''هيا استرخ تماماً ركز أفكارك في أمر واحد هو ألا تفكر في شىء.. أو في العدم أو في اللا شىء إن صح التعبير'' ها أنت وحيد في غرفة مطفأة الأنوار وأنت مستلق على ظهرك مغمض العينين، لا تسمع شيئاً سوى دقات قلبك، ذلك الإيقاع الرتيب الذي يذكرنا دائماً بأن عددا معين من الدقات له نهاية يتوقف بعدها عن الدق، فتخرج معه آخر دفقة من الهواء حاملة السر الإلهي، تاركة خلفها حفنة تراب تندمج بعدها مع مثيلاتها. كانت هذه الأفكار تتردد في عقلي محاولاً الاسترخاء والتركيز لكي أعلم هل نسيتها حقاً؟! أم أنني أتظاهر بذلك فقط؟! وفي هذا الجو.. ظلام وسكون.. بدأ صوت نبضات قلبي يتصاعد تدريجياً حتى صرت أسمعه بوضوح.. بل إنه يعلو ويعلو كما لو كان يخرج من أبواق عملاقة تصم الآذان، ثم اختلط بموسيقى صاخبة.. لم أكن أسمع هذا بأذني، لأنه لم يكن له وجود أساساً، لقد كانت نابعة من أعماقي يلتقطها عقلي بشكل ما.. أو ربما هي نابعة منه.. لست أدري. ثم أصوات صرخات تعلو وتعلو وأصوات عديدة تتردد وكلمات وجمل سمعتها من قبل مراراً.. كل هذا مع لقطات سريعة تمر في مخيلتي تبدو كالحلم ولكنها ليست بحلم.. كل هذا امتزج حتى صار لا يطاق.. إنه الجنون.. أنا أقترب من الجنون.. ثم بدأ كل شىء يهدأ.. كل الأصوات تهدأ وعدت أسمع نبضات قلبي وإن كانت أكثر هدوءاً وسكينة كما لو كانت تعزف عزفاً منفرداً للحن رومانسي.. وكل المشاهد بدأت تتركز في صورة واحدة، صورة لعينين هادئتين.. عينين جميلتين أحفظهما عن ظهر قلب..لهما هدوء بحر عميق خال من الأمواج يجعلك تنجذب نحوه مسلوب الإرادة مع أنك تعلم أنه قد يكون غداراً وأن هدوء البحر لا يعني سوى اقتراب عاصفة قد تغرقك وتقتلك والأرجح أن تصيبك بجرح غائر لا تشفى منه أبداً حتى وإن تظاهرت بذلك... وها هو البحر بهدوئه وها أنا ظهرت في الصورة أسبح فيه بهدوء، وأسحب مجبراً إلى الداخل ولا أقدر أن أسبح في الاتجاه المعاكس، بل حتى لا أحاول.. مع أنني لا أرى نهاية لذلك البحر ولكنني أسبح في استرخاء تام نحو المجهول، مسلوب الإرادة.. ثم فجأة جفت المياه.. لست أدري كيف؟ ولكنها جفت.. ابتلعتها الأرض، وجدت نفسي فجأة مستلقياً على رمال صحراء جرداء بلا نهاية.. أحترق بشمس قاسية.. أموت عطشاً.. أعدو خلف سراب وهمي.. مازلت أسمع دقات قلبي.. وإن صار اللحن الذي يعزفه أقرب إلى النحيب والبكاء منه الى الرومانسية.. لحن قلب مجروح وحيد.. يقطر دماء. توقفت أفكاري عند تلك النقطة وفتحت عيني.. وأضأت أنوار الحجرة لأنظر في مرآتي لأجد وجهاً شاحباً تنساب الدموع حزينة على وجنتيه.. تجيب وبكل وضوح عن سؤالي.. هل حقاً نسيتها؟! كلمتنا – ديسمبر 2001