هناك كلمات عندما نسمعها تجعلنا نبكي، وكلمات أخرى تميتنا من الضحك..ولكن وقع كلمة "مترو" على نفسي له تأثير ولو تعلمون عظيم..أحيانا أشعر أ أعصابي لن تتحمل أن أركب المترو، وأحيانا أخرى أتذكر مواقف في المترو تجعلني أبكي من الضحك! ليه المترو بيخليني أعيط؟!!..يووووه حاجات كتيير..أولها الباعة الجائلين، و ما أدراكم ما الباعة الجائلين، هم بشر عاديين مثلنا بيركبوا المترو عادي، لكن ما إن يتحرك المترو حتي تجدهم قد تحولوا، فتجد الواحد فيهم يحمل حوالي أربع خمس كراتين أو شنط، وفجأة وبدون مقدمات تجد من يصرخ في أذنك "لباااان يا مدام، بسكوووت يا آنسة، قلم كحل يا هانم، طب لزق مستورد بيلزق أي حاجة"..باختصار هم يبيعون أي شيء وكل شيء! أكثر ما يزعجني أنني لا أستطيع لومهم، لأني لا أستطيع أن أوجد لهم البديل..لا أحد يهتم بهم أو يؤمن لهم عملا ثابتا..ولذلك يبقى الوضع على ما هو عليه، وعلى المتضرر السكوت إلى حين إصلاح الأحوال! وطبعا لا ننسى الست..أو الستات..جميعهن لديهن أربع بنات في الجامعة..وكلهن أرامل..وكلهن لا يقدرون على العمل..وطبعا علينا أن نساعدهم لأن الرسول (صلي الله عليه وسلم) أوصى باليتيم..طيب بالنسبة للآية التي تقول "تحسبهم أغنياء من التعفف"..أليست الكرامة أهم من الجوع والفقر؟! والذي يجعل الدم يغلي في عروقي..عندما يركب رجل عربة السيدات..والذي يستفزني أكثر عندما أوضح له أن هذه عربة سيدات فقط، فيضحك ويقول لي "ما أنا عارف"..آاااااه..ساعاتها بشعر برغبة حقيقية إني أفجّره..بصراحة أحيانا أتعصب وأتشاجر معهم وأنا أعرف أنه لن ينوبني سوى حرقة الدم، لأنه بمنتهى البساطة يستطيع أن يستفزني أكثر ويرفض النزول..وأحيانا "بطنش"..وأيضا يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر إنه ينكتم لحد ما أحوال البلد تتصلح! ولأني أستخدم المترو بشكل يومي تقريبا في رحلتي الطويلة إلى الكلية (14 محطة)، كان لابد أن أجد ما يسلي وقت فراغي في هذه الرحلة..وبالطبع وجدت..إنهم رفقاء كفاحي في المترو "ركاب المترو" الذين أصبحت أنا وهم عشرة.. فاسمحوا لي أن أعرّفكم عليهم: مدام ابتسام..تبلغ من العمر 45 سنة..أرملة ولديها بنتان وولد..تعمل ممرضة في القصر العيني..بتطلع عين دكاترة الامتياز اللي شايفاهم فرافير..ولكنها في الوقت ذاته متعاطفة دائما مع المرضى، لأنها الغلبان لا يشعر به إلا الغلبان اللي زيه..رغم إنها لا تفقه شيئا في السياسة فهي تكره مبارك، ولكنها تكره الثورة أيضا، لأنها ترى أنها جابتنا ورا (ده على أساس إننا كنا في المقدمة يعني!)..مش فارق معاها مين يمسك البلد، تقول إن أي حد يجلس على الكرسي بيتغير. إبراهيم..يتضح من الخرشمة التي في وجهه أنه كان في التحرير..ثورجي أصيل..لا يريد شيئا من الدنيا سوى أن يعيش بكرامة هو وغيره في هذه البلد..لا ينتمي لأي تيار سياسي أو حزب..ورغم إنه يرى في عيون من حوله اتهامهم له بأنه بلطجي، فهو حالف يعمل كل ما في وسعه كي يسترد حقهم في حياة أحسن ووطن أأمن وحرية دائمة. الحاجة عزيزة بائعة المناديل.. ليست شحاذة، وعندما يمنّ عليها أحد بفلوس أكثر من ثمن المناديل..ترفض بمنتهى الشموخ وعزة النفس..وعندما تضايقت منها إحدى الراكبات ذات مرة وقالت لها "روحي اشتغلي أحسن"، ردت عليها بمنتهى الثقة "أنا مش بشحت منك أنا بشتغل..ما تتكبريش عليا عشان كلنا ولاد تسعة..مفيش حاجة بتدوم..شوفي مبارك كان فين ووصل لفين"..بصراحة كنت معجبة بثقافة الحاجة عزيزة وحكمتها الفطرية التي ربما لا توجد عند المثقفين والمتعلمين. أستاذ سعيد..صاحب محل عطور في الحسين..مثقف جدا، ومواظب على قراءة الجرائد كل يوم في المترو..الأول كان يقرأ الأهرام والمصري اليوم..ولكن مؤخرا يقرأ التحرير والشروق وأحيانا المصري اليوم..واضح جدا إنه فقد الثقة في الجرائد الحكومية..رأيه إن ثوار التحرير جدعان..عنده ثقة عالية في نفسه جعلته يفكر إنه لو مسك زمام هذه البلد فسوف يعدلها..ولكن واضح أنه لا ينوي أخذ خطوة جدية تجاه هذا الموضوع. كل هؤلاء يتجمعون في المترو يوميا، بطباعهم وأفكارهم المختلفة..هدفهم شبه موحد..كل منهم يريد أن يذهب إلى مكان معين في وقت محدد..وقد اتفقوا جميعا أن المترو هو وسيلتهم لتحقيق هدفهم..وإذا كنا نتفق يوميا على وسيلة واحدة لنصل إلى هدفنا لماذا لا نستطيع أن نتفق على وسيلة واحدة كي نصل بهذه البلد إلى بر الأمان؟!