البلاد، وكان لحمص منها النصيب الأكبر، مقارنة بالمحافظات السورية الأخرى. يقول التحقيق إن الخلافات الدينية بين الزوجين بدأت تترك آثارها على الأسرة مع مرور الزمن، وهكذا أخذت تلك الخلافات تعصف بالعلاقة بينهما لتمزِّقها في نهاية المطاف وتتشتَّت معها أسرة كانت حتَّى الأمس القريب تعيش بسعادة وهناء، بعيدا عن السياسة والطائفية. ويخشى الرائد هيثم الآن من أنَّه قد لا يتمكَّن أبداً من رؤية أسرته مرَّة أخرى، وإن حدث والتقيا فلن يكون اللقاء لقاء الزوج والأب المحبِّ بزوجته وبأبنائه. ويضيف: زوجتى تحبُّ الجيش، وتحبُّ بشار الأسد. هي تشاهد تلفزيون الدولة، وتشعر بالحزن والأسى عندما ترى الجنود وعناصر الأمن التابعين للدولة يُقتلون كلَّ يوم . يقول الرائد هيثم إن زوجته، والتي رفض الكشف عن اسمها حماية لها ، كما يقول، تصدِّق كلَّ ما يقوله التلفزيون الرسمي السوري عن الأحداث في البلاد، وكذلك تفعل أسرتها والطائفة أيضا. أمَّا هو، وعلى الرغم من أنََّه ضابط كان يحظى بظروف معيشية جيَّدة وبمركز اجتماعي مرموق مقارنة بغيره من السوريين، فقد اختلف معها في نظرته إلى ما تشهدها البلاد من تطوُّرات وأحداث، لاسيَّما وأنَّه رأى واقعا مختلفا في الشارع. ويتابع الرائد هيثم قائلا: في كلِّ يوم كنت أعود فيها إلى البيت لأشرح لها ما يحصل على نقاط التفتيش. كنت أقول لها إنه من الخطيئة أن يقتل الشبِّيحة المتظاهرين. لكنها لم تكن تفهم ما الذي يعنيه مفهوم الشبيحة، ولم تكن تتَّفق معي، بل كانت ترتبك وتقول إنها ضد القتل . ويؤكِّد الرائد هيثم أنه مصمِّم على متابعة النضال والقتال، وذلك على الرغم من أنه يعلم أن مواصلة السير في ذلك الطريق يعني الحرب الأهلية بالنسبة للبلاد برمَّتها. وبالتالي فإن ذلك يعني أيضا خسارته لأسرته للأبد. ويختم الرائد هيثم حديثه للصحيفة قائلا: أشعر أنَّني قد خسرتهم، وأنا أخاف عليهم، ولهذا فأنا أبكي كلََّ يوم. وبالإضافة إلى قصَّة الرائد هيثم وأسرته، والتي تلخِّص قصص وأحاسيس العديد من السوريين الآخرين الذين يعيشون التفاصيل المؤلمة للأزمة التي تعصف ببلادهم ويواجهون انعكاساتها المريرة كل يوم، فإننا نطالع أيضا في صحف الأحد عددا آخر من التحقيقات والتقارير والتعليقات التي تتناول الشأن العربي وقضايا أخرى محلية ودولية. فعلى الصفحة السابعة والثلاثين من صحيفة الصنداي تايمز نطالع تحقيقا عن حزب الله اللبناني الذي تقول الصحيفة إنه أخفى تفاصيل تتعلَّق بالثروة الكبيرة التي جمعتها وفاء مغنيَّة، زوجة عماد مغنيَّة، القيادي البارز في الحزب، والذي قضى جرَّاء تفجير سيارته في العاصمة السورية دمشق في عام 2008. وعلى الصفحة نفسها، نطالع أيضا تحقيقا عن الدور التركي المتنامي في منطقة الشرق الأوسط، وعن نأي الأتراك بأنفسهم عن الأزمة المالية الكبيرة التي تضرب دول الاتحاد الأوروبي، النادي الذي طالما حلمت تركيا طويلا بالانضمام إليه. وكان للشأن الروسي أيضا حضوره البارز في صحف اليوم التي حفلت بالعديد من التقارير والتحقيقات والصور التي تظهر آلاف المتظاهرين الروس الذين ملأوا ميادين العاصمة موسكو ومدنا أخرى في البلاد احتجاجا على ما اعتبروه عمليات تزوير وخروقات شابت الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد مؤخَّرا. إلاَّ أن أصداء القرار التاريخي الذي اتخذه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بعرقلة التوقيع على معاهدة جديدة ناظمة لدول الاتحاد الأوروبي، فتحظى بنصيب الأسد من تغطية صحف اليوم، والتي ركََّزت على الانتقادات الأوروبية للموقف البريطاني واعتبارهم له تخليَّا بريطانيا عنهم في زمن الصعاب. وكان لموقف كاميرون من مشروع المعاهدة الأوروبية الجديدة نصيب وافر من المساحات المخصَّة للرسوم الكاريكاتيرية الساخرة في صحف اليوم. فعلى الصفحة 40 من الإندبندنت نطالع رسما تظهر فيها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وهي تقود سيارة إسعاف وإلى جانبها يجلس الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي حزينا شاردا. وعلى النقَّالة وراءهما يستلقي شخص مريض تظهر بجانبه علامة العملة الأوروبية الموحَّدة (اليورو)، كناية عن المصاعب المادية الجمَّة التي تواجهها دول الاتحاد الأوروبي. ويظهر في الرسم ساركوزي وهو ينظر شذرا من نافذة السيارة إلى عربة فارهة تسير بجانبه سيارة الإسعاف التي يستقلُّها، وقد بدا له جمع من البريطانيين رفع أحدهم شارة النصر، وفي المقعد الأمامي يجلس كاميرون وقد أدار ظهره ومؤخِّرته لساركوزي وميركل. أمَّا على الصفحة 26 من الصنداي تلغراف، فنطالع رسما كاريكاتريا آخر يظهر فيه كاميرون وهو يجدِّف بقارب نجاة في بحر متلاطم الأمواج ومن ورائه تظهر سفينة كأنََّها التيتانيك قُبيل غرقها. أمَّا لسان حال كاميرون فكأنَّه يقول: هذا أفضل . ولا أدري ما الذي يعنيه بالأفضل: أهي نجاته هو، أم هو غرق سفينة الاتحاد الأوروبي.