تحت شعار يقول: «انضم إلى صفنا.. نحن إلى جانب السلام والعدل»، وقف شخصان لطيفان هما مصمم فلسطيني، وعامل اجتماعي إسرائيلي، بالإضافة إلى أطفالهما، ينظرون إلى الملصق الذي ظهر في نفق القطار في نيويورك، الاسبوع الماضي. وتم عرض هذا الملصق بالتزامن مع تقديم الفلسطينيين طلباً الى الاممالمتحدة للاعتراف بفلسطين دولة عضوة في المنظمة الدولية. وكان هذا الملصق يبدو عاديا بالنسبة للعين الاوروبية، وربما انه لا يستحق عناء الرؤية، لكن في مدينة تعتبر من أكبر معاقل اليهود في العالم، يعتبر الامر استفزازاً. وفي الحال كان قادة المجتمع اليهودي على شاشات التلفزة يؤكدون ان الملصق «معادٍ لإسرائيل، وربما انه معادٍ لليهود»، بصرف النظر عن حقيقة ان الحملة مدفوعة الثمن من قبل مجموعة تضم بين اعضائها العديد من اليهود، وأنها تطرح قضية شرعية. والامر المثير للكآبة في قضية الشرق الاوسط المعقدة، هو «رعشة الخوف» التي تنزل على أي نقاش في الولاياتالمتحدة بشان مستقبل فلسطين، او دعم الولاياتالمتحدة لاسرائيل. وبمعزل عن تعليقات الصحافة بين الفينة والاخرى، خصوصاً في صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن وسائل الاعلام تظل بعيدة عن انتقاد إسرائيل، في حين يعيش السياسيون في خوف مستمر من التعرض لتصويت اليهود في دولة تكون فيها الانتخابات متقاربة، ولا تفصلها عن بعضها اكثر من عامين. وعندما نشر جون مارشيمر وستيفن والت كتابهما عن اللوبي الاسرائيلي، قبل اربع سنوات مضت، تعرض الكتاب للانتقاد في البداية، ومن ثم جرى التعتيم عليه بصورة كاملة، لدرجة ان فكرة الكتاب التي مفادها أن المؤيدين لإسرائيل شوهوا السياسة الخارجية لأميركا، وأساؤوا للتقاليد الاميركية التي تستند إلى حرية الرأي، لم يتم اختبارها كما ينبغي. ولكن لهذا الخوف تأثير غير عادي، وحتى في هذه الاوقات العصيبة، حيث تتعامل الولاياتالمتحدة مع مشكلة فرط الديون التي بلغت 14 ألف مليار دولار، فإن دافعي الضرائب الاميركيين يواصلون دفع ثلاثة مليارات دولار سنوياً مساعدات عسكرية لاسرائيل، ويضمنون سيطرة إسرائيل الدائمة في المنطقة. وعند مشاهدة مراسلي التلفزة وهم يتحدثون عن قصة الاعلان في نفق القطار، ويركزون على الذي سيتأثر منه، وليس على المليارات الثلاثة، أدركت أن المشكلة لا تتعلق كثيراً بالرأي العام الاميركي، وانما بالافتقار الى هذا الرأي. ومن الواضح أن معظم الاميركيين قرروا أنه من الاسلم عدم التحدث عن إسرائيل، وبناءً عليه يتواصل الدعم غير المشروط من دون أي مراجعة او مناقشة، أو أن يقوم أحد بذكر الفوائد التي تنطوي على هذه المساعدات بالنسبة للامن القومي الأميركي. ويجد أنصار إسرائيل في أوروبا، الذين اعتبر نفسي من ضمنهم، أن شروط هذه العلاقة التي تسير باتجاه واحد، غريبة، ولا يمكن ان تدوم بعد سقوط ثلاثة أنظمة في شمال افريقيا لمصلحة حركات ديمقراطية حقيقية. وقبل عام كان تقديم مثل هذا الطلب من قبل الرئيس (الفلسطيني) محمود عباس إلى مجلس الامن للحصول على العضوية الكاملة، سيبدو غير ناضج كفاية. ولكن في هذه الايام فإنها النتيجة الطبيعية المناسبة للتحرير الذي يكتسح العالم العربي. وقاوم الدبلوماسيون الأميركيون وممثل (اللجنة) الرباعية الدولية، توني بلير، لثني عباس عن محاولته طرح موضوع الدولة الفلسطينية في الاممالمتحدة، مبررين ذلك بالعواقب الوخيمة التي ستحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة عندما لا يتغير أي شيء على الارض. وينظر مئات الملايين من العرب إلى موقف الولاياتالمتحدة من تونس ومصر على سبيل المثال، والى موقفها من فلسطين باعتباره نفاقاً صريحاً، إذ إن هذه الدول العربية كانت تنادي بالحرية والديمقراطية، ولم تطلق أية شعارات معادية للولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا وقفت سفيرة الولاياتالمتحدة في الاممالمتحدة، سوزان رايس، ضد رغبات أكثر من 120 دولة تدعم الاعتراف بدولة فلسطين في حدود عام ،1967 فإننا سنكون واثقين من ظهور نتيجتين على الاقل: الاولى تناقص النفوذ الأميركي في الشرق الاوسط وتزايد عزلة إسرائيل، التي خسرت هذا العام اثنين من اهم حلفائها، هما مصر وتركيا، والثانية: أن التصويت ضد الدولة الفلسطينية سيزيد فرص إيران في تحقيق مأربها، ويسمح لها بدق اسفين بين السعودية والولاياتالمتحدة، الأمر الذي يمكن أن يرحب به البعض، على الرغم من انه لن يكون في مصلحة السلام على المدى البعيد. وقد فشلت إدارة (الرئيس الأميركي) باراك أوباما في جمع الفلسطينيين والإسرائيليين معاً لإجراء مفاوضات مثمرة، ولم تفعل أي شيء، غير أنها سمحت لاسرائيل بزيادة المراوغة في تعاملها مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من اننا نتخوف من النتائج، إلا أن عباس لديه كل الحق في الضغط من أجل مصلحة شعبه هذا الاسبوع. وعلينا أن نتذكر أنه عندما قدمت اسرائيل طلباً لعضويتها في الاممالمتحدة عام ،1949 قالت إن القضايا المتعلقة باللاجئين ووضع القدس، يمكن ان يصبح حلها أسهل عندما تحظى إسرائيل بعضوية الاممالمتحدة بوصفها دولة. وهذا وضع فلسطين بالضبط. عباس يطلب أن تتقابل إسرائيل وفلسطين في المفاوضات كدولتين متساويتين. وليس هناك سبب وجيه لاستخدام حق الفيتو، وسيكون أمراً كارثياً مشاهدة الولاياتالمتحدة وهي تتجه نحو هذا العمل الكارثي، مدفوعة بفشلها في سياستها الداخلية، وخوفها مما يمكن أن يفعله أنصار إسرائيل في الانتخابات المقبلة. هنري بورتر- كاتب بريطاني