دقات الساعة بطيئة للغاية، أنصت إليها في ملل .. أنتظر .. وأنتظر .. ياااه إنها تأخرت كثيراً! ها أنا أسمع صوت المفتاح يدور في فتحة الباب، فينفتح هذا الأخير مصدراً صريراً خافتا، فيكشف عن فتاتي .. تلك الفتاة الرقيقة الجميلة ذات الملامح الجذابة، ها هي تندفع نحوي لتضمني إليها وتقبلني، وتمرر أناملها الرقيقة الناعمة على رأسي وتنظر إلىّ بحنان وكأنها تعتذر لي عن غيابها! هنا يرن جرس التليفون، فتضعني على الأريكة المجاورة لها لتلتقط السماعة بين أناملها في رقة وترد على المتحدث. وفجأة .. أرى لون عينيها الجميلتين يتغير إلى الاحمرار؟! لابد وأنه نبأ أزعجها كثيراً .. فمن هو المتحدث ياترى؟ هل هو خطيبها، ذلك الشاب الوسيم؟ أكاد أسمع صوته الرقيق الخافت، لابد وأنه يعتذر لها عن موعد اللقاء! أراها تكشر عن أنيابها وتوبخه بشدة، وأرى أظافرها الطويلة الملونة تنغرس في سماعة التليفون، وكأنها تريد غرسها في عنقه! ليس لها حق في ذلك! ياااه كم أحبها ذلك الفتى وضحى كثيراً من أجلها! ها هي تضع السماعة بعنف ويزداد بريق عينيها في ضوء المصباح. وما إن وقعت عيناها علىّ - وأنا أرمقها بشدة - حتى دفعتني عنها بقوة! آه آه أصرخ .. أتألم .. أشعر الآن بخشونة يديها الحقيقية وأشعر بوخز مخالبها الطويلة التي انغرست في جلدي، ولكن بالرغم من كل هذا فأنا متمسكة بها فأنا أخلص الناس في حبها! ياااه ما ألذ لحظات هدوئها وصفائها حيث تزداد رقة ونعومة، وما أشرس هذه اللحظات التي تمر بها الآن ففيها تزداد قسوة بلا حدود! ها أنا أسمع جرساً آخر ولكنه هذه المرة جرس الباب، وأرها مندفعة نحوه، لتفتحه بلهفة. يبدو أنها تنتظر ضيفاً. وينفتح الباب .. فيدخل شاب طويل وسيم الملامح بعض الشئ يلقي عليها التحية فترد تحيته برقتها ونعومتها المعهودة. كيف تحولت بهذه السرعة؟ ها هو يدخل حجرة الصالون، وأراها تسرع نحو المطبخ .. أختلس نظرة من بعيد فأراها تعد له كوباً من العصير، ولكن ماهذا؟! شئ ما يسقط منها .. إنه ذلك الطوق المعدني الذي يزين إصبع يدها اليمنى، أراه يسقط ويرن بقوة على الأرض .. يرن، ويرن وكأنه يتألم لفراق إصبعها الناعم الرقيق! يسكت رنينه فجأة تحت قدميها وأراها تدوس عليه بقوة .. تكتم أنفاسه فلا يتأوه مرة أخرى! وتخرج بعد دقائق حاملة كوب العصير وابتسامة رقيقة على ثغرها الصغير، وتدخل حجرة الصالون .. أذهب خلفها لأختلس النظر من وراء الستائر المنسدلة، فأسمع همسات وضحكات عالية مجلجلة وأراها تتمايل بعذوبة ورقة طاغية وضحكاتها تتزايد. إنني أسمع جرس التليفون يرن مرة أخرى .. يرن ويرن وضحكاتها تتزايد فلا تسمعه أو تتجاهله، ويرن الجرس وكأنه يعلن لها عن خيانتها! ماذا تفعل؟!! هل هى خائنة حقاً؟ أتتساءلون ما سر تمسكي بها؟ ما سر حبي لها؟! لأنهم يقولون إنها تشبهني كثيراً .. تشبهني إلى حد كبير. مع أنها من بني الإنسان إلا أنها مثلي .. مثلي تماماً .. مجرد قطة!! كلمتنا – ديسمبر 2000