يقولون أن في السفر سبع فوائد ! بغض النظر عن تلك السبعة التي بالتأكيد ليست بستة وليست بثمانية , وليس عن يمينها صفرا وليس عن شمالها أي رقم من مخاليق ربنا !! أن تغيب أربعة أشهر عن أهلك وأصحابك وأحبابك إن لها لفائدة عظمى وقيمة رائعة تبلغ مبلغا غير معهودا من السعادة والمحبة والزأططة والإنصياع لأوامر الإنشكاح , وإنها لتفوق هتافات جمهور ليلة الخميس وهم يصيحون لكوكب الشرق " عظمة على عظمة يا ست " . أن تغيب عن خلانك ... إنها لفرصة لا تعوض لأن ياخدوا نفسهم , ويرتاحوا ويتنحوا ويعيشوا بعض الأيام من الهدوء النفسي والاسترخاء العصبي , ويبطلوا يروحوا لدكتور الأمراض النفسية اللي في العمارة الشامخة في أول شارع قصر النيل , ويقدروا ياكلوا أكلهم باطمئنان دون أن يخشوا من تلك " العصماء " اللي مش هتخليهم يتهنوا على اللقمة , ويمر اليوم دون زن وخناق ومعارك ليس لها أول ولا آخر ولا تقارن حتى بالحملات الصليبية وعمنا هولاكو وهو بيقطع في الناس زمان !! الغريب والعجيب والمثير للإندهاش والذي يجعلك فارغا فاهك غير قادرا على إطباقه , أن تجد هذا الشعب المصري العريق الذي يعاني من تلك " العصماء " , بدل أن يهنأ بالأربع شهور , ابتأس وحلت عليه المصائب والكوارث , وهتف في الأزقة والشوارع , وشهدت سلالم نقابة الصحفيين نداءات ولا فتات تندد بغياب المدعوة التي هي " أنا " .... ! من فوائد السفر التي وضعتها بقلمي وسجلتها على ورقي أنه يجعلك تكتشف من هم أحبائك ومن هم أعدائك ومين العزول ومين الحبيب , أن تهبط طائرتك أرض الأهرامات فتجد أرقام الشعب تتهافت على هاتفك المحمول , والإستقبال العسكري الموازي لإستقبال السادات في إحتفالات 6 أكتوبر الأخير , تدخل بيتك , تهفوا نفسك إلى غرفتك التي شهدت ذكريات عديدة , بدءا من السهر أمام كتاب الجامعة , وموبايلات الفجر المشبوهة , وقعدة الصحاب البنات , وكركبة الهدوم , ولخبطة الحجات الكتير, والشباك اللي بيشهد لقائي بابن الجيران وبايبايات أيام الثانوي . أهفوا إلى غرفتي أشتاق إلى المخدة التي وضعت تحتها كتاب ممنوع من القراءة , فتصدم قدماي بكائنات صغيرة , تترواح أعمارهم من يوم واحد وحتى 10 سنوات أدام , ومظاهرات نسائية في المطبخ , وندائات ذكورية تعبر عن فراغ المعدة من أي لقمة " حزينة " , وخناقات الفئات العمرية المراهقة , واشتباكات الفتيات اللاتي يشعرن بقمع الفتيان , ومناقشات الرجال السياسية ومناقشات الغسيل النسائية , وكل ذاك وذاك في سبيل الإحتفال بمجيء " العصماء "!! تجمع عائلي وتجمع الأصحاب , من أجل هدف وطني نبيل , ولكنني لا أشعر سوى بهدف لوجع دماغي , والذهاب بي إلى هاوية الإنهيار العصبي ! بالرغم من أنني أكتشفت حب هؤلاء البشر لي , ولكنني أكتشفت أن من الحب ما قتل ومنه ما بيودي العباسية . ولو كان للسفر فائدة لإختبار مشاعر الحب , فإن ذاك الحب تسبب في اجتماع عائلي طارئ يتسم كما يتسم بزحمة ودوشة وفوضى ولا كأنك في العتبة ..... فكان للسفر ضرر يفوق فائدة الحب .