رغم مضى أكثر من سبعة أشهر على نجاح الثورة في الإطاحة بنظام الرئيس السابق حسنى مبارك، فإن العديد من أعمدة ورموز هذا النظام الذين تسببوا في قتل المتظاهرين، وقضايا فساد، وإهدار المال العام، نجوا بفعل فاعل من مقصلة الثورة التي نجحت في الزج بالعشرات من رجال مبارك خلف القضبان. الغريب في الأمر أن الشبهات تحيط بهم، وأن كلا منهم شهدت البلاد حينما كان في موقعه العديد من الجرائم، والتي ربما تبحث عن دليل إدانة، أو تجد من يتستر عليها. أبرز الناجين من مقصلة الثورة اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات السابق منذ عام 93 وحتى 2011، ونائب رئيس الجمهورية، والذى كان أحد أبرز رموز نظام مبارك، وارتكبت تحت سمعه وبصره جرائم قتل المتظاهرين وموقعة الجمل، فضلا عن دوره المعروف في محاولة تصفية المقاومة الفلسطينية وحصار غزة، ومقتل يوسف أبوزهرى شقيق سامى أبوزهرى القيادى بحماس تحت وطأة التعذيب بسجن برج العرب، كما وجهت إليه تهم بالضلوع بعمليات تعذيب ضد معتقلين لحساب المخابرات الأمريكية. عمر سليمان - بحسب وزير الخارجية الليبي السابق عبد الرحمن شلقم - كان "رجل ليبيا في مصر" وتورط في اغتيال المعارض الليبي منصور الكيخيا الذى كان يقيم بالقاهرة، حيث نفذ عملية تسليمه للنظام الليبي خدمة للقذافى. ومن أبرز الناجين أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق والذي تعهد بتقديم "البنبون والشيكولاتة" للثوار في التحرير، في الوقت الذي ارتكبت فيه "موقعة الجمل" وراح ضحيتها العشرات دون أن يتحمل أية مسئولية رغم كونه رئيسا للحكومة آنذاك، فضلا عن بلاغات بإهدار المال العام وإجراء مناقصات وهمية، حينما كان وزيراً للطيران. يرافقه فى النجاة اللواء محمود وجدى وزير الداخلية السابق، والذى شهدت فترة وزارته أكبر عملية فرم وحرق لوثائق ومستندات جهاز أمن الدولة، لكنه خرج من الواقعة كالشعرة من العجين، دون أن يعرف أحد حتى الآن من وراء حرق مستندات الجهاز، وهي العملية التي يبدو أنها ستقيد كالعادة ضد "الماس الكهربائى"!! علامات الاستفهام أيضا كثيرة عندما تسمع أن فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق لمدة 20 عاما فى نظام مبارك، برىء براءة الذئب من دم بن يعقوب، فالرجل الذى شهد عهده محرقة قصر ثقافة بني سويف وسرقة لوحة زهرة الخشخاش بتكلفة تصل إلى نصف مليار جنيه، وإهدار المليارات في مهرجانات واحتفالات عالمية فاشلة، وسرقة العديد من الكنوز الأثرية فى البلاد وسط تقديرات تشير إلى تهريب أكثر من عشرة آلاف قطعة أثرية، وغيرها من الجرائم، مازال حرا طليقا. يشاركه الأمر زاهى حواس وزير الآثار السابق الذى أخفى جريمة سرقة المتحف إبان أحداث الثورة، واستغل منصبه في التربح لصالح شركات دعاية عالمية، وراجت في عهده تجارة الآثار، وتلقى – بحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية - مكافأة سنوية من قناة «ناشيونال جيوجرافيك» الأمريكية نحو 200 ألف دولار ك«مستكشف مقيم»، حيث يتحكم فى دخول المواقع الأثرية التى تتضمنها تقارير القناة. أما وزير الإنتاج الحربى السابق سيد مشعل، وعلى الرغم من تزوير نتيجة الانتخابات بدائرة حلوان لصالحه أكثر من مرة، فقد نجا هو الآخر من المقصلة، هذا بالإضافة إلى اتهامات تلاحقه بالفساد والتربح من وراء منصبه، فضلا عن معدات قضية الرشوة الفلندية، والتى طلب المدعى العام الفلندى من السلطات المصرية التحقيق فيها، وتم التعتيم على دور"مشعل" فيها لحساسية موقعه. وهناك عدد من الناجين ربما لا تلاحقهم جرائم التربح والكسب غير المشروع، لكنهم ارتكبوا العديد من الجرائم في حق هذا الوطن، على رأسهم ممدوح مرعى وزير العدل السابق الذي أفسد القضاء، وشارك في مسلسل تزوير الانتخابات البرلمانية، ومنح تعيينات القضاة لأبناء الكبار رغم حصولهم على تقديرات متدنية. يرافقه أيضا أحمد أبوالغيط وزير الخارجية الأسبق الذى تعهد بكسر قدم أى فلسطيني يدخل إلى رفح، وأهدر كرامة المصريين في الخارج، ومنح تعيينات السلك الدبلوماسى لذوى الوساطة والمحسوبية، وسار على خطى القذافى بتحذير الدبلوماسيين فى الخارج عبر برقية صادرة عن مكتبه من الدخول على الفيس بوك أو تويتر وموقع ويكليكس أو كتابة أى تعليقات على الانترنت تؤيد الثورة، وهدد بفصل الدبلوماسيين إذا ذهبوا إلى ميدان التحرير، وقال "إن تكرار ما حدث فى تونس فى مصر كلام فارغ". ومن الناجين أيضا عدد من الهاربين منهم رشيد محمد رشيد وزير التجارة الصناعة الأسبق، ويوسف بطرس غالى الذى يتردد أنه سافر بإذن من عمر سليمان وأحمد شفيق، وحسين سالم الهارب بإسبانيا، كل هذا دون أن تتحرك أى جهة لكشف المتورطين في الوقوف وراء هروب رشيد وغالى وسالم. الملفت فى الأمر أن مقصلة الثورة -لم تستطع حتى الآن- النيل من قيادى الوسط الرياضي الذين كثيرا ما هللوا لنظام مبارك، وأرجعوا إليه الفضل فى كل هدف يدخل شباك المنافس، كما أهدروا المليارات على فضيحة صفر المونديال، واستقدام المدربين الأجانب، وعلى رأسهم سمير زاهر رئيس اتحاد الكرة، وحسن صقر رئيس المجلس القومى للرياضة، وعدد من الإعلاميين الرياضيين أمثال أحمد شوبير وخالد الغندور ومدحت شلبى الذين أشعلوا أزمة الجزائر الشهيرة، وما زالوا قابعين يحللون ويضيعون أوقات -مصر بعد الثورة- في متابعة عقد شيكابالا، ورحيل أحمد حسن، وزواج يارا ومتعب. قائمة الناجين من مقصلة الثورة يصعب حصرها، لا سيما فى ظل انقلاب الفلول وتحولهم إلى "ثورجية" من أمثال عمرو عبدالسميع وعمرو أديب وأسامة سرايا وحمدى رزق وخيرى رمضان وسيد على وغيرهم من المتحولين إعلاميا، هذا بالإضافة إلى قتلة سيد بلال ومسعد قطب وخالد سعيد، وآخرين من قيادات الجهاز المنحل الذى ارتكبوا العديد من الجرائم، ونجحوا بجدارة فى الإفلات من المقصلة.