دائما ما كانت المياه من أهم القضايا التى تعنى بها اسرائيل . لوقوعها فى أقليم صحراوى يعانى ندرة مصادر المياه , مما تترتب عليه سعيها الدائم للحصول على مصادر مؤمنة للمياه . ومنذ بداية التخطيط لقيام الدولة الأسرائيليه والسعى على قدم وساق لايجاد مصدر دائم للمياه تؤمن وجود الدولة وتضمن استمرارها . حيث برزت فكرة تحويل جزء من مياه النيل الى صحراء النقب عبر سيناء منذ عام 1903 حين تقدم بها هرتزل الى الحكومة البريطانية . ولم يتم تنفيذها فى حينه حيث كان الهدف الأكبر اقامة الدولة , وتم طرح القضية كأحد المشاكل الداخلية التى وان تم حلها سوف يكون على الصعيد الداخلى دون اهتمام دولى وعالمى كقضية اقامة الدولة . وتم طرح القضية مرة أخرى من خلال المشروع الذى تقدم به المهندس الاسرائيلى أليشع كالى عام 1974 وذلك لاقامة مشروع خاص بأستخدام مياه النيل فى استنزراع صحراء النقب وذلك فى أعقاب حرب 73 من خلال المفاوضات المصرية الاسرائلية وعرف المشروع أن ذلك باسم ( مياه السلام ) والذى يتلخص فى توسيع ترعة الاسماعلية لزيادة تدفق المياه فيها . ونقل هذه المياه عن طريق سحارة أسفل قناة السويس - الى داخل اسرائيل . ثم توالت المشاريع الخاصة باستغلال المياه الجوفية ومياه الأبار الارتوازيه القادرة على تخزين المياه وإعادة ضخها حيث قدم الخبيرالاسرائيلى شاؤول أورلوزووف عام 1978 مشروع خاص بنقل مياه النيل الى اسرائيل يتلخص فى شق 6 قنوات تحت قناة السويس لنقل 1 مليار متر مكعب لرى صحراء النقب وقطاع غزة . ثم جاء مشروع ترعة السلام والذى اقترحه الرئيس السادات عام 1979 حيث فكر فيه السادات لربط القدس بالقاهرة عن طريق المياه. والتى سوف تربط المترددين على المسجد الأقصى بالقاهرة من خلال مياه نهر النيل . ولكن لم يكتب له النجاح . للرفض الشعبى والرسمى الذى لاقاه المشروع . وأبدا لم تكن الحركة الصهيونية لتترك أمرا كهذا دون تخطيط حيث سعت منذ القدم لاحلال أفكار وتبديلها وفقا لما يحتاجه الموقف من قرارات . حيث أمدت الحركة الصهيونيه الكيان الاسرائيلى بعدة أفكار لسد العجز فى مصادر المياه العزبة فى اسرائيل من خلال استخدام عدة أدوات سواء سياسة أو مخابراتية أو اقتصادية أو حتى عسكرية للحصول على مصادر المياه تنسيهاهذا العجز الذى قد ينشأ داخل الدولة الجديدة ( اسرائيل ) ولم تنسى الحركة الصهيونية الاستخدام العلمى الأمثل للحصول على المياه من خلال الاستخدام التكنولوجى الحديث فى تحلية مياه البحر, واستخدام أساليب الرى الحديثة من إستخدام الرى بالتتنقيط والرى بالرش, واستخدام زراعات الصوب للحصول على أعلى نسبة توفير للمياه المستخدمة فى مجال الزراعة . ثم لجأت للعديد من الحيل المتمثلة فى استحداث السياسات الداعمة لدول حوض النيل ومخاطبة النظام الاثيوبى فى اديس ابابا بلغه لا يفهمها غيرهم والادعاء بأن حصص المياه التى تقررت فى وقت سابق على استقلالهم لانها وقعت فى عهد الاستعمار وبالتالى فمن حقهم المطالبة بإعادة تقسيم المياه مرة اخرى للحصول على حقوقهم وارضاء طموحاتهم فىاستخدامات مياه النيل والتى لا تقف عند حد استخدام المياه كمصدر للمياه الطبيعية للشرب ولكن تتعد لاستخدامها كمصدر للطاقة الكهربية . وبالتالى فقد أتت هذه الدعوات ثمارها فى شكل اتفاق عنتيبى الذى دعت له دول حوض النيل خاصة دول المنبع ووقعت عليه 8 دول من أصل 10 دول هى مجموع دول حوض النيل . بالاضافة للدولة الحديثة جنوب السودان وتنص هذه الاتفاقية . على الاستخدام المنصف والمعقول لمياه حوض النيل . وأدت هذه الدعوات التى تتبناها اسرائيل الى تفاقم الخلافات وزيادتها بين دول حوض النيل . وتطور الأمر الى ضلوع عدد من دول النيل فى اتخاذ مسارات جديدة لاستغلال مياه النيل واعلنت أثيوبيا عن بناء سد النهضة أو كما أطلقت عليه فيما قبل سد الألفيه والذى يهدف بالاساس لتوليد الكهرباء وتصديرها, وبالتالى تقدمت عدة دول للمساعدة فى بناء هذا السد ليس منهم ولادوله من دول الحوض الرئيسية ولم تتقدم مصر بأى دعم لاثيوبيا رغم مالها من خبرة فى بناء السدود وادارتها من خلال السد العالى . وتقدمت كل من الصين ، والأمارات ، واسرائيل بدعم فنى ومالى لاثيوبيا لاستخدام قوة هدر المياه فى هذه المنطقة فى توليد الكهرباء ، وازدادت الازمة وتفاقمت لحد تراشق المسئولين المصريين والاثيوبين . بالالفاظ كل منهم متمسك برأيه ويدعى على الأخر وقوفه أمام مصلحة الطرف الأخر . وتطور الأمر لحد شروع أثيوبيا فى بناء السد و استمكال ما يزيد عن 67% من مبانيه وفى انتظار انتهاء موسم الفيضان لاستكمال باقى مقرارات بانئه . وتطور الأمر بصورة غير مسبوقة لامصر تسمع . والا أثيوبيا تجيب ولم تنفرج الازمة ولن تنفرج مادام فى الأمر حركة فكرية اسرائيله تسمى الحركة الصهيونية تسعى بكل جهد لاحتواء أفكار وأحلام الافارقة للالتفاف حول الارادة المصرية . وطالما لايوجد حركة فكرية منظمة تجاه الافارقة نابعه من مصر تجاه هؤلاء والافارقة لاحتوائهم ومساعداتهم . فلن تنتجح أى جهود سواء كانت رسمية أو شعبية . لضرورة وجود ايديولوجية داعمه لهذا التوجه الى داخل دول حوض النيل . حتى تجمع " الاندوجو " فشل فى تكوين رؤيه ايجابيه من والى دول حوض النيل ولم تنجح فى استثمار وجودها كحائط صد لمحاولات الحركة الصهونية ابتلاع الوجود المصرى فى دول حوض النيل والذى ساهمت فيه وبقوة فترة عبد الناصر ، ولكن دعمت الصهيونيه وجودها فى هذه الدول وحاربت الوجود المصرى وأدعت عليه أنه وجود معادى لدول حوض النيل . وأن مصر تستغل كونها دولة مصب فى الاستحواز على النصيب الاكبر من مياه النيل تاركه باقية دول حوض النيل تعانى قصور مصادر الكهرباء وضياع قوة الهدر المائية فى هذه المنطقة بدون استغلال . وعلى هذا فضرورة الوجود المصرى أمر يتعلق بالأمن القومى المصرى. يستلزم إيجاد افكار مصرية إيجابية تجاه دول حوض النيل ,بتوجه حقيقى وليس اعلامى فقط تجاه هذه الدول , وبرغبة حقيقة فى إيجاد وإستحداث دور جديد لمصر لدفع الافكار الصهيونية المحاربة لمصر ودون التطرق الى فكرة " استعادة الدور القديم لمصر" بل إستحداث دور جديد لم تتطرق له مصر من قبل . يتمثل فى تقديم الدعم الفنى والتقنى , والخبرة المصرية ليس فى مجال السدود فقط بل دعم الافارقة على كل المستويات حتى على المستوى السياسى ودعم اتخاذ القرارات الملائمة للبيئة الافريقية 'النابعة من داخل البيئة الافريقية نفسها , ولابد ان يعتمد هذا الدعم على دراسات فنية وانثروبولوجية , متفهمة ومدركة لطبيعة هذه الشعوب ومدى إدراكها للوجود المصرى . ولابد من ادراك حقيقة هامة , مفادها ان افريقيا هى المستقبل وهى قارة التفاهمات و الانجازات القادمة و لامحالة لمصر من وجود دور قوى ومؤثر على الساحة الافريقية كما تعود التاريخ والعالم كله من قبل على ما تقدمه مصر ارض الحضارات ومهد الثقافات الانسانية ولا داعى ابدا لان تترك الساحة لدولة كل عمرها فى الحياة 60 عاما " اسرائيل" دولة فقيرة فى كل شيىء سواء الوعى الانسانى او ادراك حقيقة هذه الشعوب لتلعب دورا لايتناسب مع حقيقتها العمرية والانسانيه أمام دولة فى عمق وتاريخ الدولة المصرية. ................................... دكتورة فى معهد الدراسات الأفريقية