كأي مصري عادي خرجت من بلدي قاصدا بلدا أخري لا للفسحة والسياحة بل ساعيا وراء لقمة العيش ، وأصارحكم القول بأنني في هذا التوقيت لم أكن بحاجة ماسة للعمل في الخارج فالإنسان لا يترك أهله ووطنه ليعيش في غربة إلا للضرورة والحاجة ، فقد كنت بفضل الله عز وجل متزوجا وعندي ولد وبنت ولديَّ بيت يقيني شر الإيجار كما أنني معلم في الأزهر الشريف ،ولستُ مثقلا بالديون ،وهذه أهم الأسباب التي تضطر أي شخص للاغتراب ( بناء بيت ،الزواج ، عدم وجود عمل مستقر ، التخلص من الديون ، الرغبة في تأمين الحياة ) لذا عندما جاءتني فرصة السفر ترددت مرارا وتكرارا في قبولها خاصة أنها لم تكن مميزة ولعل الميزة الكبري فيها هي أنها في السعودية وبالتحديد في الطائف وهي كما تعلمون بالقرب جدا من مكة ومن ثَمَّ كانت فرصة للحج والعمرة ، ولكن عقدت أمري وتوكلت علي الله بعد الاستخارة ومن بعدها الاستشارة ، وقابلت كفيلي حيث يقيم في شقة بالمريوطية لكي يصطاد فرائسه من العمالة المصرية الرخيصة . ويا سبحان الله! لقد كان في مصر أليفا حبوبا مستأنسا ، وبعد أن عاين البضاعة ( أنا ومجموعة من الزملاء) اختار أجودها - من وجهة نظره بالطبع - وأعطانا وعدا بالسفر وفرش لنا الأرض بالورووود لدرجة أننا حسبنا أنفسنا عملة نادرة ، ولم نكن ندري أن هذه طريقته التي تشبه الأفعي في نعومتها ولكن قرصتها بالقبر ، طريقة من يطعم السمكة قبل اصطيادها ثم يفسخ فمها ليخرج السنارة وما علق بها من طُعْمٍ بعد الصيد ، وتمر الأيام وسافرت إلي البلد التي آذت الرسول الكريم وأدمت قدميه وأغرت به صبيانها ( الطائف ) وكانت أُولي الحوادث بعد نزولي مباشرة من مطار جدة الدولي - تاكسي ...... تاكسي .... تاكسي كيفك يا أستاذ تبغي سيارة نعم أكرمك الله ..عاوز أروح للطائف والله أبشر يا أستاذ تفضل معي وحسبت أنه يفعل ذلك تطوعا أو لوجه الله... ولكن.... بمائه .... هه .... ماذا تقصد ؟ أقصد بمئة ريال حق التوصيلة تبعك آه آه .... بس ده كثير لا كثير ولا حاجة يا حبيبي ..اركب ..اركب يا طويل العمر وركبت السيارة وكأني مُنَوَّما ... علي وين رايح في الطائف أستاذ ؟ مدرسة الفهد الأهلية بسيطة وعارفها مثل عيني أبشر ..أبشر ( لم أكره في حياتي كلمة مثل أبشر تلك .... فلم تقل لي إلا وبعدها جاءت المصائب ... ) وظلت السيارة تقطع طرقا وتدخل في شوارع وحديثي لم ينقطع مع الرجل من وين يا أستاذ في مصر من المنصورة أنا رحت مصر كثيرا أكيد سائح أكيد أكيد ... بس الصراحة مصر بلد جميلة ( قالها بخبث لم ألحظه إلا فيما بعد..) طبعا طبعا مصر أم الدنيا ....( قلتها وأنا سرحان شارد...) ههههههه طبعا أم الدنيا والسعودية أبوها ههههههه إيه .... جديدة دي ...؟! فاستطرد: وإيش يفعل الأب بالأم ...ههههههههه هنا فهمت مراده فاستوقفته بقوة عندك ... الزم حدودك ... مصر أم الدنيا بحضارتها وأصالتها وريادتها وووووو فبادرني قائلا: وإيش كمان أستاذ ... لا تعصب أنا أمزح معك يا راجل ، ويا سلام علي بنات مصر وشارع الهرم وفيصل والمهندسين وميدان لبنان ووووو قاطعته : مفيش في مصر حاجة عاجباك غيربنات مصر ومالهم رجالتها!! زين زين وآخر مرجلة ( ثم غيرت مجرى الحديث لأنه يسير في اتجاه اللاعودة خاصة أنني غريب والغريب أعمي ولو كان بصيرا ) لسة كتير علي الطائف ؟ لا لا فركة كعب زي ما بتقولوا يا مصريين قف قف ... فيه سنترال آهوه عاوز أكلم البيت عندي في مصر عشان أطمنهم عليَّ توقفت السيارة ونزلت بابا حبيبي وحشتني والله اجمد يا ابني وصلت بالسلامة الحمد لله .... الغربة مرة أوي إنته لحقت يا ابني ..أمك معاك أهي ماما وحشتيني... وهكذا كلمت كل من في البيت ( دفعت أربعين ريالا ) وأنا أتكلم في السنترال العمومي لم تغب عيني عن السيارة خوفا أن يأخذها السائق ويهرب بما فيها من الحقائب وبعض المال الذي كان معي وتعمدت أن أحفظ رقم السيارة فالاحتياط واجب ... وقد لاحظ السائق ذلك ..... كلمت الأسرة ؟ آه أنت كنت خايف علي أغراضك ؟ لا لا ... علي فكرة إحنا في السعودية مش في مصر قصدك إيه؟! لا لا ولايهمك ( منكم لله يا مصرييين عملتم سمعة مهببة لنا في كل مكان ) كبح الرجل فرامل سيارته وقال لي: حمد ا لله علي السلامة يا أستاذ وصلنا الطائف . صحيح بسرعة كده ونزل السائق وأنزل الحقائب وأخذ أجرته وطار بسيارته وكأنه يهرب من جريمة ... وأخذت حقائبي وسألت أحد المارة: فين مدرسة الفهد الأهلية ؟ في أي مدينة هي؟ في الطائف! خلاص ..اركب للطائف الأوَّل ما احنا في الطائف يا عمي طائف مين يا خوي احنا في جدة بجوار المطار! يا ابن الكااااااااالب !!! وركبتُ سيارة أخري للطائف مع مجموعة من البنجال والآسيويين بثلاثين ريالا فقط ..( منَّك لله يا نصاب صدّيت نفسي من البلد من أول لحظة !) وقف وقف وقف .... كلمة قالها بفزع الراكب السعودي الوحيد الذي كان بجوار السائق فيه إيش ؟! حادثة حادثة علي الطريق فأوقف السائق السيارة ونزل منها ليستكشف الأمر ولكنه عاد سريعا وتبدو علي وجهه أمارات اللامبالاة ولم يلبث أن واصل القيادة وهو يتمتم بكلمات بلكنة سعودية لم يفهمها سوي الراكب الذي بجواره وووو ..... أنا .... ويا ليتني ما فهمت ،سمعته يقول: كلب ومات والله ماله ديَّة ... مصري مصري دفته سيارة مسرعة ووالله يا خوي كنت بحسبه سعودي إييييه الحمد لله!!! قالها وسمعتها وإحباط الدنيا ركبني واسودت الدنيا أمام ناظريَّ ..... شكلها كده هتبقي أيام ......سووووودة ! إلي اللقاء.... لنكمل مادام في العمر بقية...