حان وقت النزهة والسياحة في اليوم التالي لزيارتي لطهران ، كان لابد من زيارة قمم الجبال الشاهقة والتمتع برؤية الثلوج والسير فوقه والجو شديد البرودة علما أنني آت من عمان وما أدراك ماجو عمان في هذا الوقت من العام شديدة الحرارة والرطوبة وكثير من العمانيين يقصدون طهران المجاورة للتمتع بالجو البارد والثلوج بعيدا عن هذا القيظ الخليجي ....... ولكن كيف سنصعد هذه الجبال الشاهقة الارتفاع ؟ إنه التلفريك نعم أخيرا تحقق حلم من أحلامي السياحية وهي ركوب التلفريك والتجول في أحضان الجبال الشاهقة ... ركبت التلفريك وظل لمدة 20 دقيقة كاملة يتسلق قمم الجبال ونقترب شيئا فشيئا من الثلوج شديدة البياض إلى أن وصلنا لخط النهاية وإذا بك في بلد آخر ، فالجو شديد البرودة ولكنها برودة لذيذة وتحتمل ، تمتعنا بالجو ودخلنا أحد المطاعم فوق أعلى قمم الجبال حيث تقدم لك معظم المقاهي هنا شرائح البطيخ والأناناس والفواكه الطبيعية المثلجة المسكرة بطريقة عجيبة خاصة البطيخ الإيراني رخيص الثمن يفوق البطيخ المصري الشهير....ولكن للأسف كان الثلج مازال بعيدا فلقد انحسر كثيرا في شهور الصيف واخبرونا أنه في الشتاء يغطي جميع طهران جبالا وسهولا وأسقف المنازل والشوارع .... هبطنا من ذرى الجبال بالتلفريك بينما اندهشت وانا أنظر تحتي وأرى عشرات الايرانيين بمختلف الأعمار يصعدون هذه الجبال شاهقة الارتفاع على أرجلهم الأمر الذي فسر لي رشاقة الايرانيين رجالا ونساء فلا وجود لامرأة بهنش ولا رجل بكرش وسط جموع الإيرانيين الا فيما ندر .. دعك من كل هذا ، نأتي للشيء المهم الأكثر إثارة إنه زيارة ما لم أصدق بوجوده في إيران منذ أن كنت صبيا صغيرا وأنا أسمع عنه ولا أتخيله ... نعم أنه الشارع الطويل الذي سمي باسم قاتل الرئيس المصري محمد أنور السادات وصورته الكبيرة المرسومة له تمجيدا لفعلته المشينة ! ،، هذا الشارع وتلك الصورة التي كانت سبب توتر العلاقات المصرية الايرانية على مدى عشرات السنوات وكان شرط مصر الأول لإعادة العلاقات مع طهران هو تغيير اسم شارع خالد الاسلامبولي قاتل السادات ، الأمر الذي رفضته طهران بغباء شديد يساوي غباء تمجيد قاتل رئيس دولة أخرى مسلمة ، إنه التخلف السياسي الإيراني الذي أرفضه بشدة ناهيك عن مذهبهم الشيعي المريب ،،، وليس حرصي على زيارة هذا الشارع الشهير وأخذ صورة بجوار صورة خالد الاسلامبولي كرها في السادات مثلا أو تأييدا لقتله ، فالكثير يعلم حبي للرئيس السادات واعتباره أفضل حاكم حكم مصر في العصر الحديث حيث أعاد لنا كرامتنا المهدرة بعد هزيمة 67 المذلة ..... ولكنه حدث لايمكن تفويته ، فرأيت الشارع رأي العين وأخذت لقطة مع صورة خالد الاسلامبولي وهو يرفع المصحف قائلا " قتلت فرعون مصر " !!! وذلك بسبب اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل التي يعتبرونها أشر أقوام الأرض ... حينئذ غلبت عليّ الوطنية وطغت على رغبتي في المعرفة ؛ فكرهت إيران شعبا ودولة أنذاك .....
ولكن من العجيب إنني عندما كنت أتسوق ويعرف الباعة الإيرانيون كبار السن بالذات أني مصري وجدتهم يحبون الرئيس السادات ويقولون إنه أفضل حاكم عربي مصري !!! ، وفي المقابل لايحبون الرئيس جمال عبد الناصر طبعا لأنه كان ذا توجه قومي لا إسلامي ، ويحتقرون الرئيس محمد مرسي حيث صدموا به بعد أن أيدوه في البداية إلى أن زار طهران ووقف في مجلس الشعب بتاعهم و" ترضى " على الصحابة " أبو بكر وعمر بن الخطاب " في عقر دار الشيعة الايرانية ، الأمر الذي اعتبره البعض عملا بطوليا والبعض الآخر اعتبروه غباء سياسيا من الدرجة الأولى ، وأنا شخصيا أميل للرأي الثاني !!! أما الرئيس السيسي فهو لايشغل كثيرا من اهتمامهم إلا أن بعضهم يعتبرونه بطلا لأنه خلصهم من محمد مرسي وأخوانه الذي أهان تشيعهم ، وبعضهم يكروهونه لما يصفونه بأنه ارتمى في أحضان أمريكا عدوهم اللدود بعد إسرائيل .....
بقي أن أزور شارعا آخر لم أعرف بوجوده إلا من السائق المرشد السياحي العراقي أبو أحمد إنه شارع " سليمان خاطر " وأعتقد الجيل الحالي لايعرفون من هو سليمان خاطر ، إنه جندي مصري على الحدود قتل عددا من الاسرائيليين عندما أهانوه وسخروا منه ففتح النار عليهم مما تسبب في أزمة سياسية خطيرة مع إسرائيل ولم ترتاح إسرائيل حينذاك إلا بعد أن أعلن عن انتحاره مشنوقا داخل زنزانته ، الأمر الذي شكك في صحته كثيرون واعتبروا سليمان خاطر بطلا قوميا من حينها . إذن بربط تسمية الشارعين باسم خالد الاسلامبولي وسليمان خاطر هو عداؤهم الشديد لإسرائيل سواء بتمجيد قاتل السادات بسبب كامب ديفيد أو تمجيد سليمان خاطر قاتل الاسرائيليين فكلاهما في نظر إيران بطلا !!!!
شارع ثالث فوجئت به أراني إياه أبو أحمد السائق الخصوصي وهو شارع " الشيخ محمود كشك " نعم الشيخ كشك ..... تعجبت جدا من هؤلاء الإيرانيين واهتمامهم بمصر كل هذا الاهتمام حبا وكرها ، إن مصر بالفعل بؤرة اهتمامهم .... ستتيقن من هذا عندما تعرف مدى هيام الإيرانيين بقرائنا للقرآن الكريم المصريين عبد الباسط والحصري والمنشاوي ، إلا أن القارئ الشهير الذي توفي حديثا " راغب مصطفى غلوش " يعد القارئ الرسمي الأول في إيران وهم لايستمعون مطلقا للقراء السعوديين ولايحبونهم خاصة السديس !!!!! فعلا شعرت بالفخر الشديد ببلدي مصر وأنا في عقر دار الايرانيين .فكم من الشعوب تأثرت بمصر على جميع الأصعدة . كم شكلت وجدانهم ، وكم بنت عقولهم ،،، بجد خسارة يامصر أن تخسري تلك المكانة في قلوب وعقول العالمين التي زرعتيها على مر مئات السنين !!!!!