مائدة مستديرة، وقامات هندسية، واحاديث جانبية دائره جميعها حول المشروع العظيم الذي اتمه مؤخرا المهندس العبقري أشرف المصري والذي يهدف الى حل مشكلة الاسكان الأزلية فى مصر. وما ان بدأ الاجتماع حتى ساد هدوء مطبق وتعلقت الأعين بالمهندس العبقري الذي ورث شركة من أكبر شركات المقاولات فى الشرق الأوسط عن أبيه المهندس محمود المصري ، فهو اذا مهندس بالوراثة ومالك أيضا بالوراثة. بدأ الاجتماع بكلمات الثناء والشكر على المجهود العظيم الذي قام به المهندس العبقري طيلة السنوات الثلاث الماضية حتى يخرج مشروعه بهذه الصورة العبقرية التى ابهرت كل من طالعها. وحان وقت الحوار ومناقشة جوانب المشروع وصعد صوت من بين الحضور، صوت يمتاز بالعقل والحكمة وبكلمات هندسية منمقه توجه بسؤال للمهندس العبقري: -المهندس أشرف، انت ذكرت فى مشروعك أن المدن الزجاجية ستحل محل المدن الحالية والسؤال ماهى مواد البناء التى سيتم استخدامها؟ وكيف لنا ضمان سلامة الزجاج من السرطان الزجاجى على سبيل المثال؟ وما هو سر اختيارك للزجاج؟ اصيب المهندس العبقري بالارتباك لثوان ثم قال: -امممم عشان الشفافية ههههههه. لاقى المهندس العبقري عدم استجابة من الحضور لدعابته هذه، ووجهوا اليه نظرات ممتزجة بالدهشة و الحيرة، فكيف لمهندس محنك مثله أن يبعد مسار الحديث عن الهندسة وعن مشروع هندسى هام ويلقى دعابة كهذه فى مثل هذا الاجتماع المتخصص، ووسط هذه الحيرة أشار أشرف للمهندس كريم ليتحدث حتى ينقذ الموقف، وكعادة كريم - طوق النجاه للمهندس العبقري- فهم اشاراته واومأ برأسه ثم توجه للمهندس السائل: -فى البداية احب اشكر الباشمهندش عبد القادر على سؤاله أو بالأدق على أسئلته، احب أن احيط حضرتك علما بأن جميع هذه التساؤلات تم طرحها ومعالجتها فى البحث ، أما عن السؤال لماذا الزجاج بعينه دون غيره، فهذا متروك لتقدير حضرتك، والبيوت خلاص مبقتش أسرار. ابتسم كريم بتمام جملته بشئ من الاعجاب بنفسه وابتسم الحضور دون أشرف، الذي تجهم وكأن لم يصله مايرمى اليه كريم. وتوالت الأسئلة من الحضور وزاد ارتباك وتوتر المهندس العبقري، ولعل اكثر شئ عَظًم من حدة هذا التوتر هو توجه أحد الحضور للعبقري طالبا منه القيام بعرض الخطوط العريضة المشتمل عليها المشروع، وايضا المناهج التى اتبعها ودراسة الجدوي وتكاليف المشروع ....الى آخره. وجائهم رده- الذي لم يدهشهم كثيرا- انه يريد ترك هذه المهمة للمهندس كريم فهو معاونه ويعلم كل تفصيلة فى المشروع، وأشار كالعاده لكريم بالحديث، ابتسم كريم ابتسامة حزن وأخذ يتحدث بطلاقة عن المشروع، وكيف استطاع العبقري أن يضع فيه خبرة السنين وعلم العالمين. وقف الظل يتحدث عن مشروعه الذي رضى أن ينسبه لغيره بفعل اجرامى باع به ملكية فكره ولا يلام غيره فى ذلك فهو الذي أرتضى منذ البداية أن يلعب دور الرجل الثانى فى الحكاية فيقوم بالعمل وينسبه للعبقري الزائف، والعبقري أصبح منذ ذلك الحين ظلا لظل العبقري. وصار يحاكم نفسه دوما ويتسائل بدون أنقطاع، الى متى سيظل العوز موكل بقتل المواهب والكفاءات؟ والى متى سنصر على اضفاء قيم زائفة على الأشخاص و الأشياء؟ فنجعل الحجر كريما والكريم حجرا.