اقبل التونسيون بكثافة وبهدوء وتأثر الاحد على مراكز التصويت في اول انتخابات حرة في تاريخ البلاد لاختيار اعضاء مجلس وطني تاسيسي، وذلك بعد تسعة اشهر من ثورة "الكرامة والحرية" التي اطاحت بنظام زين العابدين بن علي ودشنت "الربيع العربي". وبدأت مكاتب الاقتراع التي فتحت في الساعة 07,00 (06,00 ت غ) تغلق ابوابها كما هو مقرر عند الساعة 19,00 (18,00 ت غ). ولم يسمح الا لمن دخل المكاتب المقامة معظمها في مدارس، قبل موعد الاغلاق، بالادلاء بصوته. وسجلت نسبة مشاركة عالية. واعلن كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قبل ساعتين ونصف ساعة من اغلاق مكاتب الاقتراع ان نسبة المشاركة في الانتخابات "تقارب 70 في المئة". واضاف ان اعلان النتائج النهائية الذي كان مقررا الاثنين لن يتم الا بعد ظهر الثلاثاء. واوضح الجندوبي في مؤتمر صحافي في تونس العاصمة "سنحاول جمع النتائج اعتبارا من الاثنين لكن النتائج الرسمية سيتم الاعلان عنها بعد ظهر يوم الثلاثاء خلال مؤتمر صحافي". وقال الجندوبي ان هذا اليوم الذي شهد اول انتخابات حرة في تاريخ تونس "هو يوم رائع" و"يوم احتفال بالثورة" التونسية . واضاف في تصريحات للتلفزيون التونسي ان التونسيين لم يجدوا الوقت للاحتفال بثورتهم التي اطاحت في 14 كانون الثاني/يناير الماضي بنظام زين العابدين بن علي، وان انتخابات المجلس التاسيسي اليوم تمثل "يوم احتفال بالثورة ومناسبة لتذكر شهداء الثورة في تونس التي مكنتنا من صنع الديمقراطية". وهنأ الرئيس الاميركي باراك اوباما "ملايين التونسيين" الذين اقبلوا بكثافة الاحد على اول انتخابات حرة في هذا البلد الذي "غير مجرى التاريخ واطلق الربيع العربي". وقال اوباما في بيان "اليوم، بعد اقل من عام على إلهامه العالم، انجز الشعب التونسي خطوة مهمة الى الامام. اهنىء ملايين التونسيين الذي صوتوا في اول انتخابات ديموقراطية في البلاد التي غيرت مجرى التاريخ واطلقت الربيع العربي". واضاف ان "الولاياتالمتحدة تعيد تأكيد التزامها نحو الشعب التونسي بينما يمضي قدما نحو مستقبل ديموقراطي يمنح الكرامة والعدالة وحرية التعبير والفرص الاقتصادية الاوسع للجميع". ولم يتوقف تقاطر الناخبين على مكاتب التصويت طوال اليوم. ومنذ الصباح الباكر بدات تتشكل طوابير طويلة امامها. وفي العاصمة كما في باقي مناطق البلاد، اقبل التونسيون على التصويت في اول انتخابات حرة تعددية في تاريخهم، بهدوء وسط مشاعر فخر. وقالت ربيعة دلهومي والدموع في عينيها "اصوت في هذا اليوم وافكاري تتجه الى زوجي الذي فدى الوطن الغالي وحريتنا بروحه". وهي احدى ارامل 22 من "شهداء ثورة الكرامة والحرية" في القصرين (وسط غرب) التي قدمت اكبر عدد من ضحايا قمع نظام بن علي للانتفاضة التي انطلقت من مناطق الوسط الغربي الفقير والمهمش. ولم يخف عبد الله الزيدي (66 عاما) فخره بالحدث الكبير. وقال وهو يقف امام مكتب اقتراع في الحي الاولمبي بالعاصمة "ولدت في الاول من نيسان/ابريل 1945. وحياتي كلها كانت كذبة ابريل، لكن هذه المرة جئت لامارس حقي واقوم بواجبي". ورغم الم في الساقين حرص على الوقوف في الطابور وقال "عرض علي ان اجلس لكني لم ارد. اريد التصويت مثل الجميع وانا اقف". وحتى بعد الظهر لم تشر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ولا المراقبون الاجانب الى اي مشاكل كبيرة في سير عملية الانتخاب. وقال مايكل غاهلر رئيس بعثة مراقبي الاتحاد الاوروبي لوكالة فرانس برس "لم نلحظ اي مشكلة كبيرة لكن بعض التاخير بسبب صعوبة لاقاها بعض الناخبين في العثور على مكتب الاقتراع". واشار الجندوبي من جانبه الى بعض "التجاوزات" لافتا خصوصا الى ضغوط استهدفت "ناخبين اميين" ورسائل نصية قصيرة ارسلت لتوجيه تصويت البعض، من دون ان يشير الى اي جهة او حزب معين. وشدد على ان الانتخابات جرت بهدوء ولم يسجل اي حادث. وانتخابات الاحد مصيرية في تونس. لكنها بالغة الاهمية ايضا لمستقبل الربيع العربي اذ ان نجاحها سيوجه رسالة ايجابية للجماهير العربية التي انتفضت على حكامها اثر "ثورة الكرامة والحرية" في تونس. وقد تزامن موعد انتخابات المجلس التاسيسي في تونس مع اعلان "التحرير الكامل" لليبيا المجاورة بعد ثلاثة ايام من مقتل معمر القذافي. وادلى قادة ابرز الاحزاب السياسية صباحا باصواتهم. واكد راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الاسلامي الذي يتوقع ان يحصل على افضل نتيجة في الانتخابات، بعد تصويته في المنزه بالعاصمة ان هذا الاقبال الكثيف يترجم "تعطش الشعب للديموقراطية". واكد الرئيس التونسي الموقت فؤاد المبزع قبل ان يصوت في قرطاج شمال العاصمة ان "الشعب التونسي سيبني ديموقراطية حقيقية". ومن الرهانات الاساسية في هذه الانتخابات النسبة التي سيحصل عليها حزب النهضة الاسلامي والمقربون منه وابرز قوى الوسط واليسار وهو ما سيحدد موازين القوى في المجلس التاسيسي وخريطة التحالفات فيه وبالتالي مستقبل السلطة والمعارضة في تونس. كما تشكل نسبة المشاركة في الانتخابات احد رهانات هذا الاقتراع في بلد اعتاد منذ استقلاله في 1956 على انتخابات معروفة النتائج سلفا كانت تنظمها وزارة الداخلية. ويختار الناخبون اعضاء المجلس التاسيسي ال217 من بين اكثر من 11 الف مرشح موزعين على 1517 قائمة تمثل ثمانين حزبا سياسيا و"مستقلين" (40 في المئة). وتم نشر اكثر من اربعين الف عنصر من الجيش وقوات الامن لتامين الاقتراع الذي تابعه اكثر من 13 الف مراقب محلي واجنبي. وكانت الانتخابات فقدت كل معنى في ظل حكم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة (1956-1987) ولم تكن الا اجراء شكليا في عهد بن علي (1987-2011) الذي كان يعاد انتخابه المرة تلو الاخرى بنسب تتجاوز تسعين في المئة. ويتحقق هذا اليوم التاريخي في تونس بعد الثورة التي اطلق شرارتها في 17 كانون الاول/ديسمبر الماضي محمد البوعزيزي البائع المتجول الشاب في سيدي بوزيد (وسط غرب) في حركة احتجاجية يائسة تحولت ثورة شعبية اطاحت بنظام بن علي في 14 كانون الثاني/يناير الماضي. وامتدت شرارة الثورة التونسية الى محيطها العربي الذي لا تزال تتفاعل فيه الحركات الاحتجاجية الشعبية. ويبدو حزب النهضة الاسلامي اكثر المستفيدين من الثورة بعد القمع الذي عاناه انصاره في عهد بن علي، فتم الاعتراف به في آذار/مارس ليعيد تنظيم صفوفه سريعا ويتصدر نوايا التصويت بحسب الكثير من المتابعين. ويؤكد الحزب انه مع اسلام معتدل وانه لن يمس بمكاسب تونس الحداثية وخصوصا قوانين المرأة، كما وعد بتشكيل حكومة وحدة وطنية اذا حاز الغالبية. ورغم عجزها عن الاتفاق على تشكيل جبهة ضد الاسلاميين، فان احزاب اليسار الكبرى وعدت باليقظة الدائمة للدفاع عن الحريات المكتسبة وقوانين المرأة. وتبدأ عملية فرز الاصوات فور اغلاق مكاتب الاقتراع وانتهاء تصويت من في داخلها ويتوقع بدء صدور النتائج الجزئية تباعا اعتبارا من مساء الاحد.