رئيس وزراء طاعن في السن يوجه خطابا مهما في ظروف دقيقة تتعلق بالعلاقات الخارجية لبلاده، يرفع صوته بقوة يصيح متحديا "لن تركع مصر" يكررها مجددا على مسامع المصريين في حضرة نوابهم المحترمين الذين يصفقون بحرارة منقطعة النظير كعادتهم، الجزوري رئيس وزراء مصر يقولها بلا مواربة أن القاهرة لن تتراجع قيد أنملة عن مواقفها بخصوص كرامتها وسياستاها وفي القلب منها بالتأكيد عدم التراجع عن موقفها في قضية التمويل الأجنبي المتهم فيها أجانب منهم 19 متهما أميركيا بقى نحو 7 منهم مختبئين في السفارة الأميركية مشهد داخلي معتم نحو 15 أجنبيا يغادرون مطار القاهر رفقة حماية أمنية بعد ساعات من رفع حظر السفر عنهم فجأة بع ساعات أيضاً من تنحي هيئة المحكمة الخاصة بهم....... وكل ذلك بعد ساعات قليلة جداً من تصريح حقيقي لوزارة الخارجية الأميركية أن الأزمة في طريقها للحل.. وهو التتابع الذي يستوجب الربط بكل حسن نية. بين المشهدين وبكل أسف مشاهد أخرى مظلمة بل ونتنة وفاسدة باع فيها صانع القرار المصري، استقلالية قراره وهيبة دولته ونزاهة قضائه وثقة مواطنه، بلا ثمن معلن... نعم بلا ثمن واضح ومعلن حتى اللحظة خاصة مع تأكيد أكثر من مسئول مصري مطلع على الأزمة لي شخصيا أن شيئا غامضا حدث فجأة ودون علم الجميع. القضية التي ملأ الإعلام الرسمي الحكومي رؤوسنا بها زنا وطنينا خلال شهرين تنتهي بتهريب المتهمين الأجانب، الذي قال عنهم الإعلام أنهم يخططون لنشر الفوضى وتقسيم مصر رفقة العديد من التهم الأخرى، بكفالة تاريخية أخشى أن تكون هي جل ثمن رحيلهم المريب. لكن الأزمة وما فيها من تعقيدات كانت كاشفة للعديد من الكوارث والثغرات في جسد الدولة المصرية الكهلة، التي حتى لم تجدد ملابسها مثلما تفضل وقال رئيس وزرائها المغوار من قبل، ذلك رغم أنها من المفترض أن تغير جلدها بثورة شبابها. *الأزمة كشفت أن نظام مبارك لم يسقط وان كل شيء يدار في تلك البلاد وفقا لسياساته غير الشفافة والتي تعامل المواطن على انه ضيف على ارض مصر ليس من حقه معرفة أي تفاصيل تتعلق بسياسات بلاده الخارجية كغيره من المواطنين الشرفاء عبر العالم، وربما استشار صانع القرار المصري مبارك نفسه للإفادة من خزين ممارساته الانبطاحية قبل التصرف في القضية. *الأزمة كشفت أن الأزمة كلها كانت فارغة المضمون من الأساس. . ودون أي سند قانوني واضح وعززت ما رددناه سابقا أنها كانت لأسباب سياسية تتعلق أساسا بفضح تلك المؤسسات لممارسات المجلس العسكري وشرطته العسكرية *الأزمة كشفت أن مصر بإمكانها فتح تحقيق في قضية ما والتعجيل بالتحقيق متى أراد صانع القرار بل وتقديم المتهمين للمحاكمة في أقل من شهرين، بدأت الأزمة 29 ديسمبر.. وبدأت المحاكمة 26 فبراير... الأزمة فضحت أن الدولة في مصر غير راغبة في التعجيل بتحقيقات عشرات لجان التحقيق عبر 13 شهرا من الثورة. *الأزمة كشفت أن مصر ورغم كل ذلك لا يزال بها رجال شرفاء غير قابلين ببيع ضميرهم او شراء زممهم عبر لمكالمات تليفونية ربما تتم في أسحار الليل لكنها كشفت ان القضاء المصري بحاجة إلي فلترة وغربلة لقضاة امن الدولة وغيرهم من المؤمنين بنظرية قضاء السلطان لا سلطان القضاء *الأزمة كشفت عن السر وراء احتفاظ المجلس العسكري ببيادق مبارك في مفاصل الدولة.. ببساطة لأن ولاءهم للسلطان لا للشعب.. وينفذون كل ما يراد منهم تنفيذه دون نقاش... كما كشفت الدور الذي يلعبه هؤلاء البيادق في إثارة الرأي العام واللعب على دغدغة مشاعره الوطنية للاستعطاف وحشد التأييد *الأزمة فضحت الدولة في مصر بعد أن أوضحت للرأي العام كيف تتعامل الدول المحترمة مع رعاياها المعتقلين خارجها، بغض النظر عن خطأهم، وكيف تقاتل وتسخر جل إمكانياتها الدبلوماسية وترسل عشرات مسئوليها عبر البحار والمحيطات من اجلهم.. الأزمة فضحت تجاهل عمره 19 عاما من القاهرة للشيخ الضرير عمر عبد الرحمن القابع في سجون الولاياتالمتحدة نفسها وعشرات آخرون في سجون العالم، ذلك رغم أنها ثورة قامت أصلا من اجل الحرية والكرامة الإنسانية. *الأزمة كشفت أن الدولة المصرية ربما تضحي بمستقبل 14 من شبابها من المتهمين في القضية ثمنا لمغامراتها مراهقتها غير المحسوبة وللحفاظ على شكلها العام لكن اخطر ما كشفته الأزمة هو أن مصر بحق لا تزال بحاجة إلي ثورة